بازگشت

التسامح في نقل اخبار القصص والفضائل والوقائع


الثاني: إنّ وقائع الطف وما احتفّ بها وما سواها مما يقرأه الذاكرون لم تتضمن أحكاماً إلزامية لينظر في سندها ويعرف أنّه من قسم الصحيح أو الموثق أو الحسن، ولا حكماً غير إلزامي ليقع الكلام في تحكيم أخبار التسامح في أدلة السنن فيها - كما هو المشهور - أو عدمه - كما هو مذهب بعض -، بل هي قسم ثالث من سنخ الرّخص، وإن لم تكن رخصاً حقيقة، وأعني بذلك القصص والمواعظ والفضائل والمصائب وأخبار الوقائع، فإنها نوع من الأخبار لا تدخل في ما تضمّن الأحكام الشرعية ليجري عليها حكمه من لزوم التصحيح وجواز المسامحة. وما يكون كذلك مما لا يترتب عليه حكم شرعي، لا ينبغي النظر في سنده إذا كان مما لا تنفيه فطرة العقول، وكان الضرر فيه مأموناً علي تقدير كذبه في نفس الأمر.

وقد ادّعي الشهيد الأول (قدس سره) في (الذكري) أنّ أهل العلم يتسامحون في أخبار الفضائل [1] . ونسب الشهيد الثاني في (شرح الدراية). إلي الأكثر جواز العمل بالخبر الضعيف في القصص والمواعظ والفضائل، واستحسن ذلك ما لم يبلغ الخبر في الضعف حد الوضع والاختلاق [2] . والمراد بالعمل بالخبر الضعيف في الفضائل والمصائب هو نقلها واستماعها وضبطها في القلب، وذلك مما لا محذور فيه عقلاً، لفرض أمن المضرّة فيه علي تقدير الكذب، وشرعاً لأنه لا يعدّ عرفاً من الكذب حتي تترتب عليه أحكامه، وليس ثمّة عنوان آخر من العناوين المحرمة يشمله حتي يقال لأجله بعدم الجواز.

قال شيخنا المحقق الأنصاري [3] - بعد نقل العبارة المتقدمة عن الشهيد الثاني -: (المراد بالعمل بالخبر الضعيف [4] في القصص والمواعظ هو نقلها واستماعها وضبطها في القلب وترتيب الآثار عليها عدا ما يتعلق بالواجب والحرام. والحاصل أن العمل بكل شيء علي حسب ذلك الشيء، وهذا أمر وجداني لا ينكر، ويدخل في ذلك [حكاية] فضائل أهل البيت ومصائبهم. ويدخل في العمل - أي: العمل بالخبر الضعيف في الفضائل والمصائب وشبهها - الإخبار [5] بوقوعها - أي: الفضائل والمصائب - من دون نسبة إلي الحكاية [6] علي حد الاجتهاد بالأمور المذكورة الواردة بالطرق المعتمدة، كأن يقال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول كذا، ويبكي كذا، ونزل علي مولانا سيد الشهداء كذا وكذا، ولا يجوز ذلك في الأخبار الكاذبة، وإن كان يجوز حكايتها فإنّ حكاية الخبر الكاذب ليست كذباً، مع أنّه لا يبعد عدم الجواز إلاّ مع بيان كونها كاذبة.

ثم إن الدليل [7] علي جواز ما ذكرنا من طريق العقل، حسن العمل بهذه مع أمن المضرة فيها علي تقدير الكذب، وأما من طريق النقل فرواية ابن طاووس [8] والنبوي [9] مضافاً إلي إجماع (الذكري) [10] المعتضد بحكاية ذلك عن الأكثر) [11] . انتهي كلام المحقق الأنصاري بنصه.

ومن هذا يعلم الوجه في ما جري عليه العلماء قديماً وحديثاً من العمل - بالمعني الذي ذكرناه - بالوقائع التاريخية، فإنها لم يصح السند في شيء منها، وإنما ترسل في كتب التاريخ مسلّمة، ولذلك إذا نقل المؤرخ في كتابه واقعة منها، لا يقال إنّها من الأمور المكذوبة، لأنه لم يسندها معنعنة إلي من شهد تلك الواقعة، وكذلك إذا نقل الواقعة نفسها ناقل من ذلك الكتاب، لا يعدّ من ناقلي الكذب لمجرد أنه نقل ما ليس مسنداً عن رجال قد زكّي كل واحد منهم بشهادة عدل أو عدلين.


پاورقي

[1] ذکري الشيعة:68. م.

