بازگشت

في شجاعته


روي انه كان بين الحسين عليه السلام و بين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعة فتناول الحسين عمامة الوليد عن راسه وشدها في عنقه و هو يومئذ وال علي المدينة و قبض علي حلق مروان، و كان شديد القبضة فعصره و لوي عمامته علي عنقه حتي غشي عليه ثم تركه [1] .

و قيل له عليه السلام يوم الطف: انزل علي حكم بني عمك. قال: لا و الله لا اعطينكم بيدي اعطاء الذليل و لا افر فرار العبيد، ثم نادي: يا عباد الله اني عذت بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب [2] .

و قال عليه السلام: موت في عزخير من حياة في ذل [3] .

و انشا يوم قتل عليه السلام:



الموت خير من ركوب العار

و العار اولي من دخول النار [4] .



و لقد ظهر من شجاعته يوم الطف ما يكثر منه العجب.

قال بعض الرواة: فو الله ما رايت مكثورا قط قد قتل ولده و اهل بيته و اصحابه اربط جاشا منه عليه السلام، و ان كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزي اذا شد فيها الذئب، و لقد كان يحمل فيهم و قد تكملوا ثلاثين الفا فينهزمون بين يديه كانهم الجراد المنتشر، ثم يرجع الي مركزه


و هو يقول: لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم [5] .

اقول: شجاعة الحسين عليه السلام يضرب بها المثل، و مقامه في مواقف الحرب اعجز الاواخر و الاول، و صبره علي كثرة اعدائه و قلة انصاره صبر ابيه في صفين و الجمل. و لا باس بان نشير الي مختصر من شجاعة ابيه و نكتفي بها هاهنا لانه عليه السلام كان اشبه الناس بابيه تحكي شجاعته شجاعته ما تخرم مشيته مشيته.

قال عمر بن سعد لشمر: لا يستسلم و الله حسين ان نفس ابيه لبين جنبيه [6] .

قال صاحب كتاب الدر النظيم في ذكر وقعة الجمل بعد قتل مسلم المجاشعي الذي اخذ القرآن من اميرالمؤمنين عليه السلام و دعا الناس الي ما في القرآن ما هذا لفظه: ثم ان عليا عليه السلام لما راي ان القوم قد حازوه القتال و صمدوا للحرب بعث الي محمد بن الحنفية و كانت الراية بيده ان اقدم يابن خولة و اقتحم علي القوم. قال: نعم، فارسل اليه ثانية: ان اقحم يابن خولة. قال: نعم، و كان بازاء محمد قوم من الرماة فرموه و حادوه، فتاخر محمد و قال لاصحابه: ان القوم قد رموكم فجرحوكم و انهم يبددون نبلهم في رشق آخر ثم احملوا عليهم فبعث علي عليه السلام اليه ثالثة فقال له: يابن خولة اقحم لا ام لك. قال: نعم، فلما ابطا عليه تحول عليه السلام من بغلته الي فرسه و سل سيفه و ركض نحوه فاتاه من خلفه فوضع يده اليسري علي منكبه اليمني ثم رفعه حتي اشاله من سرجه و قال: لا ام لك. قال محمد: و الذي لا اله الا هو ما ذكرت ذلك منه قط الا كاني اجد ريح نفسه، فاخذ الراية من يدي ثم حمل علي القوم و ذلك عند زوال الشمس من يوم الاحد، فانشا و هو يطعنهم:



اطعن بها طعن ابيك تحمد

لا خير في الحرب اذا لم توقد



بالمشرفي و القنا المسدد

و الضرب بالخطي و المهند




ثم حمل عليهم حتي توسطهم وغاص فيهم، فاقتتل الناس قتالا شديدا، ثم خرج من ناحية القوم و قد انحني سيفه فاقامه بركبته، و اجتمع حوله اصحابه فقالوا: نحن نكفيك يا اميرالمؤمنين، فما يجيب احدا منا و انه لطامح ببصره نحوهم، ثم حمل الثانية حتي توسطهم وغاب فيهم، فسمعنا له تكبيرة بعد حين و له همهمة كزئير الاسد [7] .

