مراثي كعب بن مالك في حمزة بن عبدالمطلب
انظر ترجمته في الاستيعاب 286: 3.
و كعب هذا هو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، و هم: كعب بن مالك، هلال بن امية و مرارة بن الربيع، فنزلت فيهم الآية الكريمة: (و علي الثلاثة الذين خلفوا حتي اذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و ضاقت عليهم انفسهم و ظنوا أن لا ملجأ من اله الا اليه ثم تاب عليهم ليتوبوا ان الله هو التواب الرحيم) [التوبة: 188]. انظر: تفسير ابن كثير 175: 2.
قال ابن عبدالبر في الاستيعاب [1] في ترجمة حمزة بن عبدالمطلب ما لفظه: و أنشد أبوزيد عم ربن شبه لكعب بن مالك يرثي حمزة و قال ابن اسحاق: هو لعبدالله بن رواحة [2] انتهي.
أقول: حكي ابن هشام في سيرته، عن ابن اسحاق انه نسبها لعبدالله بن رواحة.
قال ابن هشام: أنشدنيها أبوزيد الأنصاري لكعب بن مالك:
بكت عيني و حق لها بكاها
و ما يغني البكاء و لا العويل
علي أسد الاله غداة قالوا
أحمزة [3] ذاكم الرجل القتيل
اصيب المسلمون به جميعا
هناك و قد اصيب به الرسول
أبا يعلي لك الأركان هدت
و انت الماجد البر الوصول [4] .
عليك سلام ربك في جنان
يخالطها [5] نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبرا
فكل فعالكم حسن جميل
رسول الله مصطبر كريم
بأمر الله ينطق اذ يقول [6] .
في أبيات اخر تركناها لأنها لا تتعلق بالرثاء.
و في سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق: و قال كعب بن مالك (الأنصاري) يبكي حمزة بن عبدالمطلب و قتلي احد من المسلمين:
نشجت و هل لك من منشج
و كنت متي تذكر تلجج [7] .
تذكر قوم اتاني لهم
احاديث في الزمن الاعوج
فقلبك من ذكرهم خافق
من الشوق و الحزن المنضج
و قتلاهم في جنان النعيم
كرام المداخل و المخرج
بما صبروا تحت ظل اللواء
لواء الرسول بذي الاضوج [8] .
غداة أجابت بأسيافها
جميعا بنو الأوس و الخزرج
و أشياع أحمد اذ شايعوا
علي الحق ذي النور و المنهج
فما برحوا يضربون الكماة
و يمضون في القسطل المرهج [9] .
كحمزة لما و في صادقا
بذي هبة صارم سلجج [10] .
في أبيات اخر تركنا ذكرها [11] .
و قال كعب بن مالك يبكي حمزة بن عبدالمطلب أيضا، أوردها ابن هشام في سيرته و تركنا يسيرا منها و هي من غرر الشعر:
طرقت همومك فالرقاد مسهد
و جزعت ان سلخ الشباب الأغيد [12] .
و دعت فؤادك للهوي ضمرية
فهواك غوري و صحوك منجد [13] .
فدع التمادي في الغواية سادرا
قد كنت في طلب الغواية تفند [14] .
و لقد أتي [15] لك ان تناهي طائعا
أو تستفيق اذا نهاك المرشد
و لقد هددت لفقد حمزة هدة
ظلت بنات الجوف منها ترعد [16] .
و لو انه فجعت حراء بمثله
لرأيت رأسي صخرها يتبدد [17] .
قرم تمكن في ذؤابة هاشم
حيث النبوة و الندي و السؤدد [18] .
و العاقر الكوم الجلاد اذا غدت
ريح يكاد الماء فيها يجمد [19] .
و التارك القرن الكمي مجدلا
يوم الكريهة و القنا يتقصد [20] .
و تراه يرفل في الحديد كأنه
ذو لبدة شثن البراثن أربد [21] .
عم النبي محمد و صفية
ورد الحمام فطاب ذاك المورد
و أتي المنية معلما في اسره
نصروا النبي و منهم المستشهد [22] .
و لقد اخال بذاك هندا بشرت
لتميت داخل غصة لا تبرد [23] .
مما صبحنا بالعقنقل قومها
يوما تغيب فيه عنها الأسعد
و ببئر بدر اذ يرد وجوههم
جبريل تحت لوائنا و محمد
حتي رأيت لدي النبي سراتهم
قسمين نقتل [24] من نشاء و نطرد [25] .
فأتاك فل المشركين كأنهم
و الخيل تثقفهم نعام شرد [26] .
شتان من هو في جهنم ثاويا
أبدا و من هو في الجنان مخلد [27] .
و قال كعب بن مالك يبكي حمزة ايضا أورده ابن هشام في سيرته:
صفية قومي و لا تعجزي
و بكي النساء علي حمزة
و لا تسأمي أن تطيلي البكا
علي أسد الله في الهزة [28] .
فقد كان عزا لأيتامنا
و ليث الملاحم في البزة [29] .
