بازگشت

الفائدة 4


في النهاية الأثيريه، عترة الرجل: أخص أقاربه. و عترة النبي صلي الله عليه و سلم: بنو عبدالمطلب؛ و قيل: أهل بيته الأقربون و هم أولاده، و علي و أولاده؛ و قيل: الأقربون و الأبعدون.

و الشمهور المعروف ان عترته أهل بيته الذين حرمت عليهم الزكاة [1] .

و علي فرض ان العترة في اللغة تعم القريب و البعيد، فقد فسرت في هذه الأخبار بأهل بيته خاصة و علي فرض ان العترة و اهل البيت هم قرابة الرجل و عشير ته، و همه بالنسبة اليه صلي الله عليه و آله بنوهاشم الذين حرمت عليهم الصدقة و هي الزكاة كما قال زيد بن أرقم، و لكن العترة و أهل البيت الذين جعلوا شركاء القرآن و أحد الثقلين الواحب التمسك بهم كالقرآن ليس جميع قرابة النبي


صلي الله عليه و آله و عشيرته من بني هاشم، بل هذا من العام المخصوص بمن دلت الأدلة علي اختصاصهم بالعلم و الفضل و الزهد و العفة و النزاهة، أمثال أميرالمؤمنين علي بن ابي طالب و ولديه الحسنين و امهما بضعة الرسول صلي الله عليه و آله و سائر أئمة أهل البيت النبوي مثل علي بن الحسين زين العابدين، و ولده محمد الباقر، وابنه جعفر الصادق، و ابنه موسي الكاظم، و ابنه علي الرضا و غير هم من الأئمة الاثني عشر الذين تسالمت الامة علي تقدمهم في علمهم و فضلهم و زدهدهم و عبادتهم صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين.

و تسير زيد بن أرقم لهم بمطلق بني هاشم - كما مر - ان صح ذلك عنه و لم يكن من الشنشنة الأخزمية، مبني علي أصل الوضع اللغوي مع الغفلة عما اقتضته الأدلة من التخصيص، فلا يجب تقليده فيه مع دلالة الدليل علي خلافه، و جواز الخطأ عليه، و ذلك لأن من عداهم من بني هاشم كانت تصدر منهم الذنوب و المعاصي، و يجهلون كثيرا من الأحكام و لا يمتازون عن غيرهم من الخلق، فلا يجوز أن يكونوا هم المجعولين شركاء القرآن، و أحد الثقلين الذين يجب التمسك بهما، فعلمنا من جعلهم شركاء للقران انه ليس المراد جميعهم، بل من كان يصلح لأن يكون شريك القرآن منهم، و هم أئمة أهل البيت الطاهر لوقوع الاجماع علي عدم عصمة من سواهم، فينحصر الأمر فيهم علهيم السلام، و هذا واضح لمن تدبر وانصف.

و يدل علي أيضا قوله صلي الله عليه و آله: «انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض» و «اني تركت فيكم ما ان أخذتم به - أو تمسكتم به - لن تضلوا بعدي»، و قوله: «فلا تتقدموهم فتهلكوا، و لا تعلموهم فانهم أعلم منكم»، الدال علي عصمتهم، و وجوب الأخذ بقولهم كما عرفت.


و في غاية المرام بعد ذكر حديث الثعلبي المتقدم الذي فيه «كتاب الله و عترتي أهل بيتي» ما لفظه:

قال سفيان: أهل بيته هم ورثة علمه، لانه لا يورث من الأنبياء الا العلم فهو كقول نوح: (رب اغفرلي و لوالدي و لمن دخل بيتي مؤمنا) [2] [3] انتهي.

وروي الصدوق في معاني الأخبار بسند صحيح عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه السجاد، عن أبيه الحسين قال: سئل أميرالمؤمنين عليه السلام عن معني قول رسول الله صلي الله عليه و آله: «اني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله و عترتي»: من العترة؟

فقال: انا و الحسن و الحسين و الأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم و قائمم، لا يفارقون كتاب الله و لا يفارقهم حتي يردوا علي رسول الله صلي الله عليه و آله حوضه [4] .

وروي فيه ايضا بسنده عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه واحدا بعد واحد، عن علي بن ابي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: اني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله و عترتي اهل بيتي، و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض كهاتين - و ضم بين سبابتيه -.

