بازگشت

رثاء جعفر بن ابي طالب و شهداء مؤتة


قال حسان بن ثابت الأنصاري يرثي جعفر بن ابي طالب و اصحاب مؤتة من قصيدة أوردها ابن هشام في سيرته عن ابن اسحاق و تركنا بعضها:



فلا يبعدن الله قتلي تتابعوا

بمؤته منهم ذوالجناحين جعفر



وزيد و عبدالله فيمن تابعوا

جميعا و أسباب المنية تخطر [1] .



غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم

الي الموت ميمون النقيبة أزهر [2] .



أغر كضوء البدر من آل هاشم

أبي اذا سيم الظلامة مجسر [3] .



فطاعن حتي مال غير موسد

بمعترك فيه قنا متكسر



فصار مع المستشهدين ثوابه

جنان و ملتف الحدائق أخضر



و كنا نري في جعفر من محمد

وفاء و أمرا حازما حين يأمر



فما زال في الاسلام من آل هاشم

دعائم عز لا تزول و مفخرز






بهاليل منهم جعفر و ابن امه

علي و منهم احمد المتخير [4] .



و حمزة و العباس منهم و منهم

عقيل و ماء العود من حيث يعصر



بهم تفرج اللأواء في كل مأزق

عماس اذا ما ضاق بالناس مصدر [5] .



هم أولياء الله أنزل حكمه

عليهم و فيهم ذا الكتاب المطهر [6] .



و قال حسان بن ثابت أيضا يبكي جعفر بن أبي طالب حكاه ابن هشام في سيرته:



و لقد بكيت و عز مهلك جعفر

حب النبي علي البريه كلها



و لقد جزعت و قلت حين نعيت لي

من للجلاد لدي العقاب و ظلها [7] .



بعد ابن فاطمة المبارك جعفر

خير البرية كلها و أجلها [8] .



رزءا و أكرمها جميعا محتدا

و أعزها متظلما و أزلها [9] .



للحق حين ينوب غير تنحل

كذبا و أنداها يدا و أقلها [10] .



فحشا و أكثرها اذا ما يجتدي

فضلا و أنداها يدا و أبلها



بالعرف غير محمد لا مثله

حي من أحياء البرية كلها [11] .



و قال حسان ايضا في يوم موتة يبكي زيد بن حارثه و عبدالله بن رواحة من ابيات أوردها ابن هشام في سيرته و تركنا بعضها:




عين جودي بدمعك المنزور

واذكري في الرخاء أهل القبور [12] .



و اذكري مؤته و ما كان فيها

يوم راحوا في وقعة التغوير [13] .



حين رواحوا و غادروا ثم زيدا

نعم مأوي الضريك و المأسور [14] .



ان زيدا قد كان منا بأمر

ليس أمر المكذب المغرور



ثم جودي للخزرجي بدمع

سيدا كان ثم غير نزور [15] .



قد أتانا من قتلهم ما كفانا

فبحزن نبيت غير سروده [16] .



و قال الشاعر المجيد كعب بن مالك الأنصاري يبكي جعفر أو أصحاب مؤتة أورده ابن هشام في سيرته و هي من غرر الشعر:



نام العيون و دمع عينك يهمل

سحاكما و كف الطباب المخضل [17] .



في ليلة وردت علي همومها

طورا أخن و تارة أتململ [18] .



و اعتادني حزن فبت كأنني

ببنات نعش و السماك موكل [19] .



و كأنما بين الجوانح و الحشي

مما تأوبني شهاب مدخل



وجدا علي النفر الذين تتابعوا

يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا






صلي الاله عليهم من فتية

و سقي عظامهمه الغمام المسبل [20] .



صبروا بمؤتة للاله نفوسهم

حذر الردي و مخافة أن ينكلوا [21] .



اذ يهتدون بجعفر و لوائه

قدام أولهم فنعم الأول



حتي تفرجت الصفوف و جعفر

حيث التقي و عث الصفوف مجدل [22] .



