بازگشت

ذكر مسير التوابين و قتلهم


في هذه السنة اي سنة ست و ستين رابع عشر ربيع الاول، وثب المختار بالكوفة و اخرج عنها عبدالله بن مطيع عامل عبدالله بن الزبير. و سبب ذلك ان سليمان بن صرد لما قتل قدم من بقي من اصحابه الكوفة، فلما قدموا وجدوا المختار محبوسا حبسه عبدالله بن يزيد الحطمي و ابراهيم بن محمد بن طلحة، قد تقدم ذلك ذلك. فكتب اليهم من الحبس يثني عليهم يمنيهم الظفر يعرفهم انه هو الذي امره محمد بن علي المعروف بابن الحنفية بطلب الثار، فقرا كتابه رفاعة ابن شداد و المثني بن مخربة العبدي و سعد بن حذيفة بن اليمان و يزيد بن انس و احمر بن شميط الاحمري و عبدالله بن شداد البجلي و عبدالله بن كامل، فلما قراوا كتابه بعثوا اليه ابن كامل يقولون له: اننا بحيث يسرك، فان شئت انا ناتيك و نخرجك من الحبس فعلنا. فاتاه فاخبره فسر بذلك و قال لهم: اني اخرج في ايامي هذه.

و كان المختار قد ارسل الي ابن عمر يقول له: انني قد حبست مظلوما، و يطلب اليه ان يشفع فيه الي عبدالله بن يزيد و ابراهيم بن محمد بن طلحة. فكتب اليهما ابن عمر في امره فشفعاه و اخرجاه من السجن و ضمناه و حلفاه انه لا يبغيهما غائلة و لا يخرج عليهما ما كان لهما سلطان، فان فعل فعليه الف بدنة ينحرها عند الكعبة و مماليكه احرار ذكرهم و انثاهم.

فلما خرج نزل بداره فقال من يثق به: قاتلهم الله ما احمقهم حين يرون اني افي لهم، اما حلفي بالله فانني اذا حلفت علي يمين فرايت خيرا منها ان اكفر عن يميني و خروجي عليهم خير من كفي عنهم، و اما هدي البدن و عتق المماليك فهو اهون علي من بصقة، فوددت ان ثم لي امري و لا املك بعده مملوكا ابدا.

ثم اختلفت اليه الشيعة و اتفقوا علي الرضا به، و لم يزل اصحابه يكثرون و امره يقوي حتي عزل ابن الزبير عبدالله بن يزيد الحطمي و ابراهيم بن محمد بن طلحة و استعمل عبدالله بن مطيع علي عملهما بالكوفة، فلقيه بحير بن رستان


الحميري عند مسيره الي الكوفة فقال له: لا تسر الليلة فان القمر بالناطح فلا تسر. فقال له: و هل نطلاب الا النطح. فلقي نطحا كما يريد فكان البلاء موكلا بمنطقه و كان شجاعا.

و سار ابراهيم الي المدينة و كسر الخراج و قال: كانت فتنة. فسكت عنه ابن الزبير.

و كان قدوم ابن مطيع في رمضان لخمس بقين منه، و جعل علي شرطته اياس ابن ابي مضارب العجلي و امره بحسن السيرة و الشده علي المريب، و لما قدم صعد المنبر فخطبهم و قال:

اما بعد، فان اميرالمؤمنين بعثني علي مصركم و ثغوركم و امرني بجباية فيئكم و ان لا احمل فضل فيئكم عنكم الا برضا منكم، و ان اتبع وصية عمر بن الخطاب التي اوصي بها عند وفاته و سيرة عثمان بن عفان، فاتقوا الله و استقيموا و لا تختلفوا او خذوا علي ايدي سفهائكم فان لم تفعلوا فلوموا انفسكم، فو الله لاوقعن بالسقيم العاصي و لاقيمن درء الاصغر المرتاب.

فقام اليه السائب بن مالك الاشعري فقال: اما حمل فيئنا برضانا فانا نشهد انا لا نرضي ان يحمل عنا فضله و ان لا يقسم الا فينا و ان لا يسير فينا الا بسيرة علي ابن ابي طالب عليه السلام التي سار بنا في بلادنا هذه حتي هلك، و لا حاجة لنا في سيرة عثمان في فيئنا و لا في انفسنا و لا بسيرة عمر بن الخطاب فينا و ان كانت اهون السيرتين علينا و قد كان يفعل بالناس خيرا.

فقال يزيد بن انس: صدق السائب [1] .