فقام اليه جابر بن عبدالله الأنصاري فقال: يا رسول الله، من عترتك؟

قال: علي و الحسن و الحسين و الأئمة من ولد الحسين الي يوم القيامة [5] .


الثالث: من الوجوه الدلالة علي وجوب اتباع ائمة اهل البيت عليهم السلام، و حجية أقوالهم و أفعالهم ما رواه الفرقان من ائمة اهل السنة و الشيعة من قول النبي صلي الله عليه و سلم: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تأخر عنها هلك. او من ركب فيها نجا و من تخلف عنها غرق. أو من دخلها نجا و من تخلف عنها هلك.

قال ابن حجر في الصواعق: و جاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا انما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، و في رواية مسلم: و من تخلف عنها غرق، و في رواية: هلك.

و انما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل، من دخله غفر له و في رواية: غفر له الذنوب.

و قال في موضع آخر في باب الأمن ببقائهم: و جاء من طرق كثيرة يقوي بعضها بعضا: مثل أهل بيتي، و في رواية: انما مثل أهل بيتي، و في اخري: ان مثل أهل بيتي، و في رواية: الا ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق، و في رواية: من ركبها سلم و من تركها غرق، و ان مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له [6] انتهت الصواعق.

أقول: أورد في غاية المرام حديث السفينة بأحد عشر طريقا من روايات أهل السنة عن ابن المغازلي الشافعي، و الحمويني، و علي بن صباغ المالكي في الفصول المهمة، و السمعاني في كتاب فضائل الصحابة، و أورده بتسعة طرق من


روايات أهل البيت [7] .

فتمثيلهم في هذه الروايات بسفينة نوح، صريح في وجوب اتباعهم و الاقتداء بأقوالهم و أفعالهم، و حرمة اتباع من خالفهم و اي عبارة أبلغ في الدلالة علي ذلك من قوله: «من ركبها نجا، و من تخلف عنها هلك - أو غرق -»، فكما ان كل من ركب مع نوح في سفينته نجا من الغرق، و من لم يركب غرق و هلك، فكذلك كل من اتبع أهل البيت نجا من سخط الله و فاز برضوانه، و من خالفهم هلك و وقع في سخط الله و عذابه و ذلك دليل عصمتهم و الا لما كان كل متبع لهم ناجيا، و لا كل مخالف لهم هالكا، و هذا عام مخصوص كما مر في حديث الثقلين، و ليس المراد به الا ائمة أهل البيت الذين وقع الاتفاق علي تفضيلهم و اشتهروا بالعلم و الفضل و الزهد و الورع و العبادة، و اتفقت الامة علي عدم عصمة غيرهم.

قال ابن حجر في صواعقه بعد ذكر ما مر عنه آنفا: و وجه تشبيههم بالسفينة ان من أحبهم و عظمهم، شكر النعمة مشرفهم صلي الله عليه و سلم، و أخذ بهدي علمائهم، نجا من ظلمة المخالفات، و من تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، و هلك في مفاوز الطغيان [8] انتهي.

أقول: و لا يقصر عنه في الدلالة خبر تشبيههم ببات حطة الدال علي أن النجاة في اتباعهم، و الخلاص من الذنوب و المعاصي بالاخذ بطريقتهم، و يرشد ذلك و يعضده ما نقله ابن حجر في صواعقه عن الملا في سيرته أنه أخرج حديث «في كل خلف من امتي عدول ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، و انتحال


المبطلين و تاويل الجاهلين، ألا و ان أئمتكم و فدكم الي الله عزوجل، فانظروا من توفدون.

و حكي في باب الأمان ببقائهم من صواعقه عن المحب الطبري أنه أورده بلا اسناد [9] انتهي.

الرابع: من الادلة علي وجوب اتباع أئمة أهل البيت، وحجية أقوالهم و أفعالهم ما رواه الفريقان من ان النجوم أمان لأهل السماء، و أهل بيتي أمان لامتي، أو لأهل الأرض، أو النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، و أهل بيتي أمان لامتي من الاختلاف.

ففي غالية المرام عن مسند الامام أحمد بن حنبل ما صورته: عبدالله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه قال: و فيما كتب الينا محمد بن علي الحضرمي يذكر أن يوسف بن يعيش حدثهم قال: حدثنا عبدالملك بن هارون، عن عنثرة، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: النجوم أمان لأهل السماء، اذا ذهبت النجوم ذهبوا، و أهل بيتي أمان لأهل الأرض، فاذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض [10] انتهي.

