بازگشت

ظروف تأليف الكتاب


منذ الأربعينيات (1340هـ فصاعداً) كان الراحل السيد محسن الأمين يتظاهر بمخالفة الشعائر الحسينية التي كان يقوم بها المؤمنون في سوريا ولبنان، ولا سيما تجريح الرؤوس (التطبير) والضرب بالسلاسل علي الظهور. وقد أثار هذا التظاهر مجموعة من التساؤلات حول الحكم الشرعي لهذه الممارسات التي كانت تؤدي إلي حدوث ثمة تشكيكات في قضية نهضة الإمام الحسين (عليه السلام).

فقام العلامة الشيخ عبد الحسين العاملي بتأليف ونشر كتاب بعنوان (سيماء الصلحاء في إثبات جواز إقامة العزاء لسيد الشهداء) يدافع فيه عن تلك الشعائر مبيناً عدم منافاتها مع أحكام الشرع، ومثبتاً لاستحبابها، وطبع عام 1345 في لبنان.

وقد استشم السيد الأمين من هذا الكتاب استثارته، فسارع إلي تأليف كتاب للرد عليه بعنوان (التنزيه لأعمال الشبيه) وطبعه في مطبعة العرفان في 22 صفحة عام 1347هـ. وبالرغم من أن الهدف كان الرد علي مؤلف (سيماء الصلحاء) - كما ذكر الأمين نفسه في المقدمة، إلا أنه هاجم معظم مفردات الشعائر الحسينية، وحكم بحرمة أغلبها وأبرزها، ورد الأدلة التي كانت قد ذكرت في (سيماء الصلحاء) لإثبات الجواز.

وانتهج السيد الأمين في كتابه أسلوب خلط الأوراق، فاستدل - مثلاً - بقواعد ثابتة الحجية في الأصول أو الفقه لإثبات حرمة هذا الشعائر مع شيء من الصخب والتهويل، مع أن الشعائر ليست صغريات تلك القواعد أبداً.

ونشر الكتاب، وقامت بعض الجهات بتوزيعه وتسويقه علي نطاق واسع.

الحوزات العلمية شجبت هذا العمل الذي وصفته بـ(محاولة أموية) ورفضت الكتاب من دون ترديد، وحكمت ببطلانه من المنظور العلمي. بيد أن بعض أصاغر الطلبة الذين لم يكونوا قد درسوا الفقه، انخدعوا بمحتوياته، وقاموا بالدعاية لصالح الكتاب ومحتوياته.

وهنا وجد العلماء والفقهاء أنفسهم أمام التكليف الشرعي الذي يحتم عليهم مجابهة الضلال إذ أن العلماء حماة الدين، فينبغي عليهم الحفاظ علي حماه والدفاع إزاء ما تتعرض له مفرداته من شبهات ومحاولات التحريف ومجابهة البدع وأصحابها، والوقوف في وجه محاولات إباحة المحرمات وتحريم المباحات والمستحبات، وذلك عن طريق إنارة الرأي العام والمحافل العلمية من خلال الكتاب والمنبر والمحراب و...، أما السكوت أمام الباطل ومحاولات تغيير معالم أحكام الدين وكتمان الحق، فهو جريمة كبري في حق الآخرين والأجيال القادمة، وذنب عظيم، قال الله تعالي: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدي من بعد ما بيّناه للناس أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) [1] وقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (أيّما رجل آتاه الله علماً، كتمه وهو يعلم، لقي الله عزّ وجل يوم القيامة ملجماً بلجام من نار) [2] .

لذلك تصدت مجموعة منهم في العراق لدفع الشبهات وإبطال التشكيكات التي أثيرت حول الحكم الشرعي لممارسة الشعائر الحسينية، واتسمت هذه الردود بالمتانة العلمية.

وكان من أولئك: الفقيه آية الله الشيخ عبد الحسين الحلي (أعلي الله درجاته) حيث ألّف كتابين في هذا المجال، وهي: (نصرة المظلوم) و(النقد النزيه لرسالة التنزيه) (وهو هذا الكتاب). وكان هدفه إظهار الحق ودحض الباطل.

ومع الأسف فإنه ما تصدّي أحد من العلماء لمحاولات التزييف والتحريف والتغيير في ما يتعلق بدائرة الأحكام الدينية إلاّ واتهمته الجهات التي لها مصالح في ذلك التزييف أو التحريف بتهم ظالمة مثل: التحجر، الرجعية، الجهل، الارتباط بالمخابرات الأجنبية، الجنون، التأثر بزعيق العوام و... وكل من يفقد الحميّة الدينية ولا يكافح رياح الضلال والبدعة والتحريف، لهثاً لحطام الدنيا، ويؤيد الجناة المبدعين، تصفه تلك الجهات بالمنوّر، العصري، المتحضّر، البصير، الفهيم، العارف بظروف العصر و...

ولم يستثن الفقيه المؤلف من هذه التهم، مثل (أعزاه صياح العوام والمغرضين إلي نقده في كتابين..)، إلا أنه لم يتأثر بهذه الأمور واستمر في طريقه. قدّس الله نفسه.


پاورقي

[1] سورة البقرة، آية 159.

[2] أمالي الطوسي 1: 386.