فقال ابن مطيع: نسير فيكم بكل سيرة احببتموها ثم نزل.

و جاء اياس بن مضارب الي ابن مطيع فقال له: ان السائب بن مالكب بن رؤوس اصحاب المختار فابعث الي المختار فلياتك فاذا جاءك فاحبسه حتي يستقيم


امر الناس فان امره قد استجمع له و كانه قد وثب بالمصر.

فبعث ابن مطيع الي المختار زائدة بن قدامة و حسين بن عبدالله البرسمي من همدان فقالا: اجب الامير، فعزم علي الذهاب فقرا زائدة (و اذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك) الآية [2] فالقي المختار ثيابه و قال: القوا علي قطيفة فقد وعكت، اني لاجد بردا شديدا، ارجعا الي الامير فاعلماه حالي. فعادا الي ابن مطيع فاعلماه فتركه.

و وجه المختار الي اصحابه فجمعهم حوله في الدور، و اراد ان يثب في الكوفة في المحرم، فجاء رجل من اصحاب شبام- و شبام حي من همدان- و كان شريفا اسمه عبدالرحمن بن شريح فلقي عسيد بن منقذ الثوري و سعر بن ابي سعر الحنفي الاسود بن جراد الكندي و قدامة بن مالك الجشمي، فقال لهم: ان المختار يريد ان يخرج بنا و لا ندري ارسله ابن الحنفية ام لا فانهضوا بنا الي ابن الحنفية نخبره بما قدم علينا به المختار، فان رخص لنا في اتباعه تبعناه ان نهانا عنه اجتنبناه، فو الله ما ينبغي ان يكون شي ء من الدنيا آثر عندنا من سلامة ديننا. قالوا له: اصبت.

فخرجوا الي ابن الحنفية، فلما قدموا عليه سالهم عن حال الناس فاخبروه عن حالهم و ماهم عليه و اعلموه حال المختار و ما دعاهم اليه و استاذنوه في اتباعه. فلما فرغوا من كلامهم قال لهم بعد ان حمد الله و اثني عليه و ذكر فضيلة اهل البيت و المصيبة بقتل الحسين عليه السلام

ثم قال لهم: و اما ما ذكرتم ممن دعاكم الي الطلب بدمائنا فو الله لوددت ان الله انتصر لنا من دعونا بمن شاء من خلقه و لو كره لقال لا تفعلوا.

فعادوا وناس من الشيعة ينتظرونهم ممن اعلموه بحالهم، و كان ذلك قد شق علي المختار و خاف ان يعودوا بامر يخذل الشيعة عنه، فلما قدموا الكوفة دخلوا علي المختار قبل دخولهم الي بيوتهم، فقال لهم: ما وراءكم فقد فتنتم و ارتبتم؟


فقالوا له: انا قد امرنا بنصرك. فقال: الله اكبر اجمعوا الي الشيعة فجمع من كان قريبا منهم فقال لهم: ان نفرا قد احبوا ان يعلموا مصداق ما جئت به فرحلوا الي الامام المهدي فسالوه عما قدمت به عليكم فنباهم اني وزيره و ظهيره و رسوله و امركم باتباعي و طاعتي فيما دعوتكم اليه من قتال المحلين و الطلب بدماء اهل بيت نبيكم المصطفي.

فقام عبدالرحمن بن شريح و اخبرهم بحالهم و مسيرهم و ان ابن الحنفية امرهم بمؤازرته و مظاهرته و قال لهم: ليبلغ الشاهد الغائب و استعدوا و تاهبوا. و قام جماعة من اصحابه فقالوا نحوا من كلامه.

فاستجمعت له الشيعة و كان من جملتهم الشعبي و ابوه شراحيل، فلما تهيا امره للخروج قال له بعض اصحابه: ان اشراف الكوفة مجمعون علي قتالكم مع ابن مطيع فان اجابنا الي امرنا ابراهيم بن الاشتر رجونا القوة علي عدونا فانه فتي رئيس و ابن رجل شريف له عشيرة ذات عز وعدد.

