بازگشت

بكاء النبي علي عمه حمزة يوم احد


العاشر: بكاء النبي صلي الله عليه و آله علي عمه حمزة يوم احد لما استشهد و أرادت أن تبكي عليه البواكي.

روي ابن عبدالبر في الاستيعاب في ترجمة حمزة بسنده عن جابر بن عبدالله قال: لما رأي النبي عليه الصلاة و السلام حمزة قتيلا بكي، فلما رأي ما مثل به شهق [1] .


و في السيرة الحلبية عن ابن مسعود: ما رأينا رسول الله صلي الله عليه و آله باكيا أشد من بكائه علي حمزة، وضعه في القبلة، ثم وقف علي جنازته و انتحب حتي نشق - أي شهق حتي بلغ الغشي - يقول: يا عم رسول الله، و أسد الله، و أسد رسول الله، يا حمزة يا فاعل الخيرات، يا حمزة، يا كاشف الكربات، يا ذاب، يا مانع عن وجه رسول الله [2] .

و في تاريخ محمد بن جرير الطبري بسنده عن أشياخ من بني سلمة: انه مر رسول الله صلي الله عليه و سلم بدار من دور الأنصار من بني عبدالأشهل و بني ظفر، فسمع البكاء و النوائح علي قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله صلي الله عليه و سلم فبكي، ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له، فلما رجع سعد بن معاذ و اسيد بن خضير الي دار بني عبدالأشهل أمر نساءهم أن ينخرمن، ثم يذهبن فيبكين علي عم رسول الله صلي الله عليه و سلم [3] .

و ذكر ابن الأثير نحوه في تاريخه [4] .

و أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن نافع بن عمر: أن رسول الله صلي الله عليه و سلم لما رجع من احد فجعلت نساء الأنصار يبكين علي من قتل من أزواجهن فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: و لكن حمزة لا بواكي له.

قال: ثم نام فاستنبه و هن يبكين، قال: فهن اليوم اذا يبكين يندبن [5]


بحمزة [6] انتهي.

و قال ابن عبدالبر في ترجمة حمزة من الاستيعاب ما لفظه: و ذكر الواقدي قال: لم تبك المرأة من الأنصار علي ميت بعد قول رسول الله صلي الله عليه و آله: «لكن حمزة لا بواكي له» الي اليوم الا بدأت علي حمزة، ثم بكت ميتها [7] .

و في أوائل الجزء الثاني من العقد الفريد في البكاء علي الميت ما لفظه:

و لما بكت نساء اهل المدينة علي قتلي احد قال النبي صلي الله عليه و آله: لكن حمزة لا باكية له ذلك اليوم، فسمع ذلك أهل المدينة، فلم يقم لهم مأتم الي اليوم الا ابتدأ فيه البكاء علي حمزة [8] انتهي.

و في السيرة الحلبية: و سمع رسول الله صلي الله عليه و سلم نساء الأنصار يبكين علي أزواجهن و أبنائهن و اخوانهن فقال: حمزة لا بواكي له، و بكي صلي الله عليه و سلم: و لعله لم يكن له بالمدينة زوجة و لا بنت - فأمر سعد بن معاذ نساءه و نساء قومه أن يذهبن الي بيت رسول الله صلي الله عليه و آله يبكين حمزة بين المغرب و العشا و كذلك اسيد بن خضير أمر نساءه و نساء قومه أن يذهبن الي بيت رسول الله صلي الله عليه و سلم يبكن حمزة - الي أن قال -: فلما رجع صلي الله عليه و سلم من المسجد من صلاة المغرب سمع البكاء فقال: ما هذا؟ فقال: نساء الأنصار يبكين حمزة، فقال: رضي الله عنكن و عن أولادكن، و امر أن ترد النساء الي منازلهن - الي أن قال -: و في رواية: فلما ذهب ثلث الليل نادي بلال: الصلاة يا رسول الله، فقام من نومه، و خرج و هن علي باب المسجد يبكين


حمزة فقال لهن: ارجعن رحمكن الله، لقد واسيتن معي، رحم الله الأنصار، فان المواساة فيهم كما علمت قديمة - الي أن قال -: و صارمت الواحدة من نساء الأنصار بعد لا تبكي علي ميتها الا بدأت بالبكاء علي حمزة ثم بكت علي ميتها.

