بازگشت

بكاء النبي علي سعد حال مرضه


العشرون: بكاء النبي صلي الله عليه و آله علي سعد حال مرضه.

أخرج البخاري في صحيحه في باب البكاء عند المريض عن عبدالله بن


عمر رضي الله عنه قال: اشتكي سعد بن عبادة شكوي له، فأتاه النبي صلي الله عليه و سلم يعوده مع عبدالرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص و عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فلما دخل عليه فوجده في غاشية من أهله فقال: قد قضي فقالوا: لا يا رسول الله، فبكي النبي صلي الله عليه و سلم، فلما رأي القوم بكاء النبي صلي الله عليه و سلم بكوا فقال: الا تسمعون ان الله لا يعذب بدمع العين و لا بحزن القلب و لكن يعذب بهذا - و أرشاد الي لسانه - أو يرحم [1] .

و أخرجه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر مثله.

الا انه قال: في غشية. و قال: أقد قضي [2] ؟

و زاد البخاري: و ان الميت يعذب ببكاء اهله عليه، و لم يذكر مسلم تلك الزيادة.

و قد أورد البخاري و مسلم في صحيحيهما أخبار اخر عن عمر و ابنه عبدالله فيها: ان الميت يعذب ببكاء أهله عليه أو ببعض بكاء اهله عليه، أو ان الميت ليعذب ببكاء الحي أو ببكاء الحي عليه، أو من ينح عليه يعذب بما نيح عليه، أو الميت يعذب في قبره بما نيح عليه، او من يبك عليه يعذب، او المعول عليه يعذب [3] .

و أخرج ابن ماجة من حديث عمر: الميت يعذب بما نيح عليه [4] .


و النسائي من حديث ابن عمر عن أبيه: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، أو يعذب في قبره بالنياحة عليه.

و النسائي أيضا من حديث عمران بن حصين: الميت يعذب ببكاء الحي أو بنياحة أهله عليه [5] .

و مسلم في كتاب الجنائز: اول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب، فروي المغيرة بن شعبة عن النبي صلي الله عليه و سلم: من ينح عليه فانه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة [6] .

أقول: و هذه الاحاديث كلها مخالفة لحكم العقل و النقل المقرر له، لأن أخذ الميت بذنت الحي ظلم كما دل عليه قوله تعالي: (و لا تزر وازرة وزر اخري) [7] و قوله: (و ان تدع مثقلة الي حملها) [8] ، الآية، فهي اما مكذوبة أو وقع فيها اشتباه من الراوي كما يأتي عن عائشة، أو مؤولة كما يأتي عن البخاري [9] و القسطلاني [10] و ما حكاه النووي من تأويل العلماء لها [11] .

و قد انكرت عائشة هذه الأخبار، و نسبت راويها الي الاشتباه أو النسيان، و أنكرها ابن عباس أيضا كما ستعرف في الأمر الحادي و العشرين في خبر وفاة ام أبان بنت عثمان من انكار ابن عباس ذلك علي ابن عمر، و انكار عائشة ان


يكون رسول الله صلي الله عليه و آله قال ذلك، و قولها: انه انما قال: ان الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه، و احتجاجها بآية (و لا تزر وازرة وزر اخري) و قول ابن عباس عند ذلك: والله هو أضحك و أبكي، و سكوت ابن عمر و عدم رده عليه شيئا.

و أخرج النسائي و مسلم ما ملك في الموطأ: ان عائشة لما بلغها رواية ابن عمر: ان الميت ليعذب ببكاء أهله و نحوه، قالت: مر النبي صلي الله عليه و سلم علي قبر فقال: ان صاحب القبر ليعذب، و ان أهله يبكون عليه، و قرأت: (و لا تزر) الآية.

أو قالت: انه لم يكذب، و لكن نسي أو أخطأ، انما مر رسول الله صلي الله عليه و سلم علي يهودية يبكي عليها فقال: انهم ليبكون عليها و انها لتعذب في قبرها.

أو قالت: انه سمع شيئا فلم يحفظ، انما مرت علي رسول الله صلي الله عليه و آله جنازة يهودي و هم يبكون عليه فقال: أنتم تبكون عليه، و انه ليعذب.

أو قالت: و هل انما قال صلي الله عليه و سلم: انه ليعذب بخطيئته و بذنبه، و ان أهله ليبكون عليه الآن.

أو قالت - لما ذكر لها حديث من يبكي عليه يعذب -: انما كان اولئك اليهود.

أو لما بلغها قول عمر و ابنه قالت: انكم لتحدثون عن غير كاذبين و لا مكذبين و لكن السمع يخطي ء [12] .


و حمل البخاري في صحيحه هذه الاخبار علي ما اذا كان النوح من سنته - اي فاقتدي به غيره - قال: فاذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة: (و لا تزر) الآية، و هو كقوله: (و ان تدع مثقلة) ذنوبا [13] الي حملها لا يحمل منه شي ء [14] انتهي.

و قال القسطلاني في الشرح: انما يعذب الميت ببكاء الحي اذا يضمن ما لا يجوز و كان الحي سببا فيه. انتهي.

و قال النووي في شرح صحيح مسلم: هذا الروايات من رواية عمر بن الخطاب و ابنه عبدالله و أنكرت عائشة عليهما و نسبتهما الي النسيان و الاشتباه، و أنكرت أن يكون النبي صلي الله عليه و سلم قال ذلك، و احتجت بقوله تعالي: (و لا تزر) الآية. ثم حكي تأويل العلماء لها بما اذا كان السبب بأن اوصي بذلك أو فرط في اهمال الوصية بتركها، أو بأنهم كانوا ينوحون علي الميت بما هو معصية كقولهم: يا مرمل النسوان و مؤتم الولدان، أو بأنه يعذب بسماع بكاء أهله و يرق لهم، وروي حديثا يفيد ذلك، أو ان الكافر يعذب بذنبه حال بكاء أهله عليه - كما قالت عائشة -.

و مما يدل علي ان عائشة كانت تخالف عمر في ذلك مضافا الي ما مر، ما رواه الطبري في تاريخه في حوادث سنة 13 بسنده الي سعيد بن المسيب قال: لما توفي أبوبكر اقامت عليه عائشة النوح، فأقبل عمر بن الخطاب حتي وقف ببابها فنهاهن عن البكاء علي أبي بكر، فأبين أن ينتهين فقال عمر لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج الي ابنة أبي قحافة اخت أبي بكر.


فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر: اني احرج عليك بيتي. فقال عمر لهشام: ادخل فقد اذنت لك، فدخل هشام فأخرج ام فروة اخت أبي بكر الي عمر فعلاها بالدرة، فضربها ضربات، فتفرق النوح حين سمعوا ذلك [15] .

هذا مع ان عمر قد استحسن بكاء النساء علي خالد بن الوليد بدون نقع و لا لقلقة.

ففي صحيح البخاري في باب ما يكره من النياحة علي الميت:

و قال عمر: دعهن يبكين علي أبي سليمان ما لم يكن نقع و لا لقلقة، و النقع: التراب علي الرأس. و اللقلقة: الصوت [16] انتهي.

قال القسطلاني - بعد قوله و قال عمر -: لما مات خالد بن الوليد واجتمع نساء بني المغيرة يبكين عليه فقيل لعمر: ارسل اليهن فأنهن [17] انتهي.

و في الاستيعاب في ترجمة خالد بسنده عن أبي وائل قال: بلغ عمر بن الخطاب ان نسوة من نساء بني المغيرة اجتمعن في دار يبكين علي خالد بن الوليد فقال عمر: و ما عليهن أن يبكين أباسليمان ما لم يكن نقعا و لقلقة.

و ذكر محمد بن سلام قال: لم تبق امرأة من بني المغيرة الا وضعت لمتها


علي قبر خالد بن الوليد. يقول: حلقت رأسها [18] انتهي الاستيعاب.

مع ان الحلق محرم قطعا.

روي البخاري: ان النبي صلي الله عليه و سلم بري ء من الحالقة [19] و كذا النسائي في سننه [20] و غيرهما.