فقال لهم المختار: فالقوه و ادعوه، فخرجوا اليه و معهم الشعبي فاعلموه حالهم و سالوه مساعدتهم عليه و ذكروا له ما كان ابوه عليه من ولاء علي عليه السلام و اهل بيته. فقال لهم: اني قد اجبتكم الي الطلب بدم الحسين عليه السلام و اهل بيته علي ان تولوني الامر. فقالوا له: انت لذلك اهل و لكن ليس الي ذلك سبيل، هذا المختار قد جاءنا من قبل المهدي و هو المامور بالقتال و قد امرنا بطاعته. فسكت ابراهيم و لم يجبهم، فانصرفوا عنه فاخبروا المختار، فمكث ثلاثا ثم سار في بضعة عشر من اصحابه و الشعبي و ابوه فيهم الي ابراهيم فدخلوا عليه فالقي لهم الوسائد فجلسوا عليها و جلس المختار معه علي فراشه فقال له المختار: هذا كتاب من المهدي محمد بن علي اميرالمؤمنين و هو خير اهل الارض اليوم و ابن خير اهلها قبل اليوم انبياء الله و رسله و هو يسالك ان تنصرنا و تؤازرنا.

قال الشعبي: و كان الكتاب معي، فلما قضي كلامه قال لي: ادفع الكتاب اليه. فدفعه اليه الشعبي فقراه فاذا فيه: من محمد المهدي الي ابراهيم بن مالك الاشتر، سلام عليك فاني احمد الله اليك الذي لا اله الا هو، اما بعد فاني قد


بعثت اليكم وزيري و اميني الذي ارتضيته لنفسي و امرته بقتال عدوي و الطلب بدماء اهل بيتي فانهض معهم بنفسك و عشيرتك و من اطاعك فانك ان تنصرني واجبت دعوتي كانت لك بذلك عندي فضيلة و لك اعنة الخيل و كل جيش غاز و كل مصر و منبر و ثغر ظهرت عليه فيما بين الكوفة و اقصي بلاد الشام.

فلما فرغ من قراءة الكتاب قال: قد كتب الي ابن الحنفية قبل اليوم و كتبت فلم يكتب الي الا باسمه و اسم ابيه. قال المختار: ان ذلك زمان و هذا زمان. قال: فمن يعلم ان هذا كتابه، فشهد جماعة ممن معه منهم زيد بن انس و احمر بن شميط و عبدالله بن كامل و جماعتهم الا الشعبي، فلما شهدوا تاخر ابراهيم عن صدر الفراش و اجلس المختار عليه و بايعه ثم خرجوا من عنده.

و قال ابراهيم للشعبي: قد رايتك لم تشهد مع القوم انت و لا ابوك افتري هؤلاء شهدوا علي غير حق؟ فقال له: هؤلاء سادة القراء و مشيخة المصر و فرسان العرب و لا يقول مثلهم الا حقا. فكتب اسماءهم و تركها عنده و دعا ابراهيم عشيرته و من اطاعه و اقبل يختلف الي المختار كل عشية عند السماء يدبرون امورهم، و اجتمع رايهم علي ان يخرجوا ليلة الخميس لاربع عشرة من ربيع الاول سنة ست و ستين.

فلما كانت تلك الليلة عند المغرب صلي ابراهيم باصحابه ثم خرج يريد المختار و عليه و علي اصحابه السلاح، و قد اتي اياس بن مضارب عبدالله بن مطيع فقال له: ان المختارخارج عليك باحدي هاتين الليلتين و قد بعثت ابني الي الكناسة، فلو بعثت في كل جبانة عظيمة بالكوفة رجلا من اصحابك في جماعة من اهل الطاعة لهاب المختار و اصحابه الخروج عليك.

فبعث ابن مطيع عبدالرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني الي جبانة السبيع و قال: اكفني قومك و لا تحدثن بها حدثا، و بعث كعب بن ابي كعب الخثعمي الي جبانة بشر، و بعث زحر بن قيس الجعفي الي جبانة كندة، و بعث عبدالرحمن بن مخنف الي جبانة الصائديين، و بعث شمر بن ذي الجوشن الي جبانة سالم و بعث يزيد بن رويم الي جبانة المراد، و اوصي كلا منهم ان لا يؤتي من قبله و بعث شبث


ابن ربعي الي السبخة و قال: اذا سمعت صوت القوم فوجه نحوهم.

و كان خروجهم الي الجبانين يوم الاثنين، و خرج ابراهيم بن الاشتر يريد المختار ليلة الثلاثاء و قد بلغه ان الجبانين قد ملئت رجالا و ان اياس بن مضارب في الشرط قد احاط بالسوق و القصر، فاخذ معه من اصحابه نحو مائة دارع وقد لبسوا عليها الاقبية، فقال له اصحابه: تجنب الطريق. فقال: و الله لامرن وسط السوق بجنب القصر و لارعبن عدونا و لارينهم هوانهم علينا.

