بازگشت

ام البنين


لم اعثر علي نص يوثق به يدل صراحة علي حياة ام البنين يوم الطف، و ما


يذكر لحياتها في ذلك اليوم مرده اقوال ثