بازگشت

السبايا الي الشام


و بعث ابن زياد رسولا الي يزيد يخبره بقتل الحسين و من معه و أن عياله في الكوفة و ينتظر امره فيهم، فعاد الجواب بحملهم و الرؤوس معهم [1] .

و كتب رقعة ربط فيها حجرا و رماه في السجن المحبوس فيه آل محمد صلي الله عليه و آله و فيها خرج البريد الي يزيد بأمركم في يوم كذا و يعود في كذا، فاذا سمعتم التكبير فأوصوا و الا فهو الامان، و رجع البريد من الشام يخبر بأن يسرح آل الحسين الي الشام [2] .

فأمر ابن زياد زجر بن قيس و أبابردة بن عوف الازدي و طارق بن ظبيان في جماعة من الكوفة أن يحملوا رأس الحسين و رؤوس من قتل معه الي يزيد [3] .

و قيل ذهب برأس الحسين مجبر بن مرة بن خالد بن قناب بن عمر بن قيس ابن الحرث بن مالك بن عبيدالله بن خزيمة بن لوي [4] .

و سرح في أثرهم علي بن الحسين مغلولة يديه الي عنقه و عياله معه [5] علي


حال تقشعر منها الابدان [6] .

و كان معهم شمر بن ذي الجوشن و مجفر بن ثعلبة العائدي [7] و شبث بن ربعي و عمرو بن الحجاج و جماعة و أمرهم أن يلحقوا الرؤوس و يشهروهم في كل بلد يأتونها [8] فجدوا السير حتي لحقوا بهم في بعض المنازل [9] .

و حدث ابن لهيعة انه رأي رجلا متعلقا بأستار الكعبة يستغيث بربه ثم يقول: و لا أراك فاعلا، فأخذته ناحية و قلت: انك لمجنون فان الله غفور رحيم، و لو كانت ذنوبك عدد القطر لغفرها لك.

قال لي: اعلم كنت ممن سار برأس الحسين الي الشام، فاذا أمسينا وضعنا الرأس و شربنا حوله. و في ليلة كنت أحرسه و أصحابي رقود فرأيت برقا و خلقا أطافوا بالرأس ففرعت و أدهشت و لزمت السكوت فمسعت بكاءا و عويلا و قائلا يقول: يا محمد ان الله أمرني أن أطيعك فلو أمرتني أن ازلزل بهؤلاء الارض كما فعلت بقوم لوط فقال له: يا جبرئيل ان لي موقفا معهم يوم القيامة بين يدي ربي سبحانه.

فصحت يا رسول الله الامان فقال لي: اذهب فلا غفر الله لك فهل تري الله يغفر لي؟ [10] .

و في بعض المنازل وضعوا الرأس المطهر فلم يشعر القوم الا و قد ظهر قلم حديد من الحائط و كتب بالدم [11] .




أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب



فلم يعتبروا بهذه الآية و أرداهم العمي الي مهوي سحيق و نعم الحكم الله تعالي.

و قبل أن يصلوا الموضع بفرسخ وضعوا الرأس علي صخرة هناك فسقطت منه قطرة دم علي الصخرة فكانت تغلي كل سنة يوم عاشوراء و يجتمع الناس هناك من الاطراف فيقيمون المأتم علي الحسين و يكثر العويل حولها و بقي هذا الي أيام عبدالملك بن مروان فأمر بنقل الحجر فلم ير له أثر بعد ذلك ولكنهم بنوا في محل الحجر قبة سموها «النقطة» [12] .

و كان بالقرب من «حماه» في بساتينها مسجد يقال له مسجد الحسين و يحدث القومة ان الحجر و الاثر و الدم موضع رأس الحسين حين ساروا به الي دمشق [13] .

و بالقرب من (حلب) مشهد يعرف «بمسقط السقط» [14] و ذلك ان حرم


الرسول (ص) لما وصلوا الي هذا المكان اسقطت زوجة الحسين سقطا كان يسمي (محسنا) [15] .

و في بعض المنازل نصبوا الرأس علي رمح الي جنب صومعة راهب و في اثناء الليل سمع الراهب تسبيحا و تهليلا و رأي نورا ساطعا من الرأس المطهر و سمع قائلا يقول: السلام عليك يا اباعبدالله فتعجب حيث لم يعرف الحال.

و عند الصباح استخبر من القوم قالوا انه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب و امه فاطمة بنت محمد النبي (ص) فقال لهم: تبا لكم أيتها الجماعة صدقت الاخبار في قولها اذا قتل تمطر السماء دما.

و أراد منهم أن يقبل الرأس فلم يجيبوه الا بعد أن دفع اليهم دراهم ثم أظهر الشهادتين و أسلم ببركة المذبوح دون الدعوة الالهية و لما ارتحلوا عن هذا المكان نظروا الي الدارهم و اذا مكتوب عليها:

«و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» [16] .



أيهدي الي الشامات رأس ابن فاطم

و يقرعه بالخيزرانة كاشحه



و تسبي كريمات النبي حواسرا

تغادي الجوي من ثكلها و تراوحه



يلوح لها رأس الحسين علي القنا

فتبكي و ينهاها عن الصبر لائحه



و شيبته مخضوبة بدمائه

يلاعبها غادي النسيم و رائحه [17]




پاورقي

[1] اللهوف ص 95 و 97.