فسار علي باب الفيل ثم علي دار عمرو بن حريث، فلقيهم اياس بن مضارب في الشرط مظهرين السلاح، فقال: من انتم؟ فقال ابراهيم: انا ابراهيم ابن الاشتر. فقال اياس: ما هذا الجمع الذي معك و ما تريد، و لست بتاركك حتي آتي بك الامير؟ فقال ابراهيم: خل سبيلا. قال: لا افعل. و كان مع اياس بن مضارب رجل من همدان يقال له ابوقطن، و كان يكرمه و كان صديقا لابن الاشتر فقال له ابن الاشتر: ادن مني يا اباقطن. فدنا منه و هو يظن ان ابراهيم يطلب منه ان يشفع فيه الي اياس، فلما دنا منه اخذ رمحا كان معه و طعن به اياسا في ثغرة نحره فصرعه، و امر رجلا من قومه فاخذ راسه و تفرق اصحاب اياس و رجعوا الي ابن مطيع.

فبعث مكانه ابنه راشد بن اياس علي الشرط، و بعث مكان راشد الي الكناسة سويد بن عبدالرحمن المنقري اباالقعقاع بن سويد، و اقبل ابراهيم بن الاشتر الي المختار و قال: انا اتعدنا للخروج القابلة و قد جاء امر لا بد من الخروج الليلة و اخبره الخبر. ففرح المختار بقتل اياس و قال: هذا اول الفتح انشاءالله تعالي. ثم قال لسعيد بن منقذ: قم فاشعل النيران في الهوادي و القصب و ارفعها و سر انت يا عبدالله بن شداد فناد: يا منصور امت، و قم انت يا سفيان بن ابي ليلي و انت يا قدامة ابن مالك فناد: يا لثارات الحسين. ثم لبس سلاحه.

فقال له ابرايم: ان هؤلاء الذين في الجبانين يمنعون اصحابنا من اتياننا فلو سرت الي قومي بمن معي و دعوت من اجابني و سرت بهم في نواحي الكوفة و دعوت بشعارنا لخرج الينا من اراد الخروج، و من اتاك حبسته عندك الي من


معك، فان عوجلت كان عندك من يمنعك الي ان آتيك. فقال له: افعل و عجل و اياك ان تسير الي اميرهم تقاتله و لا تقاتل احدا و انت تستطيع ان لا تقاتله الا ان يبداك احد بقتال.

فخرج ابراهيم و اصحابه حتي اتي قومه و اجتمع اليه جل من كان اجابه، و سار بهم في سكك المدينة ليلا طويلا و هو يتجنب المواضع التي فيها الامراء الذين وضعهم ابن مطيع، فلما انتهي الي مسجد السكون اتاه جماعة من خيل زحر ابن قيس الجعفي ليس عليهم امير، فحمل عليهم ابراهيم فكشفهم حتي ادخلهم جبانة كندة و هو يقول: اللهم انك تعلم انا غضبنا لاهل بيت نبيك و ثرنا لهم فانصرنا علي هؤلاء.

ثم رجع ابراهيم عنهم بعد ان هزمهم، ثم سار ابراهيم حتي اتي جبانة اثير، فتنادوا بشعارهم فوقف فيها فاتاه سويد بن عبدالرحمن المنقري و رجا ان يصيبهم فيحظي بها عند ابن مطيع، فلم يشعر به ابراهيم الا و هو معه، فقال ابراهيم لاصحابه: يا شرطة الله انزلوا فانكم اولي بالنصر من هؤلاء الفساق الذين خاضوا في دماء اهل بيت نبيكم. فنزلوا ثم حمل عليهم ابراهيم حتي اخرجهم الي الصحراء فانهزموا فركب بعضهم بعضا هم يتلاومون و تبعهم حتي ادخلهم الكناسة، فقال لابراهيم اصحابه: اتبعهم و اغتنم ما دخلهم من الرعب. فقال: لا و لكن ناتي صاحبنا يؤمن الله بنا وحشته و يعلم ما كان من نصرنا له فيزداد هو و اصحابه قوة، مع اني لا آمن ان يكون قد اتي.

