بازگشت

الارسال في اخبار وقائع الطف


الثالث: إنّ وقائع الطف لم تصل إلينا - حتي التي تلقيناها بواسطة المفيد والشيخ والسيد وأضرابهم - إلا مرسلة، وأكثر ما يرسل المؤرخون وأوثقهم ابن جرير الطبري عن أبي مخنف، وهو لم يحضر الواقعة وكذلك غيره. وكثيراً ما اعتمدوا في النقل علي هلال بن نافع وحميد بن مسلم وهلال بن معاوية وغيرهم ممن شهد حرب الحسين (عليه السلام) وكان مقاتلاً له.

وأيّ فرق - غير اختلاف مراتب الوثوق - بين ما ينقله المفيد ويرسله السيّد، وبين قوله في (البحار) وغيره من الجوامع (روي مرسلاً) أو (روي بعض الثقات) أو (روي بعض أصحابنا) أو (روي في بعض الكتب القديمة) أو (روي في بعض الكتب المعتبرة) وشبه ذلك من العبائر؟!

أم أيّ فرق - غير ذلك - بين ما تضمنته تلك العبارات، وبين ما يوجد في كتاب العالم الفاضل الأديب الشيخ حسن بن الشيخ علي السعدي، الكنّي بـ(أبي قفطان) [1] من مراسيل تلقاها من مشايخ أهل الكوفة وصاغ لها ألفاظاً من نفسه، وما القصور الذي يكون فيها بحيث تنحطّ عن درجة سائر المراسيل الموجودة في (المنتخب) وفي (الدمعة الساكبة) إلي حيث تسقط عن درجة الاعتبار من رأس؟ وإذا كان القارئ - علي ما قلناه - نقل مضمون تلك المراسيل المروية في تلك الكتب، لا يكون كاذباً البتة، ولا ناقلاً لما هو معلوم الكذب، فما هو إذاً معني قول الكاتب - مشيراً إلي ما يقرأه - الذاكرون من الأخبار - إنّها معلومة الكذب؟!

من ذا يا تري - غير عالم الغيب - يعلم أنّ الأخبار مكذوبة. نعم إنّ تلك الأخبار غير معلومة الصدق، وهكذا جميع الأخبار بلا استثناء، وشتان بين معلوم الكذب وبين غير معلوم الصدق. ولو لزم الناس أن لا ينقل أحد منهم إلا الصادق أو معلوم الصدق - ولو بالطرق الظاهرية المعروفة في كتب الأصول والحديث - لانسدّ باب نقل الأخبار، وبطل الاحتجاج بأقوال المؤرخين، وذلك ما لا يلتزم به عالم ولا جاهل.

ولو أن الكاتب - سامحه الله - توسط في الأمر، فتوقف في الأخبار المزعوم كذبها، وردّ علمها إلي قائلها، لكان أدني للحزم وأقرب إلي ما جاء عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) من (إن حق الله علي العباد أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عندما لا يعلمون) [2] وأنّه إذا جاءهم من يقول للّيل إنّه نهار، وللنهار إنّه ليل، لا يسعهم إلاّ ردُّ علمه إليهم، وإلاّ فإنه يكون مكذّباً لهم [3] . وعن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام): (لا تكذبوا بحديث أتاكم به أحد، فإنكم لا تدرون لعلّه من الحق) [4] . وعن علي المسناني عن أبي الحسين (عليه السلام): (لا تقل لما بلغك عنا، أو نسب إلينا: هذا باطل، وإن كنت تعرف خلافه [5] [6] .


پاورقي

[1] ولد الشيخ حسن المذکور في النجف في حدود سنة ألف ومائتين وبضع عشرة هجرية، وتلمذ في الأصول علي جماعة، منهم الميرزا القمي - صاحب القوانين -، وفي الفقه علي العلامة المحقق المدقق صاحب الجواهر (قدس سره)، وله يد طولي في الأدب وشعر کثير في مدائح أعيان عصره ومراثيهم، ومراجعات أدبية خالدة مع السيد راضي البغدادي والسيد حيدر الحلّي.

وقد أکثر من رثاء سيد الشهداء، بيد أن الموجود منه قليل، وله کتاب في مقتل الحسين (عليه السلام) يتضمن مراسيل غريبة، وقد أخفاه في حياته تحرّجاً، لأن بعض ما فيه لم يروه بلفظه، وتورّع عن النقل بالمعني مع صوغ اللفظ من معدن أدبه.

وقد نقل عنه في (الدمعة) کثيراً، وهو من معاصري صاحبها، ولو کان معروفاً بالکذب - کما قد يتوهم - لعلم ذلک معاصره، ولم ينقل عنه. وللشيخ حسن المذکور ولد يدعي الشيخ أحمد، ذکره المحدث النوري في بعض کتبه بهذا اللفظ: (بديع الزمان في هذا الأوان، الجامع بين العلم والأدب والحسب الباذخ والنسب، أبو سهل الشيخ أحمد بن العالم العليم والفقيه الحکيم المقتدي المؤمن المؤتمن الشيخ حسن بن الشيخ علي بن الشيخ عبد الحسين الملقّب بـ(أبي قفطان) تغمده الله بالرحمة والرضوان).

وله أخوة، منهم الشيخ محمد والشيخ جعفر ولدا الشيخ علي السعدي، وکانت مهنتهم التي يعيشون بها نسخ کتب الفقه والحديث، وخاصة کتاب (جواهر الکلام) في الفقه، وکانوا يحسبون ذلک قرباً وزلفة. وهم رياحيون من سعد العشيرة من تميم الذين يقطنون في أطراف الدجيل قرب سامراء. انتقل والدهم الشيخ علي بن نجم الدين إلي قرية شرقي الکوفة، تبعد عنها نحو اثني عشر فرسخاً، ثم منها إلي النجف، وبها ولد الشيخ حسن المترجم وأخوته، ولازال بنوهم اليوم في النجف.

[2] وسائل الشيعة 18: 11، الحديث التاسع. م.

[3] لم أجد حديثاً بهذا المضمون، والذي وجدته أن سفيان بن السمط قال للإمام الصادق (عليه السلام): جعلت فداک! إن الرجل ليأتينا من قبلک، فيخبرنا عنک بالعظيم من الأمر، فيضيق بذلک صدورنا حتي نکذبه.

فقال الإمام له: أليس عني يحدثکم؟

فأجاب سفيان: بلي.

فقال الإمام: فيقول للّيل أنه نهار والنهار أنه ليل؟

فأجاب سفيان: لا.

فقال الإمام: رده إلينا، فإنک إن کذّبت، فإنما تکذبنا). بحار الأنوار 2: 187. م.

[4] بحار الأنوار 2: 186. م.

[5] بحار الأنوار 2: 186. م.

[6] هذه الأخبار مذکورة في بصائر الدرجات وفي الوسائل أيضاً في أبواب متفرقة.