بازگشت

العسر والحرج في الادلة الخاصة حكمة لا علة


الدقيقة الأولي: إن كلام أصحابنا في نفي الحرج مختص بما إذا كان الحرج علة لرفع الحكم أو عدم جعله ابتداءً، أما إذا استند رفعه إلي دليل خاص، وإن لوحظ فيه الحرج حكمة، فليس ذلك من محل كلامهم في رفع الحكم بأدلة الحرج. ولذلك تري الفقهاء يحكمون بجواز التيمم عند حصول الشين أو تشقق الجلد وخشونته، ولا يحكمون به في ما هو أشد من ذلك تعسّراً، كالوضوء والغسل - مثلاً - في البرد الشديد، والصلاة في حر الظهيرة إذا لم يجد الظل، والصوم في شدة الحر وطول النهار، وسفر الحج للبعيد في الأهوية غير المعتدلة وغير ذلك، وما هذا الفرق إلاّ لأن ارتفاع وجوب الوضوء في الموارد السالفة لدليلها المختص بها، وكون الحكمة فيها هي التخفيف لا يقضي بالتسري إلي غيرها، لأن الحكمة لا يلزم اطّرادها.

ومن سبر مواضع وقوع تلك الموارد في رسالة الفقيه الشامي، يجده يهوّل بارتفاع الحكم في موردين أو ثلاثة [1] - لا أزيد من ذلك - بكون الفعل فيها أقل مشقة من لدم الصدور بالأيدي وضرب الظهور بالسلاسل، وانه إذا كان الحكم مرتفعاً في الأهون الأخف، كان ارتفاعه في الأصعب الأشق أولي!!

وقد فاته أن يعلم أن ارتفاع الحكم في ما ذكره من الفروع إنما هو لدليله المختص به، والحرج فيه حكمة، لا علّة، فكيف يصح التهويل به وقياس غيره عليه لولا عدم التمييز بين الموردين؟

وإذا كان ذكر موضعين أو ثلاثة من ذلك القبيل، فإن الشهيد الأول - في (القواعد) ذكر نيفاً وستين فرعاً جميعها مما بني علي التخفيف، ولو حظ الحرج فيها حكمة، لا علة [2] ، ولذلك لم يعتبر اطرادها، بل يؤخذ بالإطلاق في موارد كل منها، ولا يجوز في قواعد الفن وأصوله الأخذ بالفحوي والأولوية في غيرها.


پاورقي

[1] مذکورة في ص 20 من الرسالة، وهي خوف المکلّف حصول الخشونة في جلده وتشققه من استعمال الماء في الوضوء، وفي ص 17 من سقوط مباشرة الحج عمن يعسر عليه الرکوب.

[2] القواعد 1: 127-132. م.