[2] الطبري ج 6 ص 266، و في ص 96 ذکر ان ابابکرة أجله بسر بن ارطاة اسبوعا علي ان يذهب الي معاوية فرجع من الشام في اليوم السابع. و في مثير الاحزان لابن‏نما ص 74 ان عميرة ارسله عبدالله بن عمر الي يزيد و معه کتاب الي ابن‏زياد ليطلق سراح المختار الثقفي، فکتب يزيد بذلک الي عبيدالله بن زياد، فجاء عميرة بالکتاب الي الکوفة و قد قطع المسافة بين الشام و الکوفة باحد عشر يوما.

[3] الطبري ج 6 ص 264 و ابن‏الاثير ج 4 ص 34 و البداية ج 8 ص 191 و الخوارزمي و ارشاد المفيد و اعلام الوري ص 149 و اللهوف ص 97.

[4] الاصابة ج 3 ص 489 بترجمة مرة.

[5] تاريخ الطبري ج 6 ص 254 و الخطط المقريزية ج 2 ص 288.

[6] تاريخ القرماني ص 108 و في مرآة الجنان لليافعي ج 1 ص 134 سيقت بنات الحسين بن علي و معهم زين‏العابدين و هو مريض کما تساق الااري قاتل الله فاعل ذلک، و خالف ابن‏تيمية ضرورة التاريخ فقال کما في المنتقي من منهاج الاعتدال للذهبي ص 288 سير ابن‏زياد حرم الحسين بعد قتله الي المدينة.

[7] في جمهرة انساب العرب لابن‏حزم ص 165 قال: بنوعائدة منهم مجفر بن مرة بن خالد بن عامر بن قبان بن عمرو بن قيس بن الحارث بن مالک بين عبيد بن خزيمة بن لؤي، و هو الذي حمل رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما الي الشام.

[8] المنتخب للطريحي ص 339 الطبعة الثانية.

[9] الارشاد للمفيد.

[10] اللهوف ص 98.

[11] مجمع الزوائد لابن‏حجر ج 9 ص 199 و الخصائص للسيوطي ج 2 ص 127 و تاريخ ابن‏عساکر ج 4 ص 342 و الصواعق المحرقة ص 116 و الکواکب الدرية ج 1 ص 57 و الاتحاف بحب الاشراف ص 23 و نسبه ابن‏طاووس في اللهوف ص 98 الي تاريخ بغداد لابن‏النجار و في تاريخ القرماني ص 108: و صلوا الي دير في الطريق فنزلوا فيه ليقيلوا به فوجدوا مکتوبا علي بعض جدرانه هذا البيت و في الخطط المقريزية ج 2 ص 285 کتب هذا قديما و لا يدري قائله. و في مثير الاحزان لابن‏نما ص 53: حفروا في بلاد الروم حفرا قبل أن يبعث النبي (ص) بثلثمائة سنة فأصابوا حجرا مکتوب عليه بالمسند هذا البيت و المسند کلام اولاد شيث.

[12] نفس المهموم ص 228 للشيخ الجليل الشيخ عباس القمي و في نهر الذهب في تاريخ حلب ج 3 ص 23 لما جي‏ء برأس الحسين مع السبايا و وصلوا الي هذا الجبل غربي حلب قطرت من الرأس الشريف قطرة دم و عمر علي أثرها مشهد عرف (بمشهد النقطة) و فيه ج 3 ص 280 نقل من تاريخ يحيي بن ابي طي من عمر هذا المشهد و توالي العمارات عليه.

و في کتاب الاشارات الي معرفة الزيارات تأليف ابي‏الحسن علي بن ابي‏بکر الهروي المتوفي سنة 611 ص 66 في مدينة نصيبين مشهد النقطة يقال انه من دم رأس الحسين (ع) و في سوق النشابين مشهد الرأس فانه علق هناک لما عبروا بالسبي الي الشام.

[13] قال الشيخ المحدث الجليل الشيخ عباس القمي في نفس المهموم شاهدت هذا الحجر عند سفري الي الحج و سمعت الخدم يتحدثون بذلک.

[14] في معجم البلدان ج 3 ص 173 و خريدة العجائب ص 128 يسمي مشهد الطرح و في نهر الذهب ج 2 ص 278 سمي مشهد الدکة و مشهد الطرح يقع غربي حلب و حکي عن تاريخ ابن ابي‏طي ان مشهد الطرح ظهرت عمارته سنة 351 بامر من سيف الدولة و ذکر بعضهم ان احدي نساء الحسين اسقطت هنا لما جي‏ء بسبي عيال الحسين و الرؤوس و کان هنا معدن، و اهله لما فرحوا بالسبي دعت عليهم (زينب) ففسد ذلک المعدن فعمره سيف الدولة! ثم ذکر توالي العمارات عليه.

[15] في معجم البلدان ج 3 ص 173 بمادة جوشن و خريدة العجائب لابن‏الوردي ص 128 عن ذکر جبل جوشن ان بعض سبي الحسين طلب ممن يقطن هناک من الصناع خبزا و ماء فامتنع فدعا عليهم و من ذلک لا يربح اهل ذلک الموضع.

[16] تذکرة الخواص ص 150.

[17] للعلامة الشيخ عبدالحسين الاعسم النجفي رحمه الله.