و أورده ابن حجر في صواعقه في باب الأمن ببقائهم فقال: و في رواية لأحمد و غيره: النجوم أمان... الي آخر ما تقدم.

ثم قال: وصح النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، و أهل بيتي أمان لامتي من الاختلاف.


و أورده أيضا في الفصل الأول من الباب الحادي عشر في تفسير الآية السابعة من رواية أحمد.

ثم قال: و في رواية صححها الحاكم علي شرط الشيخين: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، و أهل بيتي أمان لامتي من الاختلاف، فاذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا، فصاروا حزب ابليس [11] انتهي.

قوله: من الاختلاف؛ أي الاختلاف في الدين، فاذا خالفتها قبيلة فأخذوا بغير قولها اختلفوا في أحكام الدين، فصاروا بسبب مخالفتهم لأهل بيت نبيهم حزب ابليس، لأن الحق مع أهل البيت، و مخالفهم علي الباطل، و ليس المراد المخالفة في امور الدنيا، بدليل قوله: فصاروا حزب ابليس، مع انه لو اريد ذلك لكفي في وجوب اتباعهم، فاذا كان من خالفهم في أمر الدنيا من حزب ابليس، فكيف بمن خالفهم في الدين؟

فهذه الأحاديث التي سردناها من أحاديث الثقلين و السفينة و باب حطة و التشبيه بالنجوم و غيرها، كافية لاثبات حجية أقوال أهل البيت، و وجوب الاقتداء بهم، و هل جاء في حق الائمة الأربعة و سائر المجتهدين مثلها أو دونها؟

علي ان ما ورد في وجوب الاقتداء بأهل البيت و اتباعهم من طريق أهل السنة ينبو عن الحصر، و هذا الذي ذكرناه طرف منه، و لو أردنا استقصاءه لطال المقام و خرجنا عن موضوع هذه العجالة.

مع ان الاقتداء بأهل البيت و الأخذ بأقوالهم في هذه المآتم و غيرها من


أحكام الدين لا يتوقف علي طريقة الخصم علي اثبات عصمتهم لاتفاق الكلمة الكلمة علي امامتهم في الفتوي و العلم و الورع، و انهم ان لم يكونوا مقدمين في ذلك علي الفقهاء الأربعة و الثوري و الأوزاعي و ابي يوسف و الشيباني و أمثالهم، فلا يقصرون عنهم علما و لا عملا.

و لو ثبتت هذه أو مثلها أو ما هو أعظم منها خطرا في الدين، مما يتعلق بالأموال أو النفوس أو المناكح أو غيرها عن بعض من ذكرناه، لما توقف الخصم في العمل بها، فما باله بعد ما ثبتت عن أئمة أهل بيت النبوة و معادن العلم يندد بها، و يعيب فاعلها و ينسبه الي الابداع في الدين، فليحكم في ذلك العاقل المنصف.

أفيري الخصم ان في ائمة اهل البيت الذين هم أحد الثقلين الذين لا يضل المتمسك بهما ما يوجب الاعراض عنهم، و الانكار علي مقلدهم و الأخذ بمذهبهم؟ أو لديه أدلة خاصة تقصر الامامة في الفتوي علي غيرهم، كلا، بل الامر بالعكس كما دل عليه ما قدمناه بأوضح دلالة، و لكن التقليد الأعمي آفة الآفات، بل نراهم قد واظبوا علي ما أحدثه بعض الخلفاء أو ملوك الاسلام و ان لم يكونوا من أئمة الدين.

ففي السيرة الحلبية التأليف علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي ما لفظه:

و الثابت في الجمعة اذان واحد كان يفعل بين يديه صلي الله عليه و سلم اذا صعد المنبر و جلس عليه، كذا قال فقهاؤنا مستدلين علي ذلك بحديث البخاري عن السائب بن يزيد قال: كان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الامام علي المنبر في عهد رسول الله صلي الله عليه و سلم و أبي بكر و عمر (رض)، و ليس فيه ان


ذلك الأذان كان بين يديه، و لما كثر المسلمون، أمر عثمان (رض)؛ و قيل: عمر؛ و قيل: معاوية، بأن يؤذن قبله علي المنارة.

و في عبارة بعضهم: و في السنة الرابعة و العشرين زاد عثمان النداء علي الزوراء يوم الجمعة ليسمع الناس فيأتوا الي المسجد، و أول من أحدثه بمكة الحجاج.