ثم سار ابراهيم حتي اتي باب المختار، فسمع الاصوات عالية و القوم يقتتلون، و قد جاء شبث بن ربعي من قبل السبخة فعبا له المختار يزيد بن انس و جاء حجار بن ابجر العجلي فجعل المختار في وجهه احمر بن شميط، فبينا الناس يقتتلون اذ جاء ابراهيم من قبل القصر فبلغ حجارا و اصحابه ان ابراهيم قد اتاهم من ورائهم، فتفرقوا في الازقة قبل ان ياتيهم، و جاء قيس بن طهفة النهدي في قريب من مائة و هو من اصحاب المختار، فحمل علي شبث بن ربعي و هو يقاتل يزيد بن انس، فخلي لهم الطريق حتي اجتمعوا، و اقبل شبث الي ابن مطيع و قال


له: اجمع الامراء الذين بالجبانين و جميع الناس ثم انفذ الي هؤلاء القوم فقاتلهم فان امرهم قد قوي و قد خرج المختار و ظهر واجتمع له امره.

فلما بلغ قوله المختار خرج في جماعة من اصحابه حتي نزل في ظهر دير هند في السبخة، و خرج ابوعثمان النهدي فنادي في شاكر و هم مجتمعون في دورهم يخافون ان يظهروا لقرب كعب الخثعمي منهم و كان قد اخذ عليهم افواه السكك، فلما اتاهم ابوعثمان في جماعة من اصحابه نادي: يا لثارات الحسين يا منصور امت امت، يا ايها الحي المهتدون ان امين آل محمد و وزيرهم قد خرج، فنزل دير هند و بعثني اليكم داعيا و مبشرا فاخرجوا رحمكم الله. فخرجوا يتداعون يا لثارات الحسين و قاتلوا كعبا حتي خلي لهم الطريق، فاقبلوا الي المختار فنزلوا معه، و خرج عبدالله بن قتادة في نحو من مائتين فنزل مع المختار و كان قد تعرض لهم كعب فلما عرف انهم من قومه خلي عنهم.

و خرجت شبام و هم حي من همدان من آخر ليلتهم فبلغ خبرهم عبدالرحمن ابن سعيد الهمداني فارسل اليهم ان كنتم تريدون المختار فلا تمروا علي جبانة السبيع، فلحقوا بالمختار فتوافي الي المختار ثلاثة آلاف و ثمانمائة من اثني عشر الفا كانوا بايعوه فاجتمعوا له قبل الفجر، فاصبح و قد فرغ من تعبئته و صلي باصحابه بغلس.

و ارسل ابن مطيع الي الجبانين فامر من بها ان ياتوا المسجد، و امر راشد بن اياس فنادي في الناس: برئت الذمة من رجل لم يات المسجد الليلة. فاجتمعوا فبعث ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو ثلاثة آلاف الي المختار و بعث راشد بن اياس في اربعة آلاف من الشرط.

فسار شبث الي المختار فبلغه خبره و قد فرغ من صلاة الصبح، فارسل من اتاه بخبرهم و اتي الي المختار ذلك الوقت سعر بن ابي سعر الحنفي و هو من اصحابه لم يقدر علي اتيانه الا تلك الساعة، فراي راشد بن اياس في طريقة فاخبر المختار بخبره ايضا، فبعث المختار ابراهيم بن الاشتر الي راشد في سبعمائة و قيل في ستمائة فارس و ستمائة راجل، و بعث نعيم بن هبيرة اخاه مصقلة بن هبيرة في


ثلاثمائة فارس و ستمائة راجل و امره بقتال شبث بن ربعي و من معه و امرهما بتعجيل القتال و ان لا يستهدفا لعدوهما فانه اكثر منهما، فتوجه ابراهيم الي راشد و قدم المختار يزيد بن انس في موضع مسجد شبث بن ربعي في ستمائة امامه، فتوجه نعيم الي شبث فقاتله قتالا شديدا، فجعل نعيم سعر بن ابي سعر علي الخيل و مشي هو في الرجالة فقاتلهم حتي اشرقت الشمس و انبسطت، فانهزم اصحاب شبث حتي دخلوا البيوت، فناداهم شبث و حرضهم فرجع اليه منهم جماعة فحملوا علي اصحاب نعيم و قد تفرقوا فهزمهم و صبر نعيم فقتل و اسر سعر بن ابي سعر و جماعة من اصحابه، فاطلق العرب و قتل الموالي، و جاء شبث حتي احاط بالمختار و كان قد و هن لقتل نعيم.

