بازگشت

ذكر قتل المختار قتلة الحسين


و في هذه السنة (اي سنة ست و ستين) وثب المختار بمن بالكوفة من قتلة الحسين عليه السلام، و كان سبب ذلك ان مروان بن الحكم لما استوسق له الشام بعث جيشين احدهما الي الحجاز عليه حبيش بن دلجة القيني و الجيش الآخر الي العراق مع عبيد الله بن زياد و قد ذكرنا ما كان من امره و امر التوابين، و كان قد جعل لابن زياد ما غلب عليه و امره ان ينهب الكوفة ثلاثا، فاحتبس بالجزيرة و بها قيس عيلان مع زفر بن الحارث علي طاعة ابن الزبير، فلم يزل عبيد الله بن زياد مشتغلا بهم عن العراق نحو سنة.

فتوفي مروان و ولي بعده ابنه عبدالملك بن مروان فاقر ابن زياد علي ما كان ابوه ولاه و امره بالجد في امره.

فلما لم يمكنه في زفر و من معه من قيس شي ء اقبل الي الموصل، فكتب عبدالرحمن بن سعيد عامل المختار الي المختار يخبره بدخول ابن زياد ارض الموصل و انه قد تنحي له عن الموصل الي تكريت، فدعا المختار يزيد بن انس الاسدي امره ان يسير الي الموصل فينزل باداني ارضها حتي يمده بالجنود. فقال له يزيد: خلني انتخب ثلاثة آلاف فارس و خلني مما توجهني اليه، فان احتجت كتبت اليك استمدك، فاجابه المختار فانتخب له ثلاثة آلاف و سار عن الكوفة و سار معه المختار و الناس يشيعونه، فلما ودعه قال له: اذا لقيت عدوك فلا تناظرهم، و اذا مكنتك الفرصة فلا تؤخرها، و ليكن خبرك كل يوم عندي، و ان احتجت الي مدد فاكتب الي مع اني ممدك و ان لم تستمد لانه اشد لعضدك و ارعب لعدوك. و دعا له الناس بالسلامة و دعا لهم فقال لهم: سلوا الله لي الشهادة فو الله لئن فاتني النصر لا تفوتني الشهادة.

فكتب المختار الي عبدالرحمن بن سعيد: ان خل بين يزيد و بين البلاد. فسار يزيد الي المدائن ثم سار الي ارض جوخي و الراذانات الي ارض الموصل


فنزل بباقلي [1] ، و بلغ خبره ابن زياد فقال: لابعثن الي كل الف الفين. فارسل ربيعة ابن مخارق الغنوي في ثلاثة آلاف و عبدالله بن جملة الخثعمي في ثلاثة آلاف فسار ربيعة قبل عبدالله بيوم فنزل بيزيد بن انس بباقلي، فخرج يزيد بن انس و هو مريض شديد المرض راكب علي حمار يمسكه الرجال، فوقف علي اصحابه و عباهم وحثهم علي القتال و قال: ان هلكت فاميركم و رقاء بن العازب الاسدي فان هلك فاميركم عبدالله بن ضمرة العذري فان هلك فاميركم سعر بن ابي سعر الحنفي، و جعل علي ميمنته عبدالله و علي ميسرته سعرا و علي الخيل و رقاء، و نزل هو فوضع بين الرجال علي سرير و قال: قاتلوا عن اميركم ان شئتم او فروا عنه و هو يامر الناس بما يفعلون ثم يغمي عليه ثم يفيق.

و اقتتل الناس فلق الصبح يوم عرفة، و اشتد قتالهم الي ارتفاع الضحي، فانهزم اهل الشام و اخذ عسكرهم و انتهي اصحاب يزيد الي ربيعة و قد انهزم عنه اصحابه و هو نازل ينادي: يا اولياء الحق انا ابن مخارق انما تقاتلون العبيد الاباق و من ترك الاسلام و خرج منه. فاجتمع اليه جماعة فقاتلوا معه فاشتد القتال ثم انهزم اهل الشام و قتل ربيعة بن مخارق، قتله عبدالله بن ورقاء الاسدي و عبدالله بن ضمرة العذري، فلم يسر المنهزمون غير ساعة حتي لقيهم عبدالله بن جملة في ثلاثة آلاف فرد معه المنهزمين.