قلت: و كان: لشيخ حسين بن شهاب الدين اشار الي هذا المقام بقوله في اميرالمؤمنين عليه السلام:



فخاض اميرالمؤمنين بسيفه

لظاها و املاك السماء له جند



و صاح عليهم صيحة هاشمية

تكاد لها شم الشوامخ تنهد



غمام من الاعناق تهطل بالدما

و من سيفه برق و من صوته رعد



وصي رسول الله وارث علمه

و من كان في خم له الحل و العقد



ثم تكشف الناس عنه و انقشعوا حوله، فوصلنا اليه و انه لواقف قد ازبد كالجمل الهائج و الاسد الحامي و قد رفعت الرؤوس و السواعد و الجيف حوله اعكاما فقلنا: يا اميرالمؤمنين نحن نكفيك. فقال: والله ما اريد مما ترون الا وجه الله و الدار الآخرة. ثم انصرف و اعطي محمدا الراية و قال: هكذا فاصنع يابن خولة [8] .

اقول: و ان شئت ازيد من هذا فانظر الي ما ظهر من شجاعته عليه السلام في صفين سيما في ليلة الهرير.

قال الراوي: ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات و الارض اصاب بيده في يوم واحد ما اصاب، انه قتل فيما ذكر العادون زيادة علي خمسمائة من اعلام العرب يخرج بسيفه نحنيا فيقول: معذرة الي الله و اليكم من هذا لقد هممت ان افلقه و لكن يحجزني عنه اني سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: لا سيف الا ذوالفقار لا فتي الا علي و انا اقاتل به دونه. قال: فكنا ناخذه


و نقومه ثم يتناوله من ايدينا فيتقحم (فيقحم خ ل) به عرض الصف، فلا و الله ما ليث باشد نكاية منه عليه السلام في عدوه [9] .



و قيل في وصف ليلة الهرير: فما لقي عليه السلام شجاعا الا اراق دمه، و لا بطلا الا زلزل قدمه، و لا مريدا الا اعدمه، ولا قاسطا الا قصر عمره واطال ندمه، و لا جمع نفاق الا فرقه، و لا بني ضلال الا هدمه، و كان كلما قتل فارسا اعلن بالتكبير، فاحصيت تكبيراته ليلة الهرير فكانت خمسمائة و ثلاثا و عشرين تكبيرة بخمسمائة و ثلاثة و عشرين قتيلا من اصحاب السعير [10] . و قيل: انه في تلك الليلة فتق ينفق درعه لثقل ما كان يسيل من الدم علي ذراعه [11] .

و قيل: ان قتلاه عرفوا في النهار بان ضرباته كانت علي و تيرة واحدة، ان ضرب طولا قد او عرضا قط، و كانت كانها مكواة بالنار [12] .

و روي في غزوة حنين- و هي غزوة فر فيها الاصحاب و ثبت علي عليه السلام في نفر من بني هاشم- انه ضرب عليه السلام يومئذ اربعين مبارزا كلهم يقدد حتي انفه و ذكره، و كانت ضرباته مبتكرة، اي بكرا يقتل بواحدة منها لا يحتاج ان يعيد الضربة ثانيا.


و في خيبر ضرب مرحب الكافر علي راسه فقطع العمامة و الخوذة و الراس و الحلق و ما عليه من الجوشن من قدام و خلف الي ان قده بنصفين، ثم حمل علي سبعين فارسا فبددهم و تحير الفريقان من فعله.

و في احد قطع صواب- و هو رجل مشهور بالشجاعة بنصفين و بقيت رجلاه و عجزه و فخذاه قائمة علي الارض ينظر اليه المسلمون و يضحكون منه.

قال السيد الحميري في محاربته عليه السلام:



كان اذا الحرب مزقها القنا

و احجمت عنها البهاليل [13] .