و بعث ابن مطيع يزيد بن الحارث بن رويم في الفين فوقفوا في افواه السكك و ولي المختار يزيد بن انس خيله و خرج هو في الرجالة، فحملت عليه خيل شبث فلم يبرحوا مكانهم، فقال لهم يزيد بن انس: يا معشر الشيعة انكم كنتم تقتلون و تقطع ايديكم وارجلكم و تسمل اعينكم و ترفعون علي جذوع النخل في حب اهل بيت نبيكم و انتم مقيمون في بيوتكم و طاعة عدوكم، فما ظنكم بهؤلاء القوم اذا ظهروا عليكم اليوم، و الله لا يدعون منكم عينا تطرف و ليقتلنكم صبرا و لترون منهم في اولادكم و ازواجكم و اموالكم ما الموت خير منه، و الله لا ينجيكم منهم الا الصدق و الصبر و الطعن الصائب و الضرب الدارك فتهيؤوا للحملة، فتيسروا ينتظرون امره و جثوا علي ركبهم.

و اما ابراهيم بن الاشتر فانه لقي راشدا فاذا معه اربعة آلاف، فقال لاصحابه: لا يهولنكم كثرة هؤلاء فو الله لرب رجل خير من عشرة و الله مع الصابرين. و قدم خزيمة بن نصر اليهم في الخيل و نزل و هو يمشي في الرجالة، و اخذ ابراهيم يقول لصاحب رايته: تقدم برايتك امض بهؤلاء و بهؤلاء.

و اقتتل الناس قتالا شديدا و حمل خزيمة بن نصر العبسي علي راشد فقتله، ثم نادي قتلت راشدا و رب الكعبة، و انهزم اصحاب راشد. و اقبل ابراهيم و خزيمة


و من معهما بعد قتل راشد نحو المختار، و ارسل البشير الي المختار بقتل راشد، فكبر هو و اصحابه و قويت نفوسهم و دخل اصحاب ابن مطيع الفشل.

و ارسل ابن مطيع حسان بن قائد بن بكر العبسي في جيش كثيف نحو الفين فاعترض ابراهيم ليرده عمن بالسبخة من اصحاب ابن مطيع، فتقدم اليهم ابراهيم فانهزموا من غير قتال و تاخر حسان يحمي اصحابه، فحمل عليه خزيمة فعرفه فقال: يا حسان لولا القرابة لقتلتك فانج بنفسك. فعثر به فرسه فوقع، فابتدره الناس فقاتل ساعة، فقال له خزيمة: انت آمن فلا تقتل نفسك و كف عنه الناس، و قال لابراهيم: هذا ابن عمي و قد امنته. فقال: احسنت فامر بفرسه فاحضروه فاركبه و قال: الحق باهلك.

و اقبل ابراهيم نحو المختار و شبث بن ربعي محيط به، فلقيه يزيد بن الحارث و هو علي افواه السكك التي تلي السبخة، فاقبل الي ابراهيم ليصده عن شبث و اصحابه، فبعث ابراهيم اليه طائفة من اصحابه مع خزيمة بن نصر و سار نحو المختار و شبث فيمن بقي معه، فلما دنا منهم ابراهيم حمل علي شبث و حمل يزيد ابن انس فانهزم شبث و من معه الي ابيات الكوفة، و حمل خزيمة بن نصر علي يزيد ابن الحارث فهزمه و ازدحموا الي افواه السكك و فوق البيوت، و اقبل المختار فلما انتهي الي افواه السكك رمته الرماة بالنبل فصدوه عن الدخول الي الكوفة من ذلك الوجه.

و رجع الناس من السبخة منهزمين الي ابن مطيع، و جاءه قتل راشد بن اياس فسقط في يده، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي: ايها الرجل لا تلق بيدك و اخرج الي الناس و اندبهم الي عدوك فان الناس كثير و كلهم معك الا هذه الطائفة التي خرجت و الله يخزيها، و انا اول منتدب فانتدب معي طائفة و مع غيري طائفة.

فخرج ابن مطيع فقام في الناس و وبخهم علي هزيمتهم و امر بالخروج الي المختار و اصحابه.

و لما راي المختار انه قد منعه يزيد بن الحارث في دخول الكوفة عدل الي


بيوت مزينة و احمس و بارق و بيوتهم منفردة، فسقوا اصحابه الماء و لم يشرب هو فانه كان صائما، فقال احمر بن شميط لابن كامل: اتراه صائما؟ قال: نعم. قال: لو افطر كان اقوي له. قال: انه معصوم و هو اعلم بما يصنع. فقال احمر: صدقت استغفر الله.

