بازگشت

انكار المنكر


إنّ مسألة شرعية المواكب العزائية المتنوعة الممثلة لفاجعة الحسين (عليه السلام) واللاّدمة صدورها حتي تحمر، والضاربة رؤوسها حتي تدمي بما احتف بها من صياح وزعق [1] من الرجال والنساء، ونفخ الأبواق وضرب الطبول المعتادة، قد صارت منذ أعوام قريبة من الأمور النظرية، ووقعت موقع السؤال والتشكيك.

وقد تبع العلماء آراءهم فيها، والعامة مقلّديهم. وقد انتشرت فتاواهم - مطبوعة وغير مطبوعة - في هذا الموضوع الذي ما كان يدور بالبال أن يقع موقع شك وسؤال!

فما هو مورد النهي عن المنكر في مورد التقليد وحصول الوفاق أو الخلاف من المجتهدين؟ أهل يري الكاتب جواز الإنكار في المسائل النظرية الخلافية، لننكر عليه إنكاره؟ أم بلغت المحرّمات المزعومة درجة كانت فيها من ضروريات الدين أو المذاهب؟

كلاّ، ثم كلاّ إنّه لا يدّعي ذلك أدني الجهال. أين ضرورية حرمة تشبه الرجال بالنساء بالمعني المدّعي وقوعه في العزاء؟ أين ضرورية حرمة صياح النساء؟ أين ضرورية حرمة زعقات الرجال؟ أين ضرورية حرمة ركوب المرأة في الهودج حاسرة [2] أيها المنصفون؟ وأين ضرورية حرمة الهتك المدعي؟ وما هو مصداقه الضروري الحرمة؟ وأين ضرورية حرمة النفخ في البوق، وليس بمزمار؟ وما يدري الكاتب أنّ الطبل المحرّم هو هذا المستعمل اليوم في العزاء؟ أذلك ضروري في المذهب أم هو اجتهاد منه؟

ولعمري إنّ الكذب والغناء المدّعي وقوعهما من القرّاء هما أيضاً محل النظر من جهة الموضوع والحكم معاً - كما ستقف عليه -، والمرجع فيهما المجتهدون. فكيف - والناس فيهما وفي غيرهما من المقلّدة - يصح في الشرع الإنكار عليهم ورميهم بأنهم يعملون المنكرات لولا سورة الغضب [3] ؟

إنه كان علي الكاتب إبداء رأيه في شأن الشعائر الحسينية، إبداؤه في سائر المسائل الفرعية، لا دعوي أنّها قد دخلت فيها المنكرات التي قام ينكرها. ولقد كنّا نظن أنّ الأمر انتهي من قبل أكثر من عامين علي قاعدة رجوع العامة إلي مقلّديهم بلا جلبة [4] فارغة، ولا تهويل شائن. فما للكاتب أعجله الغضب عن هذه القاعدة الأساسية إلي حرب تخسر فيها الشيعة أكثر مما تستفيد؟

ولأعد إلي ذكر المنكرات المدّعاة، مجانباً ما يحاوله بعض أهل العصر من التشبث بكلمات العلماء وجمع الشواذ المتفرقة نصرةً لرأيه، فإن ذلك لا تقوم به حجة، ولا يلزم احترامه مهما كان صاحبه عظيماً، فإن كلمات العلماء فيها الشاذ والمهجور والمتروك والمأثور، والمتّبع هو البرهان الصريح.


پاورقي

[1] زعق: صياح. م

[2] حاسرة: کاشفة. م.

[3] سَورة الغضب: شدّة الغضب. م.

[4] جلبة: اختلاط الأصوات والصياح. م.