بازگشت

الايذاء والاضرار


يوجد في كلمات شيخنا الشهيد أن الإنسان منهي عن جرح نفسه وإتلافها [1] ، والظاهر أنه يريد بالجرح ما يوجب الضرر بحدوث مرض لا يتحمل عادة أو بطؤ برئه، ومع ذلك لا دليل من العقل والنقل علي حرمة ذلك ما لم يؤدّ إلي إتلاف النفس.

وقد جوّز أصحابنا أن يختن الخنثي المشكل اعتماداً علي أصالة البراءة، مع كون ذلك إيلاماً وإيذاءً وجرحاً يبقي ألمه أياماً، وربما يوجب مرضاً. ولم أعثر علي قائل معلوم صرح بحرمته، وإنما اختلفوا في وجوبه، والمعروف بينهم - وهو الذي تقتضيه القواعد - العدم. نعم نسب الشهيد التحريم إلي القيل [2] ولعل القائل ليس منّا. وهو مع ذلك لا وجه له حتي علي ما يقوله بعض العظماء [3] من حرمة الإضرار بالنفس عقلاً ونقلاً، لعدم كون ذلك إضراراً.

والفرق جلي بين الإضرار والإيذاء المؤقت، نظير وشم الأيدي وغيرها من الأعضاء، المتعارف قديماً وحديثاً، والأدلة ناصّة علي حرمة إيذاء الغير وإضراره، والمطلق الشامل بذاته منها للنفس - لو كان -، هو منصرف إلي ذلك.

وربما كان في وجوب الختان علي المسلم، ولو طعن في السن [4] ، واستحباب ثقب أذني الغلام الذي اتفق عليه النص والفتوي [5] ، وثقب آذان النساء وأنوفهن لتعليق الأقراط [6] والشّنوف [7] والخزائم [8] والوشم لهن علي القول المعروف بجوازه علي كراهية، وغير ذلك مما ستعرفه، دلالةٌ علي شرعية الإيذاء والإضرار في الجملة.

لم يقع في الكتاب والسنة لفظ إيذاء النفس وإضرارها وما يؤدي معني ذلك، موضوعاً لحكمٍ مّا حتي يصح لأحد أن يجاهر بدعوي دلالة النقل، فضلاً عن حكم العقل الذي لا يستبهم أمره علي العقول.

وكل من رمز إلي دلالة الأدلة العقلية والنقلية علي حرمة إيذاء النفس وإضرارها، لم يحل تلك الرموز حلاً تفصيلياً ولا إجمالياً.

ومن فحص الأدلة الشرعية لا يجد سوي ما تضمن حرمة إيذاء الغير وإضراره نصاً أو انصرافاً، ومن أمعن النظر في أحكام العقول لا يجد فيها سوي قبح ظلم النفس، وهو لو صلح دليلاً علي الحرمة الشرعية، لا يعم - بلا شبهة - كل ما ينزله الإنسان بنفسه من أنواع الأذي والإضرار، ما لم يكن إتلافاً لها أو موجباً لفقد طرف أو حاسة، علي إشكال في هذا لولا الاتفاق المدعي علي تحريمه.

وأنا في هذه النبذة التي لابد من تحريرها، أفصّل حكم العقل عن النقل، وأفصّل الكلام في ما يقضي به كل منهما.


پاورقي

[1] القواعد 1: 231.م.

[2] القواعد 1: 231.م.

[3] منهم المحقق الأنصاري في رسالة الضرر [صفحة 278]. إلا أنه لا يُعرف الوجه في ذلک. وهو أعرف بما قال. ولا يبعد أنه علي هذه الدعوي بني في کتاب (الغاية القصوي) حرمة ضرب الرؤوس بالسيوف في العزاء الحسيني. ولکن في کون ذلک إضراراً بالنفس وفي حرمة الإضرار بجميع مراتبه کلام ستعرفه.

[4] في خبر السکوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال علي (عليه السلام)-: (إذا أسلم الرجل اختتن، ولو بلغ ثمانين) [الکافي 6:37]. قال في الجواهر [31: 261]: ولا قائل بالفصل بين المسلم وبين الکافر إذا أسلم.

[5] لا خلاف في استحباب ثقب أذني الغلام. وفي الجواهر [31: 263] الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلي السيرة. والنصوص الکثيرة، منها خبر ابن خالد عن الرضا (عليه السلام) أنه لما ولد الحسن (عليه السلام)، أمر النبي (صلي الله عليه وآله) بثقب أذنيه، وذلک لما ولد الحسين (عليه السلام)، وکان الثقب في اليمني في شحمة الأذن للقرط. وفي اليسري في أعلاها للشنف [الکافي 6: 34]. وفي خبر مسعدة بن صدقة أن ثقب أذن الغلام من السنة. [الکافي 6: 35]. ومن هذا الباب خفض الجواري، فقد جاء في الأخبار أن الختان سنّة، وأنه من الحنيفية، وأن خفض الجواري، فقد جاء في الأخبار أن الختان سنّة، وأنه من الحنيفية، وأن خفض النساء مکرمة، وليس بواجب. [الکافي 6: 37].

[6] الأقراط جمع القرط: ما يعلّق في شحمة الأذن من درّة ونحوها.م.

[7] الشُّنوف جمع القرط: ما يعلّق في أعلي الأذن من الحلي. م.

[8] الخزائم جمع الخِزامة: حلقة تجعل في أحد جانبي المنخرين.