بازگشت

ذكر قدوم المختار الكوفة


كانت الشيعة تسب المختار و تعيبه لما كان منه في امر الحسين بن علي عليه السلام حين طعن في ساباط و حمل الي ابيض المدائن، حتي كان زمن الحسين و بعث الحسين مسلم بن عقيل الي الكوفة كان المختار في قرية له تدعي لفغا، فجاءه خبر ابن عقيل عند الظهر و لم يكن خروجه عن ميعاد كما سبق، فاقبل المختار في مواليه و انتهي الي باب الفيل بعد المغرب و قد اقعد عبيد الله بن زياد عمرو بن حريث بالمسجد و معه راية، فوقف المختار لا يدري ما يصنع، فبلغ خبره عمرا فاستدعاه و امنه فحضر عنده.

فلما كان الغد ذكر عماره بن وليد بن عقبة امره لعبيد الله، فاحضره فيمن دخل و قال له: انت المقبل في الجموع لتنصر ابن عقيل. قال: لم افعل و لكني اقبلت و نزلت تحت راية عمرو، فشهد له عمرو فضرب وجه المختار فشتر عينه


و قال: لولا شهادة عمرو لقتلتك. ثم حبسه حتي قتل الحسين عليه السلام.

ثم ان المختار بعث الي عبدالله بن عمر بن الخطاب يساله ان يشفع فيه- و كان ابن عمر تزوج اخت المختار صفية بنت ابي عبيد- فكتب ابن عمر الي يزيد يشفع فيه، فارسل يزيد الي ابن زياد يامره باطلاقه، فاطلقه و امره ان لا يقيم غير ثلاث.

فخرج المختار الي الحجاز فلقيه ابن العرق وراء واقصة فسلم عليه و ساله عن عينه فقال: خبطها ابن الزانية بالقضيب فصارت كما تري، ثم قال: قتلني الله ان لم اقطع انامله و اعضاءه اربا اربا. ثم ساله المختار عن ابن الزبير فقال: انه عائذ بالبيت و انه يبايع سرا و لو اشتدت شوكته و كثرت رجاله لظهر.

فقال المختار: انه رجل العرب اليوم و ان اتبع رابي اكفه امر الناس، ان الفتنة ارعدت و ابرقت و كان قد انبعث فاذا سمعت بمكان قد ظهرت به [1] في عصابة من المسلمين اطلب [2] بدم الشهيد المظلوم المقتول بالطف سيد المسلمين و ابن بنت سيد المرسلين الحسين بن علي فوربك لاقتلن بقتله عدة من قتل علي دم يحيي بن زكريا.

ثم سار و ابن العرق يعجب من قوله. قال ابن العرق: فو الله لقد رايت ما ذكره و حدثت به الحجاج بن يوسف فضحك و قال: لله دره اي رجل دينا و مسعر حرب و مقارع اعداء كان.

ثم قدم المختار علي ابن الزبير فكتم عنه ابن الزبير امره، ففارقه و غاب عنه سنة ثم سال عنه ابن الزبير فقيل: انه بالطائف و انه يزعم انه صاحب الغضب و مسير الجبارين. فقال ابن الزبير: ما له قاتله الله لقد اتبع كذابا متكهنا، ان يهلك الله الجبارين يكن المختار اولهم.

فهو في حديثه اذ دخل المختار المسجد فطاف و صلي ركعتين و جلس، و اتاه


معارفه يحدثونه و لم يات ابن الزبير، فوضع ابن الزبير عليه عباس بن سهل بن مسعر، فاتاه و ساله عن حاله ثم قال له: مثلك يغيب عن الذي اجتمع عليه الاشراف من قريش و الانصار و ثقيف و لم تبق قبيلة الا و قد اتاه زعيمها فبايع هذا الرجل. فقال: اني اتيته العام الماضي و كتم عني خبره، فلما استغني عني احببت ان اريه اني مستغن عنه. فقال له العباس: القه الليلة و انا معك. فاجابه الي ذلك ثم حضر عند ابن الزبير بعد العتمة، فقال المختار: ابايعك علي ان لا تقضي الامور دوني و علي ان اكون اول داخل، و اذا ظهرت استعنت بي علي افضل عملك. فقال ابن الزبير: ابايعك علي كتاب الله و سنة رسول الله. فقال: و شر غلماني تبايعه علي ذلك، و الله لا ابايعك ابدا الا علي ذلك. فبايعه فاقام عنده و شهد معه قتال الحصين ابن نمير و ابلي احسن بلاء، و قاتل اشد قتال، و كان اشد الناس علي اهل الشام.

فلما هلك يزيد بن معاويه و اطاع اهل العراق ابن الزبير اقام عنده خمسة اشهر، فلما رآه لا يستعمله جعل لا يقدم عليه احد من اهل الكوفة الا ساله عن حال الناس فاخبره هاني ء بن حبة الوداعي باتساق اهل الكوفة علي طاعة ابن الزبير الا ان طائفة من الناس هم عدد اهلها لو كان لهم من يجمعهم علي رايهم اكل بهم الارض الي يوم ما.

فقال المختار: انا ابواسحاق انا و الله لهم ان اجمعم علي الحق و القي بهم ركبان الباطل و اهلك بهم كل جبار عنيد.

