بازگشت

الفائدة 1


عصمة ائمة اهل البيت، وحجية أقوالهم و أفعالهم، و وجوب اتباعهم و اطاعتهم، و الاقتداء بأقوالهم و أفعالهم و عدم جواز الأخذ بالأقوال المخالفة لقولهم، و انه لابد ان يوجد في كل زمان منهم من يكون مرجعا للامة و قدوة لها، و ذلك بوجوه من الدلالات:

اولا: قوله في رواية مسلم: انما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب - و اني اوشك أن ادعي فأجيب في رواية أحمد - الدال علي انه أراد أن يجعل لهم مرجعا بعد وفاته يرجعون اليه كما كانوا يرجعون اليه نفسه في حياته خوفا من أن يبقوا بعده بلا مرجع، و ان يوصيهم بأهم ما يحتاجون اليه و تلزمه الوصاية به و من يريد ان يوصي يذكر في وصيته أهم اموره عنده.

فدل علي ان الكتاب و العترة أهم ما يوصي به النبي صلي الله عليه و آله، و انهما مرجع للناس بعد وفاته كما كان هو مرجعا لهم في حياته فكما وجبت عليهم اطاعته في حياته، و الاقتداء بأقواله و أفعاله، و ثبتت عصمته من الخطأ، فكذلك من جعله في مكانه.

ثانيا: ان اقتران أهل البيت عليهم السلام بالكتاب في رواية مسلم دال علي وجوب عصمتهم و اطاعتهم كما أن الكتاب لا يخطي ء، و يجب الأخذ بما فيه و ان الرجوع الي غيرهم كترك القرآن و الرجوع الي كتاب يخالفه.

ثالثا: انه وصف الكتاب في رواية مسلم بأن فيه الهدي و النور، و انه حبل من الله من اتبعه كان علي الهدي، و من تركه كان علي الضلالة، فكذلك أهل البيت


الذين هم شركاؤه و قرناؤه.

رابعا: انه في رواية مسلم أمر بالاخذ بكتاب الله و الاستمساك به، وحث عليه، و رغب فيه، ثم عطف عليه الآل، فد علي وجوب التمسك بهم و الأخذ بأقوالهم، و الاقتداء بأفعالهم.

خامسا: قوله صلي الله عليه و آله في روايات أحمد بن حنبل: «لن يفترقا حتي يردا علي الحوض»، صرح بعدم افتراق القرآن و العترة، نافيا ذلك ب «لن» التي هم لتأبيد النفي أو تأكيده، و مسندا ذلك مرة الي اللطيف الخبير انه أخبره بعدم افتراقهما، لزيادة التأكيد و التثبيت.

و عدم الافتراق كناية عن عدم مخالفة العترة لشي ء مما جاء في القرآن الكريم، و ذلك لا يكون الا مع عصمتهم و لو كانوا يخطئون لكانوا مفارقين للقرآن، لأن القرآن لا يكون فيه خطأ، فكما أن القرآن لا يخطي ء، فالعترة لا يخطئون و كما أن متبع القرآن لا يمكن أن يكون ضالا، فكذلك متبع العترة لا يكون ضالا.

و فيه ايضا دلالة علي عدم خلو عصر من الأعصار من العترة الذين هذه صفتهم، كما انه لا يخلوا من القرآن.

سادسا: قوله صلي الله عليه و آله في رواية أحمد: حبل ممدود من السماء الي الارض، و تفسير ذلك: ان السماء محل رحمة الله تعالي و عذابه، فمنها تنزل الأمطار و الصواعق، و فيها الشمس و القمر و الكواكب التي لولاها لما عاش بنو آدم في الأرض، و هي مسكن ملائكة الله الذين لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون، و هم المنفذون لما أمر الله به في حق سكان الأرض من خير و شر، و فيها عرش الرحمن، و فيها جنته و ناره - علي أحد القولين -، و اليها يرفع الله من


يريد كرامته من عباده، كما قال الله تعالي في حق عيسي بن مريم عليه السلام (و ما قتلوه يقينا - بل رفعه الله اليه) [1] (اني.... رافعك الي) [2] و في حق ادريس (و رفعناه مكانا عليا) [3] الي غير ذلك.