و نزل يزيد بباقلي فباتوا ليلتهم يتحارسون، فلما اصبحوا يوم الاضحي خرجوا الي القتال فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم نزلوا فصلوا الظهر ثم عادوا الي القتال، فانهزم اهل الشام و ترك ابن جملة في جماعة فقاتل قتالا شديدا فحمل عليه عبدالله ابن قراد الخثعمي فقتله و حوي اهل الكوفة عسكرهم و قتلوا فيهم قتالا ذريعا و اسروا منهم ثلاثمائة اسير، و امر يزيد بن انس بقتلهم و هو بآخر رمق، فقتلوا ثم مات آخر النهار فدفنه اصحابه فسقط في ايديهم.

و كان قد استخلف ورقاء بن عازب الاسدي فصلي عليه ثم قال لاصحابه:


ماذا ترون؟ انه قد بلغني ان ابن زياد قد اقبل اليكم في ثمانين الفا و انما انا رجل منكم فاشيروا علي فاني لا اري لنا باهل الشام طاقة علي هذه الحال و قد هلك يزيد و تفرق عنا بعض من معنا، فلو انصرفنا اليوم من تلقاء انفسنا لقالوا انما رجعنا عنهم لموت اميرنا و لم يزالوا لنا هائبين، و ان لقيناهم اليوم كنا مخاطرين فان هزمونا اليوم لم تنفعنا هزيمتنا اياهم بالامس. فقالوا: نعم ما رايت فانصرفوا.

فبلغ ذلك المختار و اهل الكوفة، فارجف الناس بالمختار و قالوا: ان يزيد قتل و لم يصدقوا انه مات. فدعا المختار ابراهيم بن الاشتر و امره علي سبعة آلاف و قال: سر فاذا لقيت جيش يزيد بن انس فانت الامير عليهم فاوردهم معك حتي تلقي ابن زياد و اصحابه فتناجزهم. فعسكر ابراهيم بحمام اعين و سار، فلما سار اجتمع اشراف الكوفة عند شبث بن ربعي و قالوا: و الله ان المختار تامر علينا بغير رضا منا و لقد آذي بموالينا فحملهم علي الدواب و اعطاهم فيئنا. و كان شبث شيخهم و كان جاهليا اسلاميا، فقال شبث: دعوني حتي القاه.

فذهب اليه فلم يدع شيئا انكروه الا ذكره له، فاخذ لا يذكر له خصلة الا قال له المختار: انا ارضيهم في هذه الخصلة و آتي لهم كل ما احبوا، و ذكر له الموالي و مشاركتهم في الفي ء فقال له: ان انا تركت مواليكم و جعلت فيئكم لكم تقاتلون مع [2] بني امية و ابن الزبير و تعطون [3] علي الوفاء عهد الله و ميثاقه و ما اطمئن اليه من الايمان؟ فقال شبث: حتي اخرج الي اصحابي فاذكر لهم ذلك، فخرج اليهم فلم يرجع اليه و اجمع رايهم علي قتاله.

فاجتمع شبث بن ربعي و محمد بن الاشعث و عبدالرحمن بن سعيد بن قيس و شمر حتي دخلوا علي كعب بن ابي كعب الخثعمي، فكلموه في ذلك فاجابهم اليه، فخرجوا من عنده حتي دخلوا علي عبدالرحمن بن مخنف الازدي فدعوه الي ذلك، فقال لهم: ان اطعتموني لم تخرجوا. فقالوا له: لم؟ فقال: اخاف ان


تتفرقوا و تختلفوا و مع الرجل شجعانكم و فرسانكم مثل فلان و فلان ثم معه عبيدكم و مواليكم و كلمة هؤلاء واحدة، و مواليكم اشد حنقا عليكم من عدوكم، فهم مقاتلوكم بشجاعة العرب و عداوة العجم، و ان انتظرتموه قليلا كفيتموه بقدوم اهل الشام و مجي ء [4] اهل البصرة فيكفونه بغيركم و لم تجعلوا باسكم بينكم. فقالوا: ننشدك الله ان تخالفنا و تفسد علينا آراءنا و ما اجمعنا عليه. فقال: انما انا رجل منكم فاذا شئتم فاخرجوا.