قال: و لعل المراد بالبكاء النوح [9] انتهي.

و قال الواقدي: روي ان صفية لما جاءت - يعني يوم احد - حالت الأنصار بينها و بين رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: دعوها، فجلست عنده، فجعلت اذا بكت يبكي رسول الله صلي الله عليه و آله، و اذا نشجت ينشج رسول الله صلي الله عليه و سلم، و جعلت فاطمة تبكي، فلما بكت بكي رسول الله صلي الله عليه و سلم. [10] .

في القاموس: نشج الباكي نشيجا: غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب [11] .

فعليه المراد بالبكاء هنا النحيب الذي هو البكاء بصوت.

و في السيرة الحلبية قالت - أي صفية -: يا رسول الله، أين ابن امي حمزة؟ قال صلي الله عليه و سلم: هو في الناس.

قالت: لا ارجع حتي انظر اليه، فجعل الزبير يحبسها، فقال صلي الله عليه و سلم: دعها، فلما رأته بكت، و صار كلما بكت بكي صلي الله عليه و سلم. [12] .

و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال - يعني الواقدي -: و كانت


فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله تأتيهم - يعني قتلي احد - بين اليومين و الثلاثة فتبكي عندهم و تدعو. [13] .

و لا شك ان استمرار ذلك منها كما تدل عليه العبارة كان باطلاع رسول الله صلي الله عليه و آله و رضاه و تقريره.

و قد فاتنا أيضا أن نذكر ما ورد من حزن رسول الله صلي الله عليه و آله علي زوجته خديجة و عمه أبي طالب مع موته كافرا - علي زعم الخصم - و قد ماتا في عام واحد، و كانت خديجة ماتت قبله بخمسة و ثلاثين يوما حتي سمي رسول الله صلي الله عليه و آله ذلك العام عام الحزن. [14] .

و قال ابن الأثير: فعظمت المصيبة علي رسول الله صلي الله عليه و آله بهلاكهما [15] .

فدل فعل النبي صلي الله عليه و سلم للبكاء، و تقريره للباكيات علي جوازه و علي جواز رفع الصوت به، كما هو معني البكاء بالمد، و كما يدل عليه حصول الشهيق منه صلي الله عليه و آله.

و نساء الأنصار انما كن يبكين مع الصوت، و لذلك سمع النبي صلي الله عليه و آله بكاء هن و حسبك بقول النبي صلي الله عليه و آله: لكن حمزة لا بواكي له، حثا علي البكاء علي حمزة، و اظهارا للمحبة له لوما علي تركه، فالفعل و القول و التقرير منه صلي الله عليه و آله متظافرة علي جواز البكاء و لو مع الصوت، و رجحانه المؤكد، و استمرار البكاء من النساء في المدينة المنورة اذا


اردن البكاء علي أمواتهن بعد سماعهن قول النبي صلي الله عليه و آله: «لكن حمزة لا بواكي له» في عصر النبي صلي الله عليه و آله و عصر الصحابة و التابعين و تابعي التابعين من غير نهي عنه، و الا لنقل الينا دليل واضح علي ان الجواز و الرجحان لا يختص بالوقت القريب من الوفاة، بل يعم جميع الأزمان و لو كان زمن الموت بعديدا، علي انه اذا كان جائزا و راجحا فلا يتفاوت الحال بين الأزمان لعدم الفارق بينها.

و قال ابن عبدالبر في الاستيعاب في ترجمة حمزة: روي عن رسول الله صلي الله عليه و سلم انه قال: حمزة سيد الشهداء. وروي: خير الشهداء و لو لا ان تجد صفية لتركت دفنه حتي يحشر من بطون الطير و السباع. [16] .

وروي في الاستيعاب ايضا عن كثير بن زيد، عن المطلب بن حنطب انه قال: لم يمثل باحد ما مثل بحمزة، قطعت هند كبده و جدعت انفه، و قطعت اذنيه، و بقرت بطنه، فلما رأي النبي صلي الله عليه و آله ما صنع بحمزة قال: لئن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم [17] الحديث.

