بازگشت

رثاء فاطمة الزهرا


التهاب نيران الاحزان بذكر رثاء فاطمة عليهاالسلام

لابيها سيد الانس و الجان

اقول: اني لما ذكرت رثاء ام البنين رايت ان اذكر ما رثت به فاطمة عليهاالسلام اباها بعد ان نذكر نبذا من حزنها و بكائها.

اعلم انه لما قبض رسول الله صلي الله عليه و آله صارت المدينة ضجة واحدة فلم يكن الا باك و باكية و نادب و نادية، و عظم رزؤه علي اهل بيته الطيبين سيما علي ابن عمه و اخيه اميرالمؤمنين صلوات الله عليه، فنزل به من وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله ما لم يكن يظن الجبال لو حملته كانت تنهض به، و لم يكن في اهل بيته اشد حزنا من سيدتنا المظلومة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، فقد دخل عليها من الحزن ما لم يعلمه الا الله عز و جل، و كان حزنها يتجدد و بكاؤها يشتد فلا يهدا لها انين و لا يسكن منها الحنين، و كل يوم جاء كان بكاؤها اكثر من اليوم الاول.

فقالت ذات يوم: اني اشتهي ان اسمع صوت مؤذن ابي بالاذان، فبلغ ذلك بلالا، و كان امتنع من الاذان بعد النبي صلي الله عليه و آله، فاخذ في الاذان فلما قال «الله اكبر الله اكبر» ذكرت عليهاالسلام اباها و ايامه فلم تتمالك من البكاء فلما بلغ الي قوله «اشهد ان محمدا رسول الله» شهقت فاطمة صلوات الله عليها و سقطت لوجهها و غشي عليها، فقال الناس لبلال: امسك يا بلال فقد فارقت ابنه رسول الله الدنيا، و ظنوا انها قد ماتت، فقطع اذانه و لم يتمه، فافاقت فاطمة عليهاالسلام فسالته ان يتم الاذان فلم يفعل و قال لها: يا سيدة النسوان اني اخشي عليك مما تنزلينه بنفسك اذا سمعت صوتي بالاذان، فاعفته عن ذلك [1] .


قال الراوي: انها ما زالت بعد ابيها معصبة الراس ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشي عليها ساعة بعد ساعة و تقول لولديها: اين ابوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد مرة، اين ابوكما الذي كان اشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان علي الارض، و لا اراه بفتح هذا الباب ابدا و لا يحملكما علي عاتقه كما لم يزل يفعل بكما [2] . فكانت كما اخبر [3] عن يومها ذلك ابوها صلوات الله عليه و آله محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة و تتذكر فراق والدها اخري و تستوحش اذا جنها الليل لفقد صوته الذي كانت تسمع اليه اذا تهجد بالقرآن ثم تري نفسها ذليلة بعد ان كانت في ايام ابيها عزيزة و كانت ترثي اباها و تقول:



اذا اشتد شوقي زرت قبرك باكيا

انوح و اشكو لا اراك مجاوبي



فيا ساكن الصحراء [4] علمتني البكاء

و ذكرك انساني جميع المصائب



فان كنت عني في التراب مغيبا

فما كنت عن قلبي الحزين بغائب [5] .



و لها ايضا في رثاء ابيها صلوات الله عليهما كما في الدر النظيم للشيخ جمال الدين يوسف الشامي:



قل للمغيب تحت اثواب الثري

ان كنت تسمع صرختي و ندائيا



صبت علي مصائب لو انها

صبت علي الايام صرن لياليا



قد كنت ذات حمي بظل محمد

لا اخش من ضمي و كان حما ليا



فاليوم اخضع للذليل و اتقي

ضيمي و ادفع ظالمي بردائيا



فاذا بكت قمرية في ليلها

شجنا علي غصن بكيت صباحيا



فلاجعلن الحزن بعدك مونسي

و لاجعلن الدمع فيك و شاحيا [6] .




و روي الشيخ علي بن محمد الخزاز القمي عن محمود بن لبيد قال: لما قبض رسول الله صلي الله عليه و آله كانت فاطمة عليهاالسلام تاتي قبور الشهداء و تاتي قبر حمزة رضي الله عنه و تبكي هناك، فلما كان في بعض الايام اتيت قبر حمزة فوجدتها تبكي هناك، فامهلتها حتي سكنت فاتيتها و سلمت عليها و قلت: يا سيدة النسوان قد و الله قطعت انياط قلبي، من بكائك. فقالت: يا با عمرو يحق لي البكاء فلقد اصبت بخير الآباء رسول الله صلي الله عليه و آله، و اشوقاه الي رسول الله، ثم انشات تقول:



اذا مات يوما ميت قل ذكره

و ذكر ابي مذ مات و الله اكثر [7] .