يريد بذاك رضا احمد
و رضوان ذي العرش و العزة [30] .
و قال حسان بن ثابت يبكي حمزة بن عبدالمطلب، حكاها ابن هشام في سيرته عن ابن اسحاق و تركنا بعض أبياتها:
أتعرف الدار عفا رسمها
بعدك صوب المسبل الهاطل [31] .
دع عنك دارا قدعفا رسمها
وابك علي حمزة ذي النائل [32] .
المالي ء الشيزي اذا عصفت [33]
غبراء في ذي الشبم الماحل [34] .
و التارك القرن لدي لبدة
يعثر في ذي الخرص الذابل [35] .
و اللابس الخيل اذا أحجمت
كالليث في غابته الباسل
أبيض في الذروة من هاشم
لم يمر دون الحق بالباطل [36] .
مال شهيدأ بين أسيافكم
شلت يدا وحشي من قاتل [37] .
أظلمت الأرض لفقدانه
و أسود نور القمر الناصل [38] .
صلي عليه الله في جنة
عالية مكرمة الداخل
كنا نري حمزة حرزا لنا
في كل ما أمر بنا [39] نازل
و كان في الاسلام ذا تدرأ
يكفيك فقد القاعد الخاذل [40] .
لا تفرحي يا هند و استحلبي
دمعا و أذري عبرة الثاكل [41] .
و قال حسان بن ثابت أيضا يبكي حمزة بن عبدالمطلب و من اصيب من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله يوم احد، حكاه ابن هشام في سيرته عن ابن اسحاق و أسقطنا شيئا منها:
يا مي قومي فاندبي
بسحيرة شجو النوائح [42] .
أصحاب احد غالهم
دهر ألم له جوارح [43] .
من كان فارسنا وحا
مينا اذا بعث المسالح [44] .
يا حمز والله لا
أنساك ما صر اللقائح [45] .
لمناخ أيتام و أضياف
وارملة تلامح [46] .
و لما ينوب الدهر في
حرب لحرب و هي لاقح [47] .
يا فارسا يا مدرها
يا حمز قد كنت المصامح [48] .
عنا شديدات الخطوب
اذا ينوب لهن فادح
ذكرتني اسد الرسول
و ذاك مدرهنا المنافح [49] .
عنا و كان يعد اذ
عد الشريفون الجحاجح [50] .
يعلو القماقم جهرة
سبط اليدين أغر واضح [51] .
بحر فليس يغب جارا
منه سيب أو منادح [52] .
أودي شباب اولي الحفا
ئظ و الثقيلون المراجح [53] .
ليدافعوا عن جارهم
ما رام ذو الضغن المكاشح [54] .
لهفي لشبان رز
ئناهم كانهم المصابح
شم بطارقة غطا
رفة خضارمة مسامح [55] .
المشترون الحمد بال
أموال ان الحمد رابح
و الجامزون بلجمهم
يوما اذا ما صاح صائح [56] .
يا حمز قد أوحدتني
كالعود شدبه الكوافح [57] .
أشكو اليك وفوقك الترب
المكور و الصفائح [58] .
من جندل نلقيه فو
قك اذ أجاد الضرح ضارح [59] .
في واسع يحشونه
بالترب سوتته المماسح [60] .
من كان أمسي و هو عما
أوقع الحدثان جانح [61] .
فليأتنا فلتبك عيناه
لهلكانا النوافح [62] .
القائلين الفاعلين
ذوي السماحة و الممادح
من لا يزال ندي يديه
له طوال الدهر مائح [63] [64] .
پاورقي
[1] الاستيعاب 275: 1.
[2] هو عبدالله بن رواحة بن تعلبة بن امريء القيس الأنصاري، استشهد يوم مؤته سنة 8 ه انظر ترجمته في الاستيعاب 286: 2، الاصابة 298: 2.
[3] في الأصل و الاستيعاب: لحمزة و ما أثبتناه من سيرة ابنهشام.
[4] أبويعلي: کنية حمزة رضي الله عنه، و الماجد: الشريف.
[5] في سيرة ابنهشام: مخالطها.
[6] سيرة ابنهشام 162: 3.
[7] نشجت: بکيت، و تلجج: من اللجج، و هو الاقامة علي الشيء و التمادي فيه.
[8] الاضوج (بضم الواو): جمع ضوج، و هو جانب الوادي، و الأضوج (بفتح الواو): موضع قرب المدينة.
[9] الکماة: الشجعان، و القسطل: الغبار، و المرهج: الذي علا في الجو.
[10] بذي هبة: يعني سيفا و هبة السيف: وقوعه بالعظم، و الصارم: القاطع، و سلجج: مرهف.
[11] سيرة ابنهشام 139 - 138: 3.
[12] مسهد: قليل النوم، و أراد: فالرقاد رقاد مسهد، فحذف المضاف و أقام المضاف اليه مقامه، و يجوز ان يکون وصف الرقاد بانه مسهد من المجاز، و سلخ: ازيل (بالبناء للمجهور فيهما)، و الأغيد: الناعم.