فتغير القمر المنير لفقده

و الشمس قد كسفت و كادت تأفل



قرم علا بنيانه من هاشم

فرعا أشم و سؤددا ما ينقل



قوم بهم عصم الاله عباده

و عليهم نزل الكتاب المنزل



فضلوا المعاشر عزة و تكرما

و تغمدت أحلامهم من يجهل [23] .



لا يطلقون الي السفاه حباهم

و تري خطيبهم بحق يفصل [24] .



بيض الوجوه تري بطون أكفهم

تندي اذا اعتذر الزمان الممحل [25] .



و يهيدهم رضي الاله لخلقه

و بجدهم نصر النبي المرسل [26] .



و قال شاعر من المسلمين ممن رجع من غزوة مؤتة أورده ابن هشام في سيرته:



كفي حزنا أني رجعت و جعفر

و زيد و عبدالله في رمس أقبر






ثلاثة رهط قدموا فتقدموا

الي ورد مكروه من الموت أحمر [27] .




پاورقي

[1] تخطر: تختال و تهتز. وزيد و عبدالله: هما زيد به حارثة و عبدالله بن رواحة اللذين استشهدا مع جعفر بن أبي‏طالب في غزوة مؤتة و بکاهم النبي صلي الله عليه و آله و اکثر الصحابة.

[2] ميمون النقيبة: مسعود الفعال، و أزهر: أبيض.

[3] أبي: عزيز الجانب، و سيم: کلف و حمل، و المجسر (بالبناء للمجهور فيهما): المقدام الجسور.

[4] البهاليل: جمع البهلول: و هو السيد رضي‏ء الوجه.

[5] اللأواء: الشدة، العماس: المظلم، يريد ظلامة من کثرة النقع المثار وقت الحرب.

[6] سيرة ابن‏هشام 385 - 384: 4.

[7] العقاب: اسم لراية النبي صلي الله عليه و آله.

[8] و هي فاطمة بنت اسد ام‏علي و جعفر.

[9] المحتد: الأصل.

[10] التنحل: الکذب.

[11] سيرة ابن‏هشام 386: 4.

[12] المنزور: القليل، يريد انه بکي حتي قل دمعه، فهو يأمر عينه ان تجود بذلک القليل علي ما هو عليه.

[13] التغوير: الاسراع الي الفرار.

[14] الضريک: الفقير.

[15] الخزرجي: هو عبدالله بن رواحة، و النزور: القليل العطاء و هذا البيت غير مذکور في ديوان حسان.

[16] سيرة ابن‏هشام 387: 4.

[17] همل الدمع: سال، و سخا: صبا و وکف: قطر، و الطباب: جع طبابة و هي سير بين خرزتين في المزادة، فاذا کان غير محکم و کف منه الماء، و المخضل: السائل الندي.

[18] الخنين (بالخاء المعجمة): صوت يخرج من الأنف عند البکاء.

[19] يريد انه بات يرعي النجوم طول ليله من طول السهاد.

[20] المسبل: الممطر.

[21] صبروا نفوسهم: حبسوها علي ما يريدون، و ينکلوا: يرجعوا هائبين لعدوهم.

[22] و عث الصفوف: التحامها حتي يصعب من بينها، تشبيها بالوعث و هو الرمل الذي تغيب فيه الأرجل، و يصعب فيه السير و مجدل: مطروح علي الجدالة و هي الأرض.

[23] تغمدت: سترت.

[24] اطلاق الحبوة: کناية عن النهضة للنجدة. و الحبوة: أن يشبک الانسان أصابع يديه بعضها في بعض و يجعلها علي رکبتيه اذا جلس، و قد يحتبي بحمائل السيف أو غيرها.

[25] الممحل: الشديد القحط.

[26] سيرة ابن‏هشام 386: 4.

[27] سيرة ابن‏هشام 388: 4.