بازگشت

في رثاء الأموات بالشعر،و ذكر صفاتهم،و تعداد مناقبهم و مآثرهم و محامدهم


و الحق جواز ذلك، بل و رجحانه اذا كان الميت من أهل المكانة عند الله تعالي، و كان في رثائه و تعداد مناقبه تعظيما للشعائر، و حثا علي القتداء به في ذكل الي غير ذلك من المرجحات، و قد فعل ذلك من عهد آدم أبي البشر عليه السلام، و استمرت عليه ذريته الي يومنا هذا، و فعله الصحابة في عصر النبي صلي الله عليه و آله و حضوره و بعده و التابعون، واستمر عليه السلمون في كل عصر و جيل بدون نكير، و تسالمت عليه جميع الامم و أهل الأديان في جميع الأعصار، و لم يدل دليل من الشرع علي منعه.

و الرثاء نوع من المدح الا انه اشتهر اطلاق المدح علي مدح الأحياء، و اطلاق الرثاء علي مدح الأموات.

و المدح في الحياة جائز اتفاقا ما لم يشتمل علي محرم آخر من كذب أو مدح من لا يستحق المدح لكونه من اعداء الله، و في مدحه ضرر بالدين و ليس الي مدحه ضرورة.

و قد مدح النبي صلي الله عليه و آله في حياته و بعد وفاته، و عفي عن كعب بن زهير بن أبي سلمي [1] حين مدحه بقصيدته المشهورة المعروفة ب «بانت سعاد»


و بردة البوصيري [2] تتلي كما يتلي القرآن، و يتبرك بها، و كذلك همزيته و يزيد من الرثاء علي المدح انه قد يشتمل علي التفجع لفقد المرثي، و تهييج الحزن عليه، و يكفي في جواز هذا ما تقدم في الفصل الأول.

و يظهر من القسطلاني في ارشاد الساري التفصيل في التحريم بين أفراد الرثاء، حيث قال في شرح باب رثي النبي صلي الله عليه و آله سعد بن خولة من صحيح البخاري ما لفظه:

المراد هنا توجعه عليه الصلاة و السلام، و تحزنه علي سعد لكونه مات بمكة بعد الهجرة منها، لا مدح الميت و ذكر محاسنه الباعث علي تهييج الحزن


و تجديد اللوعة؛ اذ الأول مباح بخلاف الثاني، فانه منهي عنه.

و قد أطلق الجوهري الرثاء علي عد محاسن الميت مع البكاء، و علي نظم الشعر فيه، و الأوجه حمل النهي علي ما فيه تهييج الحزن كما مر، أو علي ما يظهر فيه تبرم، أو علي فعله مع الاجتماع له، أو علي الاكثار منه دون ما عدا ذلك،فما زال كثير من الصحابة و غير هم من العلماء يفعلونه، و قد قالت فاطمة بنت النبي:

ماذا علي من شم تربة أحمد.... و ذكر البيتين الآتيين [3] انتهي.

أقول: التفصيل الذي استوجهه غير وجيه فان ما فعله الصحابة و التابعون و العلماء و أئمة أهل البيت الطاهر مما مر و يأتي كله أو جله مشتمل علي ما فيه تهييج الحزن، و اي شي ء يهيج الحزن أكثر من قوله سيده النساء في أبيها مما استشهد به القسطلاني و غيره و مما قالته صفية و غيرها مما يأتي.

أما قوله: و يظهر فيه تبرم، فما ندري ما يريد بهذا التبرم؟ و هل المصاب الحزين مسرور مغبوط بما اصيب به غير متبرم؟

نعم، ما يدل علي السخط لقضاء الله تعالي محرم بلا ريب، و لا كلام لأحد فيه، أما حمله هذه النواهي المزعومة علي صورة الاجتماع، فحمل بلا دليل، و جمع تبرعي غير مقبول، و كذلك الحمل علي الاكثار مع أن الاكثار قد وقع من فعل الصحابة بلا نكير كما ستعرف.

بل وقع الاكثار من الخنساء الصحابية في حق أخيها الكافر صخر، بل أخويها صخر و معاوية، و لم ينكر عليها أحد، بل كانوا يقرونها علي ذلك.

فهذه النواهي المزعومة علي فرض وجودها و صحتها تحمل علي الكراهة


في حق غري من يستحق التعظيم كما قرر في الاصول من حمل النهي الظاهر التحريم علي الكراهة ان وجد النص علي الاباحة تقدميا للنص علي الظاهر الذي هو قرينة علي الخروج علي الظاهر.

و نحن نذكر نبذا مما وقع من المراثي المنقولة عن الصحابة، و بعض الأنبياء و غيرهم بدون استقصاء لأن ذلك يحتاج الي مجلدات.


پاورقي

[1] هو کعب بن زهير بن ابي‏سلمي، اتفق مع أخيه مجبر بن زهير علي قتل رسول الله صلي الله عليه و آله فذهب أخوه يستطلع الامر، فأسلم، فلامه أخوه کعب و أرسل له قصيدة مطلعها:



الا أبلغا عني بجيرا رسالة

فهل لک فيما قتلت و يحل هل لک؟



شربت مع المأمون کأسا روية

فأنهلک المأمون منها و عللک‏



و خالفت أسباب الهدي و اتبعته

علي أي شي‏ء ديب غيرک دلک‏



و يقصد بالمأمون رسول الله صلي الله عليه و آله، فأجابه بجير بقصيدة مطلعها:



الي الله - لا العزي و لا اللات - وحده

فينجوا اذا کان النجاء و يسلم‏



أري اليوم لا ينجو و ليس بمفلت

من النار الا طاهر القلب مسلم‏



فلما بلغ کعبا الکتاب ضاقت به الدنيا، و أشفق علي نفسه و أرجف به من کان في حاضره من عدوه، فقالوا: هو مقتول، فلما لم يجد من شي‏ء بدا؛ قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلي الله عليه و آله و التي مطلعها:



بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم اثرها لم يفد مکبول‏



انظر سيرة ابن‏هشام 157 - 144: 4.

[2] و هو شرف الدين أبوعبدالله محمد بن سعيد الصنهانجي البوصيري، نسبة الي بوصير، ولد سنة 608 ه و توفي سنة 694 ه، و له قصيدة البردة التي مطلعها:



محمد سيد الکونين و الثقلين

من عرب و عجم‏



فاق النبيين في خلق و في خلق

و لم يدانوه في علم و لا کرم‏



أما همزيته التي يمدح بها أهل البيت عليهم‏السلام فمطلعها:



يا أباالقاسم الذي ضمن أقسا

مي عليه مدح له وثناء



الي أن يقول:



آل بيت النبي ان فؤادي

ليس يسليه عنکم التأساء



آل بيت النبي طبتم فطاب

المدح فيکم و طاب الرثاء



انظر: أدب الطف 122: 4.

[3] ارشاد الساري 390: 2 کتاب الجنائز.