و من هنا ورد في الشرع رفع اليدين الي السماء في حالة الدعاء، و ان كان الله تعالي لا يختص به مكان دون مكان، فقوله: «حبل ممدود من المساء الي الأرض» علي جهة التشبيه، فكما ان من كان بينه و بين مكان حبل، فاذا تعلق به و صعد عليه يمكنه الوصول الي ذلك المكان، أو يكون بينه و بين ذلك المكان صلة و علاقة يمكنه اخذ و ارسال ما يريد من و الي ذلك المكان، أو تعريف حاله لمن في ذلك المكان، كالذي في البئر أو البحر و بينه و بين غيره حبل فيحركه متي أراد، فيخرجونه و يستنقذونه ممن العطب، فكذلك القرآن حبل بين الله تعالي و عباده، من تمسك به و عمل بما فيه وصل الي طاعة الله و رضاه و نعمته، و كذلك من أطاع العترة و عمل بأقوالهم و اقتدي بهم، لأنه قرنهم بالقرآن الذي هو حبل ممدود من السماء الي الأرض، و ما وصفه بذلك الا ليبين أنهم مثله، و الا فالقرآن المنزل من الله علي رسوله لا يشك في أن المتمسك به و العامل بما فيه ناج.

سابعا: انه سماهما ثقلين،و الثقل - بفتحتين -: الشي ء الخطير الشريف، أو مأخوذ من الثقل ضد الخفة؛ لأن العمل بهما ثقيل جدا كما مر الوجهان عن ابن حجر.

و حكي في غاية المرام عن الحويني أنه أخرج عن علي بن الفضل


البغدادي انه قال: سمعت عمر صاحب أبي العباس غلام ثعلب يقول: سمعت أباالعباس ثعلب سئل عن معني قوله صلي الله عليه و سلم: «اني تارك فيكم الثقلين»، لما سميا ثقلين؟

قال: لأن التمسك بهما ثقيل [4] انتهي.

و كيفما فسرا، ففي ذلك من الدلاة علي عظم محلهما و ان العترة لا تشمل جميع قرابة النبي صلي الله عليه و سلم ما لا يخفي سيما ان فسرا كما قاله ثعلب، الذي هو من أعاظم أئمة اللغة، فان التمسك بهما لا يكون ثقيلا الا مع كونه طاعة، لثقل الطاعة و خفة المعصية، و لا يكون التمسك بهما طاعة اذا خالفا أو أحدهما الحق، و لا يكون ذلك الا مع العصمة.

ثامنا: قوله صلي الله عليه و آله في رواية أحمد: «حتي يردا علي الحوض»؛ فجعلهما مجتمعين لا يفترقان في الدنيا التي هي دار التكليف، لانه جعل ذلك مغيا بورود الحوض الذي يكون في الدار الخري عند انقطاع التكليف، فيدل علي وجود معصوم من العترة في كل زمان، و لو خلا زمان منه ذلك، لا فترقت العترة عن الكتاب و قد أخبر النبي صلي الله عليه و آله عن عدم افتراقهما.

قال ابن حجر في صواعقه: و في أحاديث الحث علي التمسك بأهل البيت اشارة الي عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به الي يوم القيامة، كما ان الكتاب العزيز كذلك، و يشهد له الخبر: في كل خلف من امتي عدول من أهل بيتي.... الخ، ثم أحق من يتمسك به منهم امامهم و عالمهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لما قدمناه من مزيد علمه، و دقائق مستنبطاته، و من ثم قال أبوبكر: علي عترة


رسول الله صلي الله عليه و سلم؛ أي الذين حث علي التمسك بهم، فخصه لما قلنا، و كذلك خصه صلي الله عليه و سلم بما مر يوم غدير خم [5] انتهي الصواعق.

تاسعا: قوله: «فانظروا بم تخلفوني فيهما» في رواية الترمذي الذي هو حث و حض علي اطاعتهما، و تهديد و تحذير من مخالفتهما.