و قال ابن حجر العسقلاني في الاصابة في ترجمة خالد بن الوليد: فلما توفي خرج عمر الي جنازته فقال: ما علي نساء آل الوليد أن يسفحن علي خالد دموعهن مالم يكن نقعا أو لقلقة [21] انتهي.

و في النهاية الأثيرية في شرح الحديث النقع: رفع الصوت؛ وقيل: شق الجيوب؛ و قيل: وضع التراب علي الرؤوس و هو أولي؛ لانه قرن باللقلقة؛ و هي الصوت، فحمل اللفظين علي معنيين أولي من حملهما علي معني واحد [22] .

و فيها أيضا: اللقلق: اللسان، و منه حديث عمر: «ما لم يكن نقع و لا لقلقة»، أراد الصياح و الجلبة عند الموت، و كأنها حكاية الأصوات الكثيرة [23] .

و في أوائل الجزء الثاني من العقد الفريد لما توفي خالد بن الوليد أيام عمر ابن الخطاب و كان بينهما هجرة فامتنع النساء من البكاء عليه، فلما انتهي ذلك الي عمر قال: و ما علي نساء بني المغيرة ان يرقن من دموعهن عي أبي سليمان ما لم


يكن لغو و لا لقلقة [24] انتهي.

و يشير الي ذلك ما في الاصابة في ترجمة خالد: ان عمر سمع راجزا يذكر خالدا، فقال: رحم الله خالدا. فقال له طليحة [25] بن عبدالله.



لا اعرفنك بعد لاموت تندبني

و في حياتي ما زودتني زادي [26] .



و بكي عرم و حزن علي أخيه زيد و رثاه كما سيأتي في الأمر السابع و العشرين في بكاء الصحابة علي الحسين و غيره.


پاورقي

[1] ارشاد الساري 399: 2 و هذا الحديث حجة من ثلاث جهات؛ فعل النبي صلي الله عليه و آله و قوله و تقريره.

[2] ارشاد الساري - الهامش - 257: 4، کتاب الجنائز.

[3] صحيح البخاري 155: 1، صحيح مسلم 257: 4.

[4] سنن ابن‏ماجة 173: 1.

[5] سنن النسائي 213: 1.

[6] صحيح مسلم 359: 1.

[7] سورة الانعام 164، سورة الاسراء: 15، سورة فاطر، 18، سورة الزمر: 7.

[8] سورة فاطر: 18.

[9] صحيح البخاري 155: 1.

[10] ارشاد الساري 399: 2.

[11] صحيح مسلم 318: 5.

[12] سنن النسائي 213: 1، صحيح مسلم 257: 4، الموطأ 107: 1، و التردد في هذه الأقوال من الراوي.

[13] في هامش الأصل: «کلمة ذنوبا ليست من الآية، بل زادها البخاري مراعاة للمعني. منه رحمه الله».

[14] صحيح البخاري 157: 1.

[15] تاريخ الطبري 49: 2. والظاهر ان عمر لم يعلم اقرار النبي صلي الله عليه و آله نساء الأنصار علي البکاء علي موتاهن، و لم يبلغه قوله صلي الله عليه و آله: «لکن حمزة لا بواکي له»، و قوله صلي الله عليه و آله: «علي مثل جعفر فلتبک البواکي»، و قوله صلي الله عليه و آله: «انما يرحم الله من عباده الرحماء».

[16] صحيح البخاري 167: 1.

[17] ارشاد الساري 388: 2.

[18] الاستيعاب - بهامش الاصابة - 397: 3.

[19] صحيح البخاري 155: 1، کتاب الجنائر.

[20] سنن النسائي 217: 1.

[21] الاستيعاب 414: 1.

[22] النهاية لابن الأثير 109: 5.

[23] النهاية لابن الأثير 265: 4.

[24] العقد الفريد 76: 2.

[25] کذا في الأصل و المصدر. و لعله خطأ، و الصواب طلحة و هو الصحابي المشهور.

[26] الاصابة 415: 1.