[13] ضمرية: نسبة الي ضمرة و هي قبيلة، و غوري: نسبة الي الغور، و هو المنخفض من الارض، و صحوک: الافاقة من الهوي و في رواية: «و صحبک» بدل «و صحوک».
[14] سادرا: لاهيا، و تفند: تکذب.
[15] کذا في الأصل، و في المصدر: اني، أي: حان.
[16] بنات الجوف: يعني قلبه و ما اتصل به من کبده و امعائه، و سماها بنات الجوف، لأن الجوف يشتمل عليها.
[17] حراء: جبل، و الراسي: الثابت.
[18] القرم: السيد الشريف، و ذؤابة هاشم: أعاليها.
[19] الکوم: جمع کوماء، و هي العظيمة السنام من الابل، و الجلاد: القوية.
[20] الکمي: الشجاع، و مجدلا: مطروحا علي الجدالة و هي الأرض و يتقصد: ينکسر.
[21] ذو لبدة: يعني أسدا، و اللبدة: الشعر الذي علي کتفي الأسد، و شثن: غليظ، و البراثن: السباع، بمنزلة الأصابع للانسان، و الأربد: الأغبر يخالطه سواد.
[22] معلما: مشهرا نفسه بعلامة يعرف بها في الحرب، و الاسرة: الرهط.
[23] اخال: أظن (و کسر الهمزة لغة تميم)، و الغصة: ما يعترض في الحلق فيشرق.
[24] کذا في الاصل، و في المصدر: يقتل.
[25] سراتهم: خيارهم.
[26] الفل: القوم المنهزمون، و تثقفهم: تطردهم و تتبع آثارهم.
[27] سيرة ابنهشام 158 - 157: 3.
[28] الهزة: الاهتزاز أو الاختلاط في الحرب.
[29] البزة: السلاح.
[30] سيرة ابنهشام 158: 3.
[31] عفا: درس و تغير، و السرم: الأثر، و الصوب: و المسبل: المطر السائل و الهاطل: کثير السيلان.
[32] النائل: العطاء.
[33] کذا في الأصل، و في المصدر أعصفت.
[34] الشيزي: جفان من حشب، و عصفت: اشتدت، و الغبراء: الريح التي تثير الغبار.
[35] القرن: المنازل في القتال، و ذو الخرص: الرمح، الخص: سنانه و جمعه: خرصان، و الذابل: الرقيق.
[36] لم يمر: من المراء و هو الجدل.
[37] حذف التنوين من وحشي للضرورة، لأنه علم، و العلم قد يترک صرفه کثيرا.
[38] الناصل: الخارج من السحاب؛ و يقال: نصل القمر من السحاب: اذا خرج منه.
[39] کذا في الأصل، و في المصدر: نابنا.
[40] ذا تدرأ: أي ذا مدافعة.
[41] سيرة ابنهشام 156 - 155: 3.
[42] الشجو: الحزن.
[43] غالهم: أهلکهم و الم: نزل.
[44] المسالح: القوم الذين يحملون السلاح.
[45] صر: ربط، و اللقائح: جمع لقحة - بالکسر -، و هي الناقة لها لبن.
[46] المناخ: المنزل، و تالمح: أي تنظر بعينها نظرا سريعا ثم تغضها.
[47] اللاقح من الحروب: التي يتزيد شرها.
[48] المدره: المدافع عن القوم بلسانه ويده، و المصامح: الشديد الدفاع.
[49] المنافح: المدافع عن القوم؛ و کان حمزة ينافح عن رسول الله صلي الله عليه و آله.
[50] الجحاجح: جمع جحجاح، و هو السيد.
[51] القماقم: السادة و سبط اليدين: جواد؛ و يقال للبخيل: جعد اليدين. و أغر: أبيض. و واضح: مضيء مشرق.
[52] السيب: العطاء و المنادح: جمع مندحة، و هي السعة.
[53] أودي: هلک، و الحفائظ: جمع حفيظة و هي الغضب.
[54] ذو الضغن: ذو العداوة و المکاشح: المعادي.
[55] شم: أعزاء، و بطارقة: رؤساء، و غطارفة: سادة و الخضارمة: الذين يکثرون العطاء، و المسامح: الأجواد.
[56] الجامزون: الواثبون، و لجم: جمع لجام (بضم الجيم)، و سکن لضرورة الشعر.
[57] شدبه: ازال أغصانه و شوکه، و الکوافح: الذين يتناولونه بالقطع.
[58] المکور: الذي بضعه فوق بعض، و الصفائح: الحجارة العريضة.
[59] الضرح: الشق، و يعني به شق القبر.
[60] المماسح: ما يسمح به التراب و يسوي.
[61] الجانح: المائل الي جهة.
[62] النوافح: الذين ينفحون بالمعروف و يوسعون به.
[63] المائح: الذي ينزل في البئر فيملا الدلو اذا کان الماء قليلا.
[64] سيرة ابنهشام 155 - 151: 3.