فوثبوا بالمختار بعد مسير ابراهيم بن الاشتر و خرجوا بالجبانين كل رئيس بجبانة، فلما بلغ المختار خروجهم ارسل قاصدا مجبدا الي ابراهيم بن الاشتر فلحقه و هو بساباط، فامره بالرجوع و السرعة، و بعث المختار اليهم في ذلك: اخبروني ماذا تريدون فاني صانع كل ما احببتم. قالوا: نريد ان تعتزلنا فانك عزمت ان ابن الحنفية يبعثك و لم يبعثك. قال: فارسلوا اليه و فدا من قبلكم و ارسل انا اليه وفدا ثم انظروا في ذلك حتي يظهر لكم، و هو يريد ان يريثهم بهذه المقالة حتي يقدم عليه ابراهيم بن الاشتر، وامر اصحابه فكفوا ايديهم و قد اخذ عليهم اهل الكوفة بافواه السكك فلا يصل اليهم شي ء الا قليل. و خرج عبدالله بن سبيع في الميدان فقاتله بنو شاكر قتالا شديدا، فجاء عقبة بن طارق الجشمي فقاتل معه ساعة حتي ردهم عنه، ثم اقبل فنزل عقبة مع شمر و مع قيس عيلان في جبانة سلول، و نزل عبدالله بن سبيع مع اهل اليمن في جبانة السبيع.

و لما سار رسول المختار وصل الي ابن الاشتر عشية يومه، فرجع ابن الاشتر بقية عشية تلك الليلة ثم نزل حتي امسي و اراحوا دوابهم قليلا، ثم سار ليلته كلها و من الغد فوصل العصر و بات ليلته في المسجد و معه من اصحابه اهل القوة، و لما اجتمع اهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلاة فكره كل راس من اهل اليمن ان يتقدمه صاحبه، فقال لهم عبدالرحمن بن مخنف: هذا اول الاختلاف قدموا الرضي فيكم سيد القراء رفاعة بن شداد البجلي، ففعلوا فلم يزل يصلي بهم حتي كانت الوقعة.


ثم ان المختار عبا اصحابه في السوق و ليس فيه بنيان، فامر ابن الاشتر فسار الي مضر و عليهم شبث بن ربعي و محمد بن عمير بن عطارد و هم بالكناسة و خشي ان يرسله الي اهل اليمن فلا يبالغ في قتال قومه.

و سار المختار نحو اهل اليمن بجبانة السبيع و وقف عند دار عمرو بن سعيد و سرح بين يديه احمر بن شميط البجلي و عبدالله بن كامل الشاكري، و امر كلا منهما بلزوم طريق ذكره له يخرج الي جبانة السبيع، و اسر اليهما ان شباما قد ارسلوا اليه يخبرونه انهم ياتون القوم من ورائهم، فمضيا كما امرهما.

فبلغ اهل اليمن مسيرهما فافترقوا اليهما و اقتتلوا اشد قتال رآه الناس، ثم انهزم اصحاب احمر بن شميط و اصحاب ابن كامل، و وصلوا الي المختار فقال: ما وراؤكم؟ قالوا: هزمنا و قد نزل احمر بن شميط و معه ناس من اصحابه، و قال اصحاب ابن كامل: ما ندري ما فعل ابن كامل.

فاقبل بهم المختار نحو القوم حتي بلغ دار ابي عبدالله الجدلي، فوقف ثم ارسل عبدالله بن قراد الخثعمي في اربعمائة الي ابن كامل و قال له: ان كان قد هلك فانت مكانه و قاتل القوم و ان كان حيا فانزل عنده ثلاثمائة من اصحابك و امض في مائة حتي تاتي جبانة السبيع فتاتي اهلها من ناحية حمام قطن.

فمضي فوجد ابن كامل يقاتلهم في جماعة من اصحابه قد صبروا معه، فترك عنده ثلاثمائة رجل و سار في مائة حتي اتي مسجد عبدالقيس و قال لاصحابه: اني احب ان يظهر المختار و اكره ان تهلك اشراف عشيرتي اليوم، و الله لان اموت احب الي من ان يهلكوا علي يدي، و لكن قفوا فقد سمعت ان شباما ياتونهم من ورائهم فلعلهم يفعلون ذلك و نعافي نحن منه. فاجابوه [5] الي ذلك فبات عند مسجد عبدالقيس.

