بازگشت

نذكر فيه وفاة معاوية بن أبي سفيان


قال المسعودي: و ذكر محمد بن اسحاق و غيره من نقلة الآثار ان معاوية دخل


الحمام في بده علته التي كانت وفاته فيها، فراي نحول جسمه فبكي لفنائه و ما قد اشرف عليه من الدثور الواقع بالخليفة و قال متمثلا:



اري الليالي اسرعت في نقضي

اخذن بعضي و تركن بعضي



حنين طولي و حنين عرضي

اقعدنني من بعد طول نهضي



و لما ازف امره و حان فراقه و اشتدت علته و آيس من برئه انشا يقول:



فيا ليتني لم اعن في الملك ساعة

و لم اك في اللذات اعشي النواظر



و كنت كذي طمرين عاش ببلغة

من الدهر حتي زار اهل المقابر [1] .



و قال الجزري: خطب معاوية قبل مرضه و قال: اني كزرع مستحصد و قد طالت امرتي عليكم حتي مللتكم و مللتموني و تمنيت و فراقكم و تمنيتم فراقي، و لن ياتيكم بعدي الا من انا خير منه كما ان من قبلي كان خيرا مني، وقد قيل: من احب لقاء اللَّه احب اللَّه لقاءه، اللهم اني قد احببت لقاءك فاحبب لقائي و بارك لي فيه.

فلم يمض قليل حتي ابتدا به مرضه، فلما مرض المرض الذي مات فيه دعا ابنه يزيد فقال: يا بني اني قد كفيتك الشد و ارتحال و وطات لك الامور و ذللت لك الاعداء و اخضعت لك رقاب العرب وجمعت لك ما لم يجمعه احد، فانظر اهل الحجاز فانهم اصلك و اكرم من قدم عليك منهم و تعاهد من غاب، و انظر اهل العراق فان سالوك ان تعزل عنهم كل يوم عاملا فافعل فان عزل عامل ايسر من ان يشهر عليك مائة الف سيف، و اظنر اهل الشام فليكونوا بطانتك و عيبتك فان رابك من عدوك شي ء فانتصر بهم فاذا اصبتهم فاردد اهل الشام الي بلادهم فانهم ان اقاموا بغير بلادهم تغيرت اخلاقهم، و اني لست اخاف عليك ان ينازعك في هذا الامر الا اربعة نفر من قريش: الحسين بن علي و عبداللَّه بن عمر و عبداللَّه بن الزبير و عبدالحرمن بن أبي بكر، فاما ابن عمر فانه رجل قد و قذته العبادة فاذا لم يبق احد غيره بايعك، و اما الحسين بن علي فهو رجل خفيف ولن يتركه اهل العراق


حتي يخرجوه فان خرج و ظفرت به فاصفح عنه فان له رحما ماسة و حقا عظيما و قرابة من محمد صلي اللَّه عليه و آله، واما ابن أبي بكر فان راي اصحابه صنعوا شيئا صنع مثله ليس له همة الا في النساء و الله و، و اما الذي يجثم لك جثوم الاسد و يراوغك مراوقة الثعلب فان امكنته فرصة و ثب فذاك ابن الزبير فان هو فعلها بك فظفرت به فقطعه اربا اربا و احقن دماء قومك ما استطعت.

هكذا في هذه الرواية ذكر عبدالرحمن بن أبي بكر و ليس بصحيح، فان عبدالحرمن بن أبي بكر كان قد مات قبل معاوية.

و قيل: ان يزيد كان غائبا في مرض ابيه و موته، و ان معاوية احضر الضحاك ابن قيس و مسلم بن عقبة المري فامرهما ان يؤديا عنه هذه الرسالة الي يزيد ابنه و هو الصحيح.

ثم ساق الكلام الي ان قال: و كانفي مرضه ربما اختلط في بعض الاوقات فقال مرة: كم بيننا و بين الغوطة. فصاحت بنته و احزناه، فافاق فقال: ان تنفري [2] فقد رايت منفرا. فلما مات خرج الضحاك بن قيس حتي صعد المنبر و اكفان معاوية علي يديه، فحمد اللَّه و اثني عليه ثم قال: ان معاوية كان عود العرب و حد العرب وجد العرب، قطع اللَّه به افتنة و ملكه علي العباد و فتح به البلاد، الا انه قد مات و هذه اكفانه و نحن مدرجوه فيها و مدخلوه قبره و مخلون بينه و بين عمله، ثم هو الهرج الي يوم القيامة، فمن كان يريد ان يشهده فعند الاولي. و صلي عليه الضحاك.

و قيل: لما اشتد مرضه- اي مرض معاوية- كان ولده يزيد بحوارين [3] ، فكتبوا اليه يحثونه علي المجي ء ليدركه، فقال يزيد شعرا:



جاء البريد بقرطاس يخب به

فاوجس القلب من قرطاسه فزعا



قلنا لك الويل ماذا في كتابكم

قال الخليفة امسي مثبتا وجعا




الابيات. فاقبل يزيد [4] و قد دفن فاتي قبره فصلي عليه [5] .


پاورقي

[1] مروج الذهب 49/3.

[2] النفر اسم من الانفار يضرب لمن يفزع من شي‏ء يحق ان يفزع«منه».

[3] حوارين بضم المهملة و تشديد الواو و کسر الراء، و قيل بفتحها، من قري حلب معروفة«منه».

[4] ام‏يزيد ميسون بنت بجدل و کنيته ابوخالد و کان آدم جعدا مهضوما احور العين بوجهه آثار جدري، و اولاده معاوية و خالد و ابوسفيان امهم فاختة بنت أبي‏هاشم بن عتبة بن ربيعة و عبداللَّه و عمر «منه».

[5] الکامل لابن‏الاثير 9-5 /4.