بازگشت

عبدالله بن جعفر


قال ابن جرير: لما ورد نعي الحسين جلس عبدالله بن جعفر للعزاء و أقبل الناس يعزونه فقال مولاه (ابواللسلاس) [1] هذا ما لقيناه من الحسين!! فحذفه بنعله و قال يا ابن اللخناء أللحسين تقول ذلك؟! و الله لو شهدته لأحببت أن لا افارقه حتي اقتل معه، و الله انه لمما يسخي بنفسي عن ولدي و يهون علي المصاب بهما أنهما اصيبا مع أخي و ابن عمي مواسيين له صابرين معه ثم أقبل علي جلسائه و قال الحمد لله لقد عز علي المصاب بمصرع الحسين أن لا أكون واسيته بنفسي، فلقد واساه ولداي [2] ... و من عجب التاريخ حديث البلاذري [3] و المحسن التنوخي [4] وفود عبدالله بن جعفر علي (يزيد) و اكرامه اياه بأكثر مما يكرمه ابوه معاوية.

ان من يدرس نفسية ابن جعفر يتجلي له كذب القصة التي ارسلها المدائني و استند اليها البلاذري و التنوخي! فان الواقف علي الرجال الموتورين لا يعدون الجزم بالتهاب قلوبهم نارا علي واترهم و يترقبون الفرص للأخذ بالثأر!...

يشهد له حديث عبدالله بن ابي بن سلول مع النبي، و ذلك ان (ابيا) لما صدر منه ما حكاه الكتاب العزيز (لئن رجعنا الي المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل) [5] فجاء عبدالله الي نبي الاسلام و قال لقد بلغتك هذه الكلمة من أبي


قال نعم فقال انك تعلم ما أحد بار بأبيه مثلي، فان اردت قتله فامرني به، لأني أخاف ان تأمر غيري و لا احب ان أنظر الي قاتل أبي فاعدو عليه فاقتله و اكون في النار [6] ... و هذه القصة تعطينا صورة نيرة عما عليه البشر من احتدام اولياء المقتول علي القاتل و تربصهم الفرص للأخذ بالثأر منه، و لو كان القتل من جهة الشرك... و لهذه الغريزة المطبوعة عليها جبلة الناس كان عمر بن الخطاب يقول لسعيد بن العاص و قد اجتمع عنده في بعض الليالي هو و عثمان و علي و ابن عباس، ما لك معرضا عن كأني قتلت اباك! اني لم اقتله ولكن اباحسن قتله، فقال اميرالمؤمنين اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه و محا الاسلام ما قبله، فلماذا تهيج القلوب يا عمر؟! فقال سعيد: لقد قتله كفؤ كريم و هو احب الي من أن يقتله من ليس من عبدمناف. [7] .

لم يكن من الهين علي سعيد قتل أبيه و ان كان كافرا و قتل بسيف الدعوة المحمدية و القاتل شريف جم المناقب و لم يحفزه علي اراقة دمه الا نداء الرب جل و علا الموحي به الي رسول السماء، غير ان الخوف من صارم العدل حتم عليه التظاهر بالرضا مع انحناء اضالعه علي أحر من جمر الغضا مرتقبا الفرصة في الأخذ بثأره، و قد ظهرت نار البغض علي لسان ولده عمرو بن سعيد (الاشدق) يوم تولي المدينة من قبل يزيد فلقد واجه ضريح النبي (ص) بلسان طويل مجاهر بقوله: يوم بيوم بدر يا رسول الله! و لما سمع صراخ نساء بني هاشم علي سيد شباب أهل الجنة قال: واعية بواعية عثمان [8] .

فعبدالله بن جعفر يتقد قلبه نارا علي ابن ميسون و يود لو تمكنه الفرصة و تأخذ المقادير الي تدميره و القضاء عليه و علي أهله و ذويه... و مهما يكن ناسيا للاشياء فلا ينسي قتله (أبي الضيم) و نجوم الأرض من آل عبدالمطلب و البهاليل من صحبه، ثم نكته بالقضيب ثنايا ريحانة رسول الله (ص)! و هل يستطيع ابن جعفر و الحالة هذه أن يبصر يزيد و سيفه يقطر من دمائهم و قد صك سمعه اظهاره الشماتة بنبي الاسلام:




قد قتلنا القرم من ساداتهم

و عدلنا ميل بدر فاعتدل



ثم الي انكاره الرسالة:



لعيت هاشم بالملك فلا

خبر جاء و لا وحي نزل



و هل ينسي ابن جعفر ليله و نهاره وقوف حرائر النبوة بحالة يتصفح وجوهها القريب و البعيد و اهل المناهل و المعاقل... و الذي يهون الأمر أن المرسل للحديث هو المدائني (الاموي النزعة) و الولاء، و كتابه مملوء بالاحاديث الرافعة للبيت الاموي و الواضعة من كرامة البيت العلوي لا يلتفت اليها الا العارف بأخبار الرجال و شخصيات الرواة.


پاورقي

[1] في الارشاد للشيخ المفيد و کشف الغمة للاربلي ص 194 ابوالسلاسل.

[2] تاريخ الطبري ج 6 ص 218.

[3] أنساب الاشراف ج 4 ص 3.

[4] المتسجاد من فعلات الأجواد ص 22.

[5] سورة المنافقين / 63.

[6] اسد الغابة ج 3 ص 97.

[7] شرح النهج لابن أبي‏الحديد ج 3 ص 335 طبع أول مصر و تهذيب تاريخ ابن‏عساکر ج 6 ص 134 ترجمة سعيد بن العاص.

[8] راجع ما تقدم بعنوان (عمرو الأشدق) من کتابنا هذا.