فقال المختار: نعم المكان للقتال هذا. فقال ابراهيم: ان القوم فد هزمهم الله و ادخل الرعب في قلوبهم، سر بنا فوالله ما دون القصر مانع. فترك المختار هناك كل شيخ ضعيف ذي علة و ثقلهم [3] و استخلف عليهم اباعثمان النهدي، و قدم ابراهيم امامه، و بعث ابن مطيع عمرو بن الحجاج في الفين فخرج عليهم، فارسل المختار الي ابراهيم ان اطوه و لا تقم عليه، فطواه و اقام، و امر المختار يزيد ابن انس ان يواقف عمرو بن الحجاج فمضي اليه، و سار المختار في اثر ابراهيم ثم وقف في موضع مصلي خالد بن عبدالله، و مضي ابراهيم ليدخل الكوفة من نحو الكناسة فخرج اليه شمر بن ذي الجوشن في الفين، فسرح اليه المختار سعيد بن منقد الهمداني فواقعه، و ارسل الي ابراهيم يامره بالمسير فسار حتي انتهي الي سكة شبث فاذا نوفل بن مساحق في الفين و قيل خمسة آلاف و هو الصحيح، و قد امر ابن مطيع مناديا فنادي في الناس ان الحقوا بابن مساحق.

و خرج ابن مطبع فوقف بالكناسة و استخلف شبث بن ربعي علي القصر، فدنا ابن الاشتر من ابن مطيع فامر اصحابه بالنزول و قال لهم: لا يهولنكم ان يقال جاء شبث و آل عتيبة بن النهاس و آل الاشعث و آل يزيد بن الحارث و آل فلان فسمي بيوتات اهل الكوفة، ثم قال: ان هؤلاء لو وجدوا حر السيوف لا نهزموا عن ابن مطيع انهزام المعزي من الذئب ففعلوا ذلك.

و اخذ ابن الاشتر اسفل قبائه فادخله في منطقته- و كان القباء علي الدرع- فلم يلبثوا حين حمل عليهم ان انهزموا و يركب بعضهم بعضا علي افواه السكك و ازدحموا و انتهي ابن الاشتر الي ابن مساحق فاخذ بعنان دابته و رفع السيف


عليه، فقال له: يابن الاشتر انشدك الله هل بيني و بينك من احنة او تطلبني بثار. فخلي سبيله و قال اذكرها، فكان يذكرها له.

و دخلوا الكناسة في آثارهم حتي دخلوا السوق و المسجد، و حصروا ابن مطيع و معه الاشراف من الناس غير عمرو بن حريث فانه اتي داره، ثم خرج الي البر و جاء المختار حتي نزل جانب السوق، و ولي ابراهيم حصار القصر و معه يزيد بن انس و احمر بن شميط، فحصروهم ثلاثا فاشتد الحصار عليهم، فقال شبث لابن مطيع: انظر لنفسك و لمن معك فوالله ما عندهم غني عنك و لا عن انفسهم. فقال: اشيروا علي. فقال شبث: الراي ان تاخذ لنفسك و لنا امانا و تخرج و لا تهلك نفسك و من معك. فقال ابن مطيع: اني لاكره ان آخذ منه امانا و الامور لاميرالمؤمنين مستقيمة بالحجاز و البصرة. قال: فتخرج و لا يشعر بك احد فتنزل بالكوفة عند من تثق اليه حتي تلحق بصاحبك.

و اشار بذلك عبدالرحمن بن سعيد و اسماء بن خارجة و ابن مخنف و اشراف الكوفة، فاقام حتي امسي و قال لهم: قد علمت ان الذين صنعوا هذا بكم انهم اراذلكم و اخساؤكم، و ان اشرافكم و اهل الفضل منكم سامعون مطيعون، و انا مبلغ ذلك صاحبي و معلمه طاعتكم و جهادكم حتي كان الله الغالب علي امره. فاثنوا عليه خيرا.

و خرج عنهم و اتي دار ابي موسي، فجاء ابن الاشتر و نزل القصر ففتح اصحابه الباب و قالوا: يا بن الاشتر آمنون نحن؟ قال: انتم آمنون. فخرجوا فبايعوا المختار و دخل المختار القصر فبات فيه و اصبح اشراف الناس في المسجد و علي باب القصر.

و خرج المختار فصعد المنبر فحمد الله و اثني عليه فقال: الحمد لله الذي وعد وليه النصر و عدوه الخسر و جعله فيه الي آخر الدهر وعدا مفعولا و قضاء مقضيا و قد خاب من افتري. ايها الناس انا رفعت لنا راية و مدت لنا غاية، فقيل لنا في الراية ان ارفعوها و في الغاية ان اجروا اليها و لا تعدوها، فسمعنا دعوة الداعي و مقالة


الواعي فكم من ناع و ناعية لقتلي في الواعية [4] و بعدا لمن طغي و ادبر و عصي و كذب و تولي، الا فادخلوا ايها الناس و بايعوا بيعة هدي، فلا والذي جعل السماء سقفا مكفوفا و الارض فجاجا سبلا ما بايعتم بعد بيعة علي بن ابي طالب عليه السلام و آل علي اهدي منها.