و بعث المختار مالك بن عمرو النهدي و كان شجاعا و عبدالله بن شريك


النهدي في اربعمائة الي احمر بن شميط، فانتهوا اليه و قد علاه القوم و كثروه فاشتد قتالهم عند ذلك.

و اما ابن الاشتر فانه مضي الي مضر فلقي شبث بن ربعي و من معه، فقال لهم ابراهيم: ويحكم انصرفوا فما احب ان يصاب من مضر علي يدي. فابوا و قاتلوه فهزمهم، و خرج حسان بن قائد العبسي فحمل الي اهله فمات فكان مع شبث، و جاءت البشارة الي المختار بهزيمة مضر فارسل الي احمر بن شميط و ابن كامل يبشرهما فاشتد امرهما.

فاجتمع شبام وقد راسوا عليهم ابا القلوص لياتوا اليمن من ورائهم، فقال بعضهم لبعض: لو جعلتم جدكم علي مضر و ربيعة لكان اصوب، و ابو القلوص ساكت فقالوا: ما تقول؟ قال: قال الله تعالي (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) [6] فساروا معه نحو اهل اليمن، فلما خرجوا الي جبانة السبيع لقيهم علي فم السكة الاعسر الشاكري فقتلوه، فنادوا في الجبانة و قد دخلوها: يا لثارات الحسين. فسمعها يزيد بن عمير بن ذي مران الهمداني قال: يا لثارات عثمان. فقال لهم رفاعة بن شداد: ما لنا و لعثمان لا اقاتل مع قوم يبغون دم عثمان. فقال له ناس من قومه: جئت بنا و اطعناك حتي اذا راينا قومنا تاخذهم السيوف قلت انصرفوا و دعوهم، فعطف عليهم و هو يقول:



انا ابن شداد علي دين علي

لست لعثمان بن اروي بولي



لاصلين اليوم فيمن يصطلي

بحر نار الحرب غير موتلي



فقاتل حتي قتل.

و كان رفاعة مع المختار، فلما راي كذبه اراد قتله غيلة. قال: فمنعني قول النبي صلي الله عليه وآله: من ائتمنه رجل علي دمه فقتله فانا منه بري ء.

فلما كان هذا اليوم قاتل مع اهل الكوفة، فلما سمع يزيد بن عمير يقول: يا لثارات عثمان عاد عنهم فقاتل مع المختار حتي قتل. و قتل يزيد بن عمير ابن ذي


مران و النعمان بن الصهبان الجرمي و كان ناسكا، و قتل الفرات بن زحر ابن قيس و جرح ابوزحر، و قتل عبدالله بن سعيد بن قيس، و قتل عمر بن مخنف و قاتل عبدالرحمن بن مخنف حتي جرح و حملته الرجال علي ايديهم و لا يشعر و قاتل حوله رجال من الازد و انهزم اهل اليمن هزيمة قبيحة، و اخذ من دور الوادعيين خمسمائة اسير فاتي بهم المختار مكتفين، فامر المختار باحضارهم و عرضهم عليه و قال: انظروا من شهد منهم قتل الحسين عليه السلام فاعلموني. فقتل كل من شهد منهم قتل الحسين عليه السلام، فقتل منهم مائتين و ثمانية و اربعين قتيلا و اخذ اصحابه يقتلون كل من كان يؤذيهم.

فلما سمع المختار بذلك امر باطلاق كل من بقي من الاساري و اخذ عليهم المواثيق ان لا يجامعوا عليه عدوا و لا يبغوه و اصحابه غائلة، و نادي منادي المختار: من اغلق بابه فهو آمن الا من شرك في دماء آل محمد صلي الله عليه و آله.

و كان عمرو بن الحجاج الزبيدي ممن شهد قتل الحسين عليه السلام، فركب راحلته و اخذ طريق واقصة، فلم ير له خبر حتي الساعة. و قيل ادركه اصحاب المختار و قد سقط من شدة العطش فذبحوه و اخذوا راسه.

و لما قتل فرات بن زحر بن قيس ارسلت عائشة بنت خليفة بن عبدالله الجعفية و كانت امراة الحسين عليه السلام الي المختار تساله ان ياذن لها في دفنه ففعل فدفنته.