[2] الرعاية: 94. م.

[3] في التنبيه الرابع من رسالته المعمولة في مسألة التسامح [صفحة 158 من المطبوع في ضمن (الرسائل الفقهية)].

[4] المراد بالضعيف ما لم يعلم أو يظن بکونه مختلقاً، ولذا قيّد الشهيد ذلک بما لم يبلغ حد الوضع.

[5] مصدر (أخبر)، لا جمع (خبر).

[6] الإخبار مع النسبة إلي الرواية مما لا ينبغي الريب فيه بناءً علي ما ذکر في جوازه لأنه لا کذب فيه، وإن کان فهو من الراوي لا الناقل، وحکاية الخبر الکاذب ليست بکذب، بل نقل الکفر ليس بکفر. أما الإخبار بالوقوع بلا نسبة ففي غاية الإشکال، إلاّ إذا اعتقد المخبر الوقوع، أو کان ذلک مظنوناً له بالظن الاطمئناني، وإن کان مخالفاً للواقع، أو کان من قصده النسبة إلي الرواية، لکنه لم يذکرها في اللفظ حتي يفهم ذلک کل سامع، لأن هذا کذکر شيء له ظاهر وإرادة غيره من دون قرينة في أن ناقله لا يعدّ کاذباً، ولا تترتب عليه شرعاً أحکام الکذب، وإن لم يکن کذلک لزم الإسناد، لما جاء في الکافي [1: 52] عن علي (عليه السلام): (إذا حدّثتم بحديث فأسندوه إلي الذي حدّثکم، فإن کان حقاً فلکم، وإن کان کذاباً فعليه).

وهذا هو الذي اختاره بعض مشايخنا (قدس الله أسرارهم)، وبه صرح العلامة الفقيه الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري في کتابه (ذخيرة المعاد): ص 368 - 369، وهذه ترجمة عبارته: هل يجوز في الفضائل والمصائب القراءة بلسان الحال ومقتضي شاهد الحال أم لا؟ وعلي تقدير الجواز هل يجب الإشعار والإعلام بذلک أم لا؟ وإذا نقل أحدٌ حکايات الفضائل من کتاب غير معتبر أو لسان بعض القرّاء، هل يجوز ذلک أم لا؟ وهل علي القارئ إسناده أم لا؟ الجواب: ذکر المصائب بلسان الحال جائز إذا کان مناسباً للإمام (عليه السلام)، ولابد من الإشعار والإعلام بکونه لسان الحال، وإذا نقل من کتاب معتبر أو غير معتبر لابد من الإسناد إلي الناقل، ولا حاجة إلي تعيين الکتاب المنقول عنه).

[7] قد لا يحتاج إلي بعض ما ذکره من الأدلة الشرعية، فإنه يکفي في الجواز شرعاً أن ذلک لا يعدّ کذباً عرفاً حتي تترتب عليه أحکامه، وليس سواه عنواناً محرّماً يعمه حتي يقال بالحرمة لأجله. وأما العقل فلا حاجة إلي تحسينه، بل يکفي عدم حکمه بقبحه، لفرض خلوه عن المضرة علي تقدير الکذب، وببيان آخر يکفي في جوازه شرعاً الأصل، لعدم الدليل من العقل والنقل علي حرمته.

[8] مراده - علي الظاهر - من رواية ابن طاووس ما رواه في (الإقبال) [صفحة 627] عن الصادق (عليه السلام) قال: (من بلغه شيء من الخير فعمل به، کان له [أجر] ذلک، وإن لم يکن الأمر کما بلغه).

[9] ومراده بالنبوي ما نسبه الشهيد الثاني في الرعاية [صفحة 94] إلي النبي (صلي الله عليه وآله) من طريق الفريقين من أنه (صلي الله عليه وآله) قال: (من بلغه عن الله فضيلة، فأخذها وعمل بما فيها إيماناً بالله، ورجاء ثوابه، أعطاه الله ذلک وإن لم يکن کذلک).

[10] ومراده من إجماع (الذکري) قول الشهيد فيها [صفحة 68]: (أخبار الفضائل يتسامح بها عند أهل العلم).

[11] و[المراد] بالاعتضاد بالحکاية عن الأکثر، مما نقلناه عن الشهيد الثاني من أن (الأکثر جوّزوا العمل بالخبر الضعيف في نحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال، لا في صفات الله وأحکام الحرام والحلال، وهو حسن ما لم يبلغ حدّ الوضع والاختلاق). [الرعاية:94].