و التذكير قبل الأذان الأول الذي هو التسبيح احدث بعد السبعمائة في زمن الناصر محمد بن قلاوون، و أول ما احدثت الصلاة و السلام علي النبي صلي الله عليه و آله علي الكفية المعهودة الآن بعد تمام الأذان علي المنارة في غير المغرب في زمن السلطان المنصور حاجي بن الأشرف شعبان بن حسن بن محمد بن قلاوون، بأمر المحتسب نجم الدين الطنبدي في أواخر القرن الثامن، و استمر ذلك الي الآن، لكن في غير أذان الصبح الثاني و غير أذان الجمعة أول الوقت أما أذان الصبح الثاني، و أذان الجمعة المذكور فتقدم الصلاة و السلام عليه صلي الله عليه و آله علي الأذان فيهما، و كان احدث ذلك في زمن صلاح الدين بن أيوب.

ثم قال: و أول ما أحدث التسبيح بالأسحار في زمن موسي عليه الصلاة و السلام - الي أن قال -: و أول حدوثه في ملتنا كان بمصر، أمر به أميرها من قبل معاوية مسلمة بن مخلد الصحابي (رض)، فانه لما اعتكف بجامع عمرو سمع أصوات النواقيس عالية، فشكا ذلك الي شرحبيل بن عامر عريف المؤذنين بجامع عمرو، ففعل ذلك من نصف اليل الي قريب الفجر - الي ان قال -: و مسلمة أول من جعل بنيان المنابر التي هي محل التأذين في المساجد، فلما ولي أحمد بن طولون رتب جماعة يكبرون و يسبحون


و يحمدون، فلما ولي صلاح الدين يوسف بن ايوب و حمل الناس علي اعتقاد مذهب الأشعري، و الخروج عما كان يعتقد الفواطم، أمر المؤذنين ان يعلنوا وقت التسبيح بذكر العقيدة المرشدة و قد وقفت عليها، فاذا هي ثلاث ورقات، فواظبوا علي ذكرها في كل ليلة [12] انتهي ما أردنا نقله من السيرة الحلبية.

و قد نقل ابن حجر في صواعقه [13] الشي ء الكثير مما يدل علي فضائل الأئمة الاثني عشر، و علومهم و زهدهم و عباداتهم، و شدة خوفهم من الله تعالي، و معجزاتهم الباهرة، و امامتهم في الدين و استجابة دعائهم، و كرم أخلاقهم، و تفوقهم في ذلك كله علي أهل زمانهم، مما يطول الكلام بنقله، ليستر بذلك نصبه و عداوته لشيعتهم و موالاته لأعدائهم، مع ان ذلك مسلم مشهور معروف، لا يحتاج الي نقل ما يدل عليه هذا الكلام علي حجية أقوال أهل البيت عليهم السلام و أفعالهم.

أما أنهم بكوا علي الحسين عليه السلام، و عدوا مصيبته أعظم المصائب، و أمروا شيعتهم و مواليهم و أتباعهم بذلك، و حثوا عليه، و استنشدوا الشعر في رثائه، و بكوا عند سماعه، و جعلوا يوم قتله يوم حزن و بكاء، و ذموا من اتخذه عيدا، و أمروا بترك السعي فيه في الحوائج و عدم ادخار شي ء فيه، فالأخبار فيه مستفيضة عنهم تكاد تبلغ حد التواتر، روتها عنهم ثقات شيعتهم و محبيهم بأسانيدها المتصلة اليهم.

و نحن نذكر أولا ما ورد في بكاء ائمة أهل البيت عليهم السلام لهذه


الفاجعة العظيمة، ثم نتبعه بما ورد عنهم في الحث علي البكاء و الحزن لها و ما يندرج في ذلك و يتبعه فنقول:


پاورقي

[1] النهاية لابن الأثير 263: 2.

[2] سورة نوح: 28.

[3] غاية المرام (الطبعة الحجرية): 218.

[4] معاني الأخبار: 75.

[5] معاني الأخبار: 79.

[6] الصواعق المحرقة: 153 - 152.

[7] غاية المرام (الطبعة الحجرية): 218.

[8] الصواعق المحرقة: 152.

[9] الصواعق المحرقة: 236.

[10] غاية المرام (الطبعة الحجرية): 218.

[11] الصواعق المحرقة: 151.

[12] السيرة الحلبية 212: 1، باب بدء الاذان.

[13] الصواعق المحرقة: 151 و ما بعدها.