يمشي الي القرن و في كفه

بيض ماضي الحد مصقول



مشي العفرنا بين اشباله

ابرزه للقنص الغيل



قلت: اني اذا اقرا هذا الشعر للسيد اتذكر ما رواه نصر بن مزاحم في صفين عن زيد بن وهب قال: لقد مر علي عليه السلام يومئذ و معه بنوه نحو الميسرة و معه ربيعة وحدها و اني لاري النبل يمر من بين عاتقه و منكبه و ما من بنيه الا يقيه بنفسه فكره علي عليه السلام ذلك فيتقدم عليه و يحول بينه و بين اهل الشام و ياخذه بيده اذا فعل ذلك فيلقيه من ورائه، و بصر به احمر مولي بني امية و كان شجاعا فقال: قتلني الله ان لم اقتلك. فاقبل نحوه، فخرج اليه كيسان مولي علي عليه السلام فاختلفا ضربتين فقتله احمر، و خالط عليا ليضربه بالسيف فمد يده عليه السلام الي جيب درعه فجذبه عن فرسه و حمله علي عاتقه، و الله لكاني انظر الي رجلي احمر يختلفان علي عنق علي، ثم ضرب به الارض فكسر به منكبه و عضديه و شد ابنا علي حسين و محمد فضرباه باسيافهما حتي برد، فكاني انظر الي علي عليه السلام قائما و شبلاه يضربان الرجل حتي اذ اتيا عليه [14] اقبلا علي ابيهما. انتهي [15] .


و يعجبني ان تختم هذا الفصل بابيات من الهائية الازرية، قال و لله دره:



ظهرت منه في الوري سطوات

ما اتي القوم كلهم ما اتاها



يوم غصت بجيش عمرو بن ود

لهوات افلا و ضاق فضاها



و تخطي الي المدينة فردا

لا يهاب العدي و لا يخشاها



فدعاهم و هم الوف و لكن

ينظرون الذي يشب لظاها



اين انتم من قسور عامري

تتقي الاسد باسه في شراها



اين من نفسه تتوق الي الجنا

ت او يورد الجحيم عداها



فابتدي المصطفي يحدث عما

يوجر الصابرون في اخراها



قائلا ان للجليل جنانا

ليس غير المجاهدين يراها



من لعمرو و قد ضمنت علي الله

له من جنانه اعلاها



فالتووا عن جوابه كسوام

لا تراها مجيبة من دعاها



و اذا هم بفارس قرشي

ترجف الارض خيفة ان يطاها



قائلا مالها سواي كفيل

هذه ذمة علي وفاها



و مشي يطلب البراز كما تمشي

خماص الحشي الي مرعاها



فانتضي مشرفية فتلقي

ساق عمرو بضربة فبراها



و الي الحشر رنة السيف منه

يملا الخافقين رجع صداها



يا لها ضربة حوت مكرمات

لم يزن ثقل اجرها ثقلاها



هذه من علاه احدي المعالي

و علي هذه فقس ما سواها




پاورقي

[1] المناقب 68 /4 مع اختلاف فراجع.

[2] المناقب 68 /4.

[3] المناقب 68 /4.

[4] المناقب 86 /4.

[5] البحار 50 /45 و راجع اللهوف 105، تاريخ الطبري 364 /7.

[6] تاريخ الطبري 317 /7.

[7] الدر النظيم مخطوط.

[8] الدر النظيم مخطوط.

[9] وقعة صفين: 477 طبع مصر.

و لقد اجاد الشيخ الازري الشيخ جابر في قولهما في مدحه عليه‏السلام:



ذو سنان و صارم يوم معضل

ذا يخيط الکلي و هذا يفصل



فالي رمحه انتمت نهشة الصل

و اذا ما انتهت قبائل حي ال



موت کانت اسيافه اياها

اسد ان راي الهياج تبختر



و اذا الرعب لجلج الاسد زمجر



و ذراها ذرو الهيشم بصرصر

من تري مثله اذا صرت الحر



ب و دارت علي الکماة رحاها

راجع تخميس الازرية 38 طبع النجف.

[10] کشف الغمة 346 /1.

[11] کشف الغمة 346 /1.

[12] کشف الغمة 346 /1.

[13] بهلول السيد الجامع لکل خير «منه».

[14] اتي عليه الدهر.

[15] وقعة صفين 249 طبع مصر.