ثم نزل و دخل عليه اشراف الكوفة فبايعوه علي كتاب الله و سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و الطلب بدماء اهل البيت و جهاد المحلين و الدفع عن الضعفاء و قتال من قاتلنا و سلم من سالمنا.

و كان ممن بايعه المنذر بن حسان و ابنه حسان، فلما خرجا من عنده استقبلهما سعيد بن منقذ الثوري في جماعة من الشيعة، فلما راوهما قالوا: هذان والله من رؤوس الجبارين، فقتلوا المنذر و ابنه حسان، فنهاهم سعيد حتي ياخذوا امر المختار فلم ينتهوا، فلما سمع المختار ذلك كرهه، و اقبل المختار يمني الناس و يستجر مودة الاشراف و يحسن السيرة.

و قيل له: ان ابن مطيع في دار ابي موسي، فسكت فلما امسي بعث له بمائة الف درهم فقال: تجهز بهذه فقد علمت مكانك و انك لم يمنعك من الخروج الا عدم النفقة. و كان بينهما صداقة.

و وجد المختار في بيت المال تسعة آلاف الف، فاعطي اصحابه الذين قاتل بهم حين حصر ابن مطيع في القصر هم ثلاثة آلاف و خمسمائة لكل رجل منهم خمسمائة درهم، و اعطي ستة آلاف من اصحابه اتوه بعد ما احاط بالقصر و اقاموا معه تلك الليلة و تلك الايام الثلاثة مائتين مائتين، و استقبل الناس بخير و جعل الاشراف جلساؤه و جعل علي شرطته عبدالله بن كامل الشاكري و علي حرسه كيسان اباعمرة.

فقام ابوعمرة علي راسه ذات يوم و هو مقبل علي الاشراف بحديثه و وجهه فقال لابي عمرة بعض اصحابه من الموالي: اما تري ابااسحاق قد اقبل علي


العرب ما ينظر الينا؟ فساله المختار عما قالوا له فاخبره، فقال: قل لهم لا يشق عليهم ذلك فانتم مني و انا منكم. و سكت طويلا ثم قرا (انا من المجرمين منتقمون) [5] فلما سمعوها قال بعضهم لبعض: ابشروا كانكم و الله قد قتلتم يعني الرؤساء.

و كان اول راية عقدها المختار لعبدالله بن الحارث اخي الاشتر علي ارمينية و بعث محمد بن عمير بن عطارد علي اذربيجان، و بعث عبدالرحمن بن سعيد بن قيس علي الموصل، و بعث اسحاق بن مسعود علي المدائن و ارض جوخي، و بعث قدامة بن ابي عيسي بن زمعة النصري حليف ثقيف علي بهقباذ الاعلي، و بعث محمد بن كعب بن قرظة علي بهقباذ الاوسط، و بعث سعد بن حذيفة بن اليمان علي حلوان و امره بقتال الاكراد و اقامة الطرق.

و كان ابن الزبير قد استعمل علي الموصل محمد بن الاشعث بن قيس، فلما ولي المختار و بعث عبدالرحمن بن سعيد الي الموصل اميرا سار محمد عنها الي تكريت ينظر ما يكون من الناس ثم سار الي المختار فبايعه.

فلما فرغ المختار مما يريد سار [6] يجلس للناس و يقضي بينهم، ثم قال: ان لي فيما احاول لشغلا عن القضاء. ثم اقام شريحا يقضي بين الناس، ثم خافهم شريح فتمارض و كانوا يقولون: انه عثماني و انه شهد علي حجر بن عدي و انه لم يبلغ هاني ء بن عروة ما ارسله به و ان عليا عليه السلام عزله عن القضاء، فلما بلغ شريحا ذلك منهم تمارض، فجعل المختار مكانه عبدالله بن عتبة بن مسعود، ثم ان عبدالله مرض فجعل مكانه عبدالله بن مالك الطائي [7] .



پاورقي

[1] في المصدر: وبر.

[2] سورة الانفال: 30.

[3] في المصدر: و نقلهم.

[4] في الاصل: في الواغية و في المصدر کما اثبتناه.

[5] سورة السجدة: 22.

[6] في المصدر: صار.

[7] الکامل لابن الاثير 228 -211 /4.