و بعث المختار غلاما له يدعي زربي في طلب شمر بن ذي الجوشن و معه اصحابه، فلما دنوا منه قال شمر لاصحابه: تباعدوا عني لعله يطمع في، فتباعدوا عنه فطمع زربي فيه ثم حمل عليه شمر فقتله. و سار شمر حتي نزل. مساء سدما ثم سار حتي نزل قرية يقال لها الكلتانية علي شاطي ء نهر الي جانب تل، ثم ارسل الي اهل تلك القرية فاخذ منها علجا فضربه. و قال: امض بكتابي هذا الي مصعب بن الزبير. فمضي العلج حتي دخل القرية و فيها ابوعمرة صاحب المختار و كان قد ارسله المختار الي تلك القرية ليكون مسلحة بينه و بين اهل البصرة، فلقي ذلك العلج علجا آخر من تلك القرية فشكا اليه ما لقي من شمر-


فبينا هو يكلمه اذ مر به رجل من اصحاب ابي عمرة اسمه عبدالرحمن بن ابي الكنود،فراي الكتاب و عنوانه: لمصعب بن الزبير من شمر، فقال للعلج: اين هو؟ فاخبره فاذا ليس بينه و بينهم الا ثلاثة فراسخ. قال: فاقبلوا يسيرون اليه و كان قد قال لشمر اصحابه: لو ارتحلت بنا من هذه القرية فانا لنتخوف منها. فقال: كل هذا فزعا من الكذاب، و الله لا اتحول منها ثلاثة ايام ملا الله قلوبهم رعبا فانهم لنيام، اذ سمع وقع الحوافر فقالوا في انفسهم: هذا صوت الدبا. ثم اشتد فذهب اصحابه ليقوموا فاذا بالخيل قد اشرفت من التل، فكبروا و احاطوا بالابيات، فولي اصحابه هاربين و تركوا خيولهم، و قام شمر و قد اتزر ببرد و كان ابرص فظهر بياض برصه من فوق البرد و هو يطاعنهم بالرمح و قد عجلوه عن لبس ثيابه و سلاحه، كان اصحابه قد فارقوه، فلما ابعدوا عنه سمعوا التكبير و قائلا يقول: قتل الخبيث قتله ابن ابي الكنود، و هو الذي راي الكتاب مع العلج و القيت جثته للكلاب.

و قال سمعته بعد ان قاتلنا بالرمح ثم القاه فاخذ السيف فقاتلنا به و هو يرتجز:



نبهتم ليث عرين باسلا

جهما محياه يدق الكاهلا



لم ير يوما عن عدونا كلا

الا كذا مقاتلا او قاتلا



ينزحهم ضربا و يروي العاملا

و اقبل المختار الي القصر من جبانة السبيع و معه سراقة بن مرداس البارقي اسيرا فناداه:



امنن علي اليوم يا خير معد

و خير من حل بتجر [7] و الجند



و خير من لبي و حيا و سجد

فارسله المختار الي السجن ثم احضره من الغد فاقبل اليه و هو يقول:



الا ابلغ ابااسحاق انا

نزونا نزوة كانت علينا



خرجنا لا نري الضعفاء شيئا

و كان خروجنا بطرا وحينا






لقينا منهم ضربا طلحفا

و طعنا صائبا حتي انثنينا



نصرت علي عدوك كل يوم

بكل كتيبة تنعي حسينا



كنصر محمد في يوم بدر

و يوم الشعب اذ لاقي حنينا



فاسجح اذ ملكت فلو ملكنا

لجرنا في الحكومة و اعتدينا



تقبل توبة مني فاني

ساشكر اذ جعلت النقد دينا



قال: فلما انتهي الي المختار قال: اصلح الله الامير احلف بالله الذي لا اله الا هو لقد رايت الملائكة تقاتل معك علي الخيول البلق بين السماء و الارض. فقال المختار: اصعد المنبر فاعلم الناس. فصعد المنبر فاخبرهم بذلك ثم نزل فخلا به فقال له: اني قد علمت انك لم تر شيئا و انما اردت ما قد عرفت ان لا اقتلك، فاذهب عني حيث شئت لا تفسد علي اصحابي. فخرج الي البصرة فنزل عند مصعب و قال:



الا ابلغ ابااسحاق اني

رايت البلق دهما مصمتات



كفرت بوحيكم و جعلت نذرا

علي قتالكم حتي الممات



اري عيني ما لم تبصراه

كلاما عالم بالترهات



و قتل يومئذ عبدالرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني و ادعي قتله سعر بن ابي سعر و ابوالزبير الشبامي- و شبام من همدان- و رجل آخر، فقال ابن عبدالرحمن لابي الزبير الشبامي: اتقتل ابي عبدالرحمن سيد قومك؟ فقال (لا تجد قوما يومنون بالله و اليوم الاخر يوادون من حاد الله و رسوله) الآية [8] .

و انجلت الوقعة عن سبعمائة و ثمانين قتيلا من قومه، و كان اكثر القتل ذلك اليوم في اهل اليمن، و كانت الوقعة لست ليال بقين من ذي الحجة سنة ست و ستين.

و خرج اشراف الناس فلحقوا بالبصرة، و تجرد المختار لقتله الحسين عليه السلام و قال: ما من ديننا ان نترك قتلة الحسين احياء بئس ناصر آل محمد صلي الله


عليه وآله، انا اذا في الدنيا، انا اذا الكذاب كما سموني، و اني استعين بالله عليهم فسموهم لي ثم اتبعوهم حتي تقتلوهم، فاني لا يسوغ لي الطعام و الشراب حتي اطهر الارض منهم.

فدل علي عبدالله بن اسيد الجهني و مالك بن بشير البدي و حمل بن مالك المحاربي، فبعث اليهم المختار فاحضرهم من القادسيه، فلما رآهم قال: يا اعداء الله و رسوله اين الحسين بن علي عليه السلام ادوا الي الحسين قتلتم من امرتم بالصلاة عليهم. فقالوا: رحمك الله بعثنا كارهين فامنن علينا و استبقنا. فقال لهم: هلا مننتم علي الحسين ابن بنت نبيكم فاستبقيتموه و سقيتموه؟ و كان البدي صاحب برنسيه، فامر بقطع يديه و رجليه و ترك يضطرب حتي مات، و قتل الآخرين.

و امر بزياد بن مالك الضبعي و بعمران بن خالد القشيري و بعبدالرحمن بن ابي خشارة [9] البجلي و بعبدالله بن قيس الخولاني فاحضروا عنده، فلما رآهم قال: يا قتلة الصالحين و قتلة سيد شباب اهل الجنة قد اقاد الله منكم اليوم، لقد جاءكم الورس في يوم نحس، و كانوا نهبوا من الورس الذي كان مع الحسين عليه السلام ثم امر بهم فقتلوا.

و احضروا عنده عبدالله و عبدالرحمن ابني صلخت و عبدالله بن وهب بن عمرو الهمداني و هو ابن عم اعشي همدان فامر بقتلهم فقتلوا.

و احضر عنده عثمان بن خالد بن اسيد الدهماني الجهني و ابواسماء بن بشر ابن شميط القانصي و كانا قد اشتركا في قتل عبدالرحمن بن عقيل و في سلبه فضرب اعناقهما و احرقا بالنار.

ثم ارسل الي خولي بن يزيد الاصبحي و هو صاحب راس الحسين فاختفي في مخرجه، فدخل اصحاب المختار يفتشون عليه، فخرجت امراته و اسمها العيوف بنت مالك فكانت تعاديه منذ جاء براس الحسين عليه السلام، فقالت لهم: ما تريدون؟ فقالوا لها: اين زوجك؟ قالت: لا ادري و اشارت بيدها الي المخرج،


فدخلوا فوجدوه و علي راسه قوصرة، فاخرجوه و قتلوه الي جانب اهله و احرقوه بالنار. لعنه الله تعالي [10] .


پاورقي

[1] في المصدر: بباتلي بالتاء.

[2] في المصدر: معي.

[3] في المصدر: تعطوني.

[4] في المصدر: او مجي‏ء.

[5] في المصدر: فاجابه.

[6] سورة التوبة: 123.

[7] في المصدر: بشحر.

[8] سورة المجادلة: 22.

[9] في المصدر: ابي‏خشکارة.

[10] الکامل لابن الاثير 240 -228 /4.