و في الاستيعاب أيضا: بسنده عن أبي هريرة قال: وقف رسول الله صلي الله عليه و آله علي حمزة و قد قتل و مثل به، فلم ير منظرا كان اوجع لقلبه منه، فقال: رحمك الله، أي عم فلقد كنت وصولا للرحم، فعولا للخيرات، فوالله لئن أظفرني الله بالقوم لأقتلن سبعين منهم [18] الحديث.

و في أوائل الجزء الثاني من العقد الفريد: و قال النبي صلي الله عليه و سلم:


لولا ان يشق علي صفيه ما دفنته حتي يحشر من حواصل الطير و بطون السباع [19] .

وروي الطبري في تاريخه بسنده عن محمد بن جعفر بن الزبير: ان رسول الله صلي الله عليه و آله حين رأي بحمزة ما راي قال: لولا ان تحزن صفية أو تكون سنة من بعدي لتركته حتي يكون في أجواف السباع، و حواصل الطير. و لئن أظهرني الله علي قريش في موطن من المواطن لا مثلن بثلاثين رجلا منهم، فلما رأي المسلمون حزن رسول الله صلي الله عليه و آله و غيظه علي ما فعل بعمه قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها احد من العرب بأحد قط [20] الحديث.

و ذكر ابن الاثير نحوا من ذلك علي عادته في اتباع الطبري [21] .

و في هذا الكلام من النبي صلي الله عليه و آله ما لا يخفي من استفظاع المصاب و استعظامه، و تهييج الأحزان و الأشجان، و العزم علي تركه بغير دفن لولا خوف أن تحزن اخته صفية، ارادة لاشتداد الحزن، و شدة تفظيع النازلة حتي لا يسلوه، و لا يذهب غيظه عن قاتليه، كما يومي ء اليه قوله صلي الله عليه و آله: لامثلن بثلاثين أو بسبعين، و لعله قال: أولا بثلاثين ثم زاد فقال بسبعين. فيدل علي أن استفظاع المصاب الفظيع و استعظامه، و قول ما يهيج الأحزان و يزيدها غير محظور، و ان كان قد يستشكل في توجيه الحديث؛ لأن دفن الميت واجب، لكن ذلك لا يضر فيما نحن بصدده لو فرضنا أننا لم نعلم وجهه، فنرد علمه الي


أهله و النبي صلي الله عليه و آله أدري بقوله و فعله، و لعل له أن يفعل ذلك اذا اقتضت المصلحة و الله اعلم.

و في رواية ابي هريرة السابقة دلالة علي جواز تأبين الميت و ذكر مناقبه.

و اما والله لو نظر النبي صلي الله عليه و آله الي ما صنع بولده الحسين لكان ذلك المنظر أوجع لقلبه من منظر حمزة كما قال القائل:



لو أن رسول الله يبعث نظرة

لردت الي انسان عين مؤرق



و هان عليه يوم حمزة عمه

بيوم حسين و هو أعظم ما لقي



و نال شجي من زينب لم ينله من

صفية اذ جاءت بدمع مرقرق



فكم بين من للخدر عادت مصونة

و من سيروها في السبايا بحلق




پاورقي

[1] الاستيعاب 325: 1.

[2] السيرة الحلبية 461: 1.

[3] تاريخ الطبري 27: 3.

[4] الکامل في التاريخ: 132: 2.

[5] في هامش الأصل: «لعل صوابه: فهن الي اليوم اذا يبکين يبدأن بحمزة، کما يدل عليه غيره. منه رحمه الله».

[6] مسند أحمد 261: 3.

[7] الاستيعاب - بهامش الاصابة - 275: 1.

[8] العقد الفريد 86: 2.

[9] السيرة الحلبية 462: 1.

[10] شرح نهج‏البلاغة لابن أبي‏الحديد 387: 3.

[11] القاموس المحيط 219: 1.

[12] السيرة الحلبية 463: 1.

[13] شرح نهج‏البلاغة: 396.

[14] السيرة النبوية 108: 1، السيرة الحلبية 459: 1.

[15] الکامل في التاريخ 462: 1.

[16] الاستيعاب 275: 1.

[17] الاستيعاب 279: 1.

[18] الاستيعاب 276: 1.

[19] العقد الفريد 76: 2.

[20] تاريخ الطبري 27: 3.

[21] الکامل في التاريخ 116: 3.