ثم ركب راحلته نحو الكوفة فوصل الي نهر الحيرة يوم الجمعة، فاغتسل و لبس ثيابه ثم ركب فمر بمسجد السكون و جبانة كندة، لا يمر علي مجلس الا سلم علي اهله و قال: ابشروا بالنصرة و الفلج اتاكم ما تحبون. و مر بيني بدء فلقي عبيدة بن عمرو البدئي من كندة، فسلم عليه و قال له: ابشر بالنصر و الفلج انك ابوعمرو علي راي حسن، لن يدع الله لك معه اثما الا غفره لك، و لا ذنبا الا ستره. و كان عبيدة من اشجع الناس و اشعرهم و اشدهم تشيعا و حبا لعلي عليه السلام، فكان لا يصبر عن الشراب. فقال له: بشرك الله بالخير فهل انت متئن [3] لنا. قال:


نعم القني الليلة.

ثم مر بيني هند فلقي اسماعيل بن كثير، فرحب به و قال له: القني انت و اخوك الليلة فقد اتيتكم بما تحبون. و مر علي حلقة من همدان فقال: قد قدمت عليكم بما يسركم.

ثم اتي المسجد و استشرف له الناس، فقام الي سارية فصلي عندها حتي اقيمت الصلاة و صلي مع الناس، ثم صلي ما بين الجمعة و العصر، ثم انصرف الي داره و اختلف اليه الشيعة، و اتي اسماعيل بن كثير و اخوه و عبيدة بن عمر، فسالهم فاخبروه خبر سليمان بن صرد و انه علي المنبر، فحمد الله ثم قال: ان المهدي ابن الوصي بعثني اليكم امينا و وزيرا و مشيخا [4] و اميرا و امرني بقتل الملحدين و الطلب بدم اهل بيته و الدفع عن الضعفاء، فكونوا اول خلق الله اجابة.

فضربوا علي يده و بايعوه، و بعث الي الشيعة و قد اجتمعت عند سليمان بن صرد و قال لهم نحو ذلك، و قال لهم: ان سليمان ليس له بصر بالحرب و لا تجربة بالامور و انما يريد ان يخرجكم فيقتلكم و يقتل نفسه، و انا اعمل علي مثال مثل لي و امر بين لي عن وليكم و اقتل عدوكم و اشفي صدوركم، فاسمعوا قولي و اطيعوا امري ثم انتشروا.

و ما زال بهذا و نحوه حتي استمال طائفة من الشيعة و صاروا يختلفون اليه و يعظمونه و عظماء الشيعة مع سليمان لا يعدلون به احدا، و هو اثقل خلق الله علي المختار، و هو ينظر الي مايصير امر سليمان.

فلما خرج سليمان نحو الجزيرة قال عمر بن سعد و شبث بن ربعي و زيد بن الحارث بن رويم لعبدالله بن يزيد الخطمي [5] و ابراهيم بن محمد بن طلحة: ان المختار اشد عليكم من سليمان، انما خرج يقاتل عدوكم و ان المختار يزيد ان يثب عليكم في مصركم، فاوثقوه و اسجنوه حتي يستقيم امر الناس.


فاتوه فاخذوه بغتة، فلما رآهم قال: ما لكم فو الله ما ظفرت اكفكم. فقال ابراهيم بن محمد بن طلحة لعبدالله: شده كتافا و مشه حافيا. فقال عبدالله: ما كنت لافعل هذا برجل لم يظهر لنا غدره و انما اخذناه علي الظن. فقال ابراهيم: ليس هذا يعشك فادرجي [6] ما هذا الذي بلغني عنك يا ابن ابي عبيد. قال: ما بلغك عني الا باطل و اعوذ بالله من غش كغش ابيك و جدك.

ثم حمل الي السجن غير مقيد و قيل بل كان مقيدا، فكان يقول في السجن: اما ورب البحار و النخيل و الاشجار و المهامه و القفار و الملائكة الابرار و المصطفين الاخيار لاقتلن كل جبار بكل لدن خطار و مهند بتار بجموع الانصار ليس بمثل اغمار [7] و لا بعز [8] اشرار، حتي اذا اقمت عمود الدين و زايلت شعب صدع المسلمين و شفيت غليل صدور المؤمنين و ادركت ثار النبيين لم يكبر علي زوال الدنيا و لم احفل بالموت اذ اتي.

و قيل في خروج المختار الي الكوفة و سببه غير ما تقدم، و هو ان المختار قال لابن الزبير- و هو عنده- اني لا علم قوما لو ان لهم رجلا له فقه و علم بما ياتي و يذر لاستخرج لك منهم جندا تقاتل بهم اهل الشام. قال: من هم؟ قال: شيعة علي بالكوفة. قال: فكن انت ذلك الرجل، فبعثه الي الكوفة فنزل ناحية منها يبكي علي الحسين عليه السلام و يذكر مصابه، حتي لقوه و احبوه فنقلوه الي وسط الكوفة و اتاه منهم بشر كثير، فلما قوي امره سار الي ابن مطيع [9] .


پاورقي

[1] في المصدر هکذا: (فقل ان المختار) في عصابة...

[2] يطلب خ ل.

[3] متين خ ل.

[4] و منتخبا خ ل.

[5] في المصدر: الحطمي بالحاء المهملة.

[6] في هامش المصدر: يفشک فادرني (مثل يضرب لمن يتعاطي ما لا ينبغي له).

[7] في المصدر: ليسوا بميل اغمار.

[8] في المصدر: و لا بعزل اشرار.

[9] الکامل لابن الاثير 173 -168 /4.