عاشرا: قوله صلي الله عليه و آله: «أحدهما أكبر من الآخر» في رواية أحمد؛ أي أعظم، و قد عبر به في رواية الترمذي، و المراد به هو الكتاب كما صرح به في بعض روايات أهل البيت عليهم السلام المنقولة في غاية المرام، لأنه كلام الله المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و فيه تبيان كل شي ء و لذلك قدم في الذكر و ان كان الكتاب العزيز فيه المجمل و المفصل و لم يستوف جميع الأحكام بالبديهة و كونه فيه تبيان كل شي ء محمول علي بعض الوجوه من أنه قد ذكر فيه كل شي ء تشتد الحاجة اليه، و ان لم يفصل كل شي ء ذكر فيه، و قد أوكل تفصيل ذلك المجمل و بيان ما لم يذكر الي الرسول صلي الله عليه و آله و بعد الرسول الي عترته الذين هم باب مدينة علمه، و الذين أمر باتباعهم في هذه الأحاديث و غيرها.

و من هنا قال أميرالمؤمنين عليه السلام يوم رفع المصاحف بصفين: هذا كتاب الله الصامت، و انا كتاب الله الناطق [6] .

الحادي عشر: قوله صلي الله عليه و آله: «اني تارك فيكم ما ان أخذتم به» في رواية أحمد أو «تمسكتم به» في رواية الترمذي «لن تضلوا بعدي» نص علي أن الآخذ بما في الكتاب، العامل به و بأقوال العترة لن يضل، نافيا ذلك ب «لن»


التي هي للتأييد أو التأكيد، و لا يكون ذلك الا مع العصمة، فان الضلال مخالفة الواقع و كل من ليس بمعصوم يجوز في حقه مخالفة الواقع، فلا يأمن متبعه من الضلال، و سلوك طريق الباطل.

و المراد من الأخذ بالكتاب؛ العمل بما فيه، و من الأخذ بالعترة؛ الأخذ بأقوالها و العمل بها، و كذلك التمسك ليس معناه التمسك باليد، بل الاقتداء و الاتباع، و فيه من المبالغة ما لا يخفي، فان تمسك لمبالغة مسك.

و ليس المراد بالتمسك و الأخذ و سائر ما ورد في هذه الأحاديث مجرد مودتهم، و الاحسان اليهم و احترامهم و اكرامهم، و تأدية حقوقهم الواجبة و المندوبة، كما يلوح من كلام ابن حجر في صواعقه في باب وصية النبي صلي الله عليه و آله بهم و أمثاله، ممن دأبهم قلب الحقائق، و تأويل ما ورد في حق أهل البيت، و لو كان صريحا وابتغاء المحامل البعيدة له، و توهينه و تشريك غيرهم معهم في ذلك، ممن لا يصل الي درجتهم كما يقف علي ذلك المتتبع المنصف «شنشنة أعرفها من أخزم» [7] .

الثاني عشر: قوله صلي الله عليه و آله: «فلا تقدموهم فتهلكوا» في رواية الطبراني؛ اذ الظاهر أن المراد بتقدمهم التقدم عليهم في الامارة و السلطنة و دعوي الامامة، و فيه دلالة علي انهم أحق بذلك من كل أحد، و كفي به دليلا علي وجوب الأخذ بأقوالهم لو لم يدل علي عصمتهم و يرشد اليه ما ورد في بعض


أحاديث أهل البيت المتقدم لهم مارق و المتأخر عنهم زاهق [8] .

المراد بالمتقدم ما ذكرنا، و بالمتأخر من لا يتبع قولهم و يخالفهم.

و يحتمل أن يراد بتقدمهم عدم الأخذ بقولهم، و قد جعله موجبا للهلاك، فيدل علي عصمتهم، لكن الظاهر الأول.

الثالث عشر: قوله صلي الله عليه و آله: «و لا تعلموهم فانهم أعلم منكم» في رواية الطبراني، فجعلهم أعلم الخلق و كفي به دليلا علي وجوب الأخذ بقولهم.


پاورقي

[1] سورة النساء: 158 - 157.

[2] سورة آل عمران: 55.

[3] سورة مريم: 57.

[4] غاية المرام: 218.

[5] الصواعق المحرقة: 154.

[6] وقعة صفين: 437.

[7] الشنشنة: الخليقة و هو شعر منسوب الي أبي أخزم الطائي، قال:



ان بني ضرجوني بالدم

شنشنة أعرفها من أخزم‏



و قيل: کان أخزم عاقا لأبيه فمات و ترک ابنين عقوا جدهم و ضربوه و ادموه، فقال ذلک؛ و قيل: انه قال:



شنشنة أعرفها من أخزم

و هل تلد الحية الا حية



انظر: الاغاني 259: 12.

[8] المعجم الأوسط 163: 1.