بازگشت

في جور الخلفاء علي قبره الشريف


قال ابن الاثير في الكامل في وقائع سنة ست و ثلاثين و مائتين: في هذه السنة امر المتوكل بهدم قبر الحسين عليه السلام و هدم ما حوله من المنازل و الدور، و ان يبذر و يسقي موضع قبره، و ان يمنع الناس من اتيانه فنادي بالناس في تلك الناحية: من وجدنا عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق. فهرب الناس و تركوا زيارته و خرب وزرع.

و كان المتوكل شديد البغض لعلي بن ابي طالب عليه السلام و لاهل بيته، و كان يقصد من يبلغه عنه انه يتولي عليا و اهله باخذ المال و الدم.

و كان من جملة ندمائه عبادة المخنث، كان يشد علي بطنه تحت ثيابه مخدة و يكشف راسه و هو اصلع و يرقص بين يدي المتوكل و المغنون يغنون: قد اقبل الاصلع البطين خليفة المسلمين، و المتوكل يشرب و يضحك، ففعل ذلك يوما و المنتصر حاضر، فاوما الي عبادة يتهدده فسكت خوفا منه، فقال المتوكل: ما حالك؟ فقام فاخبره فقال المنتصر: يا اميرالمؤمنين ان الذي يحكيه هذا الكلب و يضحك منه الناس هو ابن عمك و شيخ اهل بيتك و به فخرك، فكل انت لحمه اذا شئت و لا تطعم هذا الكلب و امثاله منه. فقال المتوكل للمغنين غنوا جميعا:



غار الفتي لابن عمه

و راس الفتي في حر امه



فكان هذا من الاسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل [1] .

و قال ابوالفرج في مقاتل الطالبيين: و كان المتوكل شديد الوطاة علي آل ابي طالب غليظا علي جماعتهم مهتما بامورهم شديد الغيظ و الحقد عليهم و سوء الظن و التهمة لهم، و اتفق له ان عبيد (عبدخ ل) الله بن يحيي بن خاقان وزيره سي ء


الرأي (سوء راي خ ل) فيهم يحسن له القبيح في معاملتهم، فبلغ بهم ما لم يبلغه احد من خلفاء بني العباس قبله، و كان من ذلك كرب قبر الحسين عليه السلام و عفي آثاره و وضع علي سائر طرق الزوار مسالح لا يجدون احدا زاره الا اتوه به فقتله او انهكه عقوبة [2] .

فحدثني احمد بن الجعد الوشاء و قد شاهد ذلك قال: كان السبب في كرب قبر الحسين عليه السلام ان بعض المغنيات كانت تبعث بجواريها اليه قبل الخلافة يغنين له اذا شرب، فلما (وليها) بعث الي تلك المغنية فعرف انها غائبة و كانت قد زارت قبر الحسين عليه السلام و بلغها خبره، فاسرعت الرجوع و بعثت اليه بجارية من جواريها كان يالفها، فقال لها: اين كنتم؟ قالت: خرجت مولاتي الي الحج و اخرجتنا معها و كان ذلك في شعبان. فقال: الي اين حججتم في شعبان؟ قالت: الي قبر الحسين. فاستطار غضبا و اتي بمولاتها فحبست و استصفي املاكها و بعث برجل من اصحابه يقال له الديزج كان يهوديا فاسلم (فارسله ظ) الي قبر الحسين عليه السلام و امره بكرب قبره و محوه و اخراب كل ما حوله، فمضي لذلك و خرب ما حوله و هدم البناء و كرب ما حوله نحو مائتي جريب، فلما بلغ الي قبره لم يتقدم اليه احد فاحضر قوما من اليهود فكربوه و اجري الماء حوله و وكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل لا يزوره زائر الا اخذوه و وجهوا به اليه [3] .

فحدثني محمد بن الحسين الاشناني قال: بعد عهدي بالزيارة في تلك الايام خوفا، ثم عملت علي المخاطرة، بنفسي فيها و ساعدني رجل من العطارين علي ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار و نسير الليل حتي اتينا نواحي الغاضرية و خرجنا منها نصف الليل، فسرنا بين مسلحتين و قد ناموا حتي اتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نتسمه (نشمه خ ل) و نتحري جهته حتي اتيناه و قد قلع الصندوق الذي كان حواليه و احرق و اجري الماء عليه، فانخسف موضع اللبن و صار كالخندق فزرناه و اكببنا عليه فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط من الطيب، فقلت للعطار الذي


كان معي: اي رائحة هذه؟ فقال: لا والله ما شممت مثلها بشي ء من العطر. فودعناه و جعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع، فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين و الشيعة حتي صرنا الي القبر فاخرجنا تلك العلامات و اعدناه الي ما كان عليه [4] .