و قال المحقق رحمةالله عليه في المعتبر و الشيخ الشهيد «قده» في الذكري [8] : روي انها صلوات الله عليها اخذت قبضة من تراب قبر النبي صلي الله عليه و آله فوضعتها علي عينها و قالت:



ماذا علي المشم تربة احمد

ان لا يشم مدي الزمان غواليا



صبت علي مصائب لو انها

صبت علي الايام صرن لياليا [9] .



اقول: و لقد اجاد البوصيري في قوله في مدح النبي صلي الله عليه و آله:



لا طيب يعدل تربا شم اعظمه

طوبي لمنتشق منه و منتسم



و لقد فعلت سلام الله عليها بتربته الطيبة ما يفعل بالورد و الريحان، فقد روي عن النبي صلي الله عليه و آله قال: اذا اتي احدكم بريحان فليشمه و ليضعه علي


عينيه فانه من الجنة [10] .

و يناسب هاهنا ذكر ما رواه الشسيخ جمال الدين يوسف الشامي تلميذ المحقق قدس الله روحيهما عن هشام بن محمد قال: لما اجري الماء علي قبر الحسين عليه السلام نضب بعد اربعين يوما و امتحي اثر القبر، فجاء اعرابي من بني اسد فجعل ياخذ قبضة قبضة و يشمه حتي وقع علي قبر الحسين عليه السلام، فبكي حين شمه و قال: بابي و امي ما كان اطيبك و اطيب قبرك و تربتك، ثم انشا يقول:



ارادوا ليخففوا قبره عن وليه

و طيب تراب القبر دل علي القبر [11] .



قلت: اني ذكرت في نفس المهموم ان المتوكل امر بكراب قبر الحسين عليه السلام و محوه و اخراب كل ما حوله فكربوه و اجري الماء حوله و وكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل لا يزوره زائر الا اخذوه و وجه به اليه.

قال ابوالفرج: حدثني محمد بن الحسين الاشناني قال: بعد عهدي بالزيارة في تلك الايام خوفا ثم عملت علي المخاطرة بنفسي فيها و ساعدني رجل من العطارين علي ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار و نسير الليل حتي اتينا نواحي الغاضرية و خرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين و قد ناموا حتي اتينا القبر فخفي علينا فجعلنا نتسمه و نتحري حتي اتيناه و قد قلع الصندوق الذي كان حواليه و احرق و اجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن و صار كالخندق، فزرناه و اكببنا عليه فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط من الطيب، فقلت للعطار الذي كان معي: اي رائحة هذه؟ فقال: لا و الله ما شممت مثلها بش ء من العطر، فودعنا و جعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع، فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين و الشيعة حتي صرنا الي القبر فاخرجنا تلك العلامات و اعدناه الي ما كان عليه [12] .


اقول: فما احقه صلوات الله عليه بهذه الفقرة المنيفة في زيارته الشريفة «اشهد لقد طيب الله بك التراب و اوضح بك الكتاب» [13] .


پاورقي

[1] البحار 157 /43، الفقيه 297 /1، طبع مکتبة الصدوق.

[2] روضة الواعظين 150 /1، المناقب 362 /3.

[3] امالي الصدوق 70 المجلس 24.

[4] الغبراء خ ل.

[5] الاشعار في ناسخ التواريخ مجلد فاطمة عليهاالسلام 87.

[6] الدر النظيم مخطوط.

[7] اولها ايضا:



اذا مات يوما ميت قل ذکره

و ذکر ابي مذمات و الله ازيد



تذکرت لما فرق الموت بيننا

فعزيت نفسي بالنبي محمد



فقلت لها ان الممات سبيلنا

و من لم يمت في يومه مات في غد



راجع کفاية الاثر 198 الطبع الحديث.

[8] المعتبر ص 94، الذکري کتاب الصلاة البحث الرابع في النياحة.

[9] و ذکر هذين البيتين العسقلاني في محکي ارشاد الساري «منه».

[10] الوسائل 460 /1، الکافي 524 /6.

[11] الدر النظيم مخطوط.

[12] الاغاني.

[13] البحار 236 /98 نقلا عن مصباح الزائر لابن‏طاووس. مخطوط.