و استعمل علي المدينة و مكة عمر بن الفرج الرجحي [5] ، فمنع آل ابي طالب من التعرض لمسالة الناس و منع الناس من برهم، و كان لا يبلغه ان احدا بر احدا منهم بشي ء و ان قل الا انهكه عقوبة و اثقله غرما، حتي كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ثم ينزعنه و يجلس علي مغازلهن عواري حواسر، الي ان قتل المتوكل فعطف المنتصر عليهم و احسن اليهم و وجه بمال فرقه فيهم، و كان يؤثر مخالفة ابيه في جميع احواله و مضادة مذهبه طعنا عليه و نفرة [6] لفعله [7] .

و روي الشيخ الطوسي «ره» في الامالي بسنده عن محمد بن عبدالحميد قال: دخلت علي ابراهيم الديزج و كنت جاره اعوده في مرضه الذي مات فيه، فوجدته بحال سوء و اذا هو كالمدهوش و عنده الطبيب فسالته عن حاله و كانت بيني و بينه خلطة و انس يوجب الثقة بي و الانبساط الي، فكاتمني حاله و اشار لي الي الطبيب، فشعر الطبيب باشارته و لم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله فقام فخرج و خلا الموضع، فسالته عن حاله فقال: اخبرك و الله و استغفر الله ان المتوكل امرني بالخروج الي نينوي الي قبر الحسين عليه السلام، فامرنا ان نكربه و نطمس اثر القبر، فوافيت الناحية مساء و معنا الفعلة و الدركاريون [8] معهم المساحي و المرور، فتقدمت الي غلماني و اصحابي ان ياخذوا الفعلة بخراب القبر


و حرث ارضه، فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر و نمت فذهب بي النوم فاذا ضوضاء شديد و اصوات عالية و جعل الغلمان ينبهوني، فقمت و انا ذعر فقلت للغلمان: ما شانكم؟ قالوا: اعجب شان. قلت: و ما ذاك؟ قالوا: ان بموضع القبر قوما قد حالوا بيننا و بين القبر و هم يرموننا مع ذلك بالنشاب. فقمت معهم لاتبين الامر فوجدته كما وصفوا و كان ذلك في اول الليل من ليالي البيض، فقلت: ارموهم فرموا فعادت سهامنا الينا فما سقط سهم منها الا الي صاحبه الذي رمي به فقتله، فاستوحشت لذلك و جزعت و اخذتني الحمي و القشعريرة و رحلت عن القبر لوقتي و وطنت نفسي علي ان يقتلني المتوكل لما لم ابلغ في القبر جميع ما تقدم الي به.

قال ابوبريره: فقلت له: قد كفيت ما تحذر من المتوكل قد قتل بارحة الاولي و اعان عليه في قتله المنتصر. فقال لي: قد سمعت بذلك و قد نالني في جسمي ما لا ارجو معه البقاء. قال ابوبريرة: كان هذا في اول النهار فما امسي الديزج حتي مات.

قال ابن خنيس: قال ابوالمفضل: ان المنتصر سمع اباه يشتم فاطمة صلوات الله عليها، فسال رجلا من الناس عن ذلك فقال له: قد وجب عليه القتل الا انه من قتل اباه لم يطل له عمر. قال: ما ابالي اذا اطعت الله بقتله ان لا يطول لي عمر، فقتله فعاش و عاش بعده سبعة اشهر [9] .

و فيه عن القاسم بن احمد الاسدي قال: بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم ان اهل السواد يجتمعون بارض نينوي لزيارة قبر الحسين عليه السلام فيصير الي قبره منهم خلق كثير، فانفذ قائدا من قواده و ضم اليه كثفا (كثيفا خ ل) من الجند كثيرا ليشعب (ليشعث خ ل) قبر الحسين عليه السلام و يمنع الناس من زيارته و الاجتماع الي قبره فخرج القائد الي الطف و عمل بما امر و ذلك في سنة سبع و ثلاثين و مائتين، فثار اهل السواد به و اجتمعوا عليه و قالوا: لو قتلنا عن آخرنا لما امسك من


بقي منا عن زيارته، و راوا من الدلائل ما حملهم علي ما صنعوا، فكتب بالامر الي الحضرة فورد كتاب المتوكل الي القائد بالكف عنهم و المسير الي الكوفة مظهرا ان مسيره اليها في مصالح اهلها و الانكفاء الي المصر فمضي الامر علي ذلك حتي كانت سنة سبع و اربعين فبلغ المتوكل ايضا مسير الناس من اهل السواد و الكوفة الي كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام و انه قد كثر جمعهم لذلك و صار لهم سوق كبير، فانفذ قائدا في جمع كثير من الجند و امر مناديا ينادي ببراءة الذمة ممن زار فبره، و نبش القبر و حرث ارضه و انقطع الناس عن الزيارة و عمد علي تتبع آل ابي طالب و الشيعة فقتل و لم يتم له ما قدره [10] .

و فيه عن عبدالله بن رايبة قال: حججت سنة سبع و اربعين و مائتين، فلما صدرت من الحج صرت الي العراق فزرت اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام علي حال خيفة من السلطان وزرته ثم توجهت الي زيارة قبر الحسين عليه السلام فاذا هو قد حرث ارضه، و مخر فيها الماء و ارسلت الثيران العوامل في الارض، فبعيني و بصري كنت رايت الثيران تساق في الارض فتنساق لهم حتي اذا حاذت مكان القبر حادت عنه يمينا و شمالا، فتضرب بالعصا الضرب الشديد فلا ينفع ذلك فيها و لا تطا القبر بوجه و لا سبب، فما امكنتني الزيارة فتوجهت الي بغداد و انا اقول:



تالله ان كانت امية قد اتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد اتاه بنو ابيه مثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما



اسفوا علي ان لا يكونوا شايعوا

في قتله فتتبعوه رميما



فلما قدمت بغداد سمعت الهايعة [11] فقلت: ما الخبر؟ قالوا: سقط الطائر بقتل جعفر المتوكل، فعجبت لذلك و قلت: الهي ليلة بليلة [12] .

و فيه عن يحيي بن المغيرة الرازي قال: كنت عند جرير بن عبدالحميد اذ


جاءه رجل من اهل العراق فساله جرير عن خبر الناس فقال: تركت الرشيد و قد كرب قبر الحسين عليه السلام و امر ان تقطع السدرة التي فيه فقطعت. قال: فرفع جرير يديه و قال: الله اكبر جاءنا فيه حديث عن رسول الله صلي الله عليه و آله انه قال: لعن الله قاطع السدرة ثلاثا فلم نقف علي معناه حتي الآن لان القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين عليه السلام حتي لا يقف الناس علي قبره [13] .

و فيه عن عمر بن الفرج الرجحي قال: انفذني المتوكل في تخريب قبر الحسين عليه السلام فصرت الي الناحية فامرت بالبقر فمر بها علي القبور كلها فلما بلغت قبر الحسين عليه السلام لم تمر فيه عليه. قال: فاخذت العصا بيدي فما زلت اضربها حتي تكسرت العصا في يدي فو الله ما جازت علي قبره و لا تخطته [14] .

و عن كتاب المناقب انه اخذ المسترشد من مال الحائر و كربلاء و قال: ان القبر لا يحتاج الي الخزانة، و انفق علي العسكر، فلما خرج قتل هو و ابنه الراشد [15] .



پاورقي

[1] الکامل 56 -55 /7.

[2] مقاتل الطالبيين: 597.

[3] مقاتل الطالبيين: 598 -597.

[4] مقاتل الطالبيين: 599 -598.

[5] في المصدر: الرخجي و في البحار: الرحجي.

[6] في المصدر: نصرة.

[7] مقاتل الطالبيين: 599.

[8] في حايشة البحار: الروزکاريون خ ل.

[9] امالي الطوسي: 209 -208 الطبع الحجري، البحار 398 /45.

[10] امالي الطوسي: 209، البحار 397 /45.

[11] الهايعة: الصوت تفزع «منه».

[12] امالي الطوسي: 210 -209، البحار 398 -397 /45.

[13] امالي الطوسي: 206.

[14] امالي الطوسي: 207، و فيه: الرخجي.

[15] البحار 401 /45 نقلا عن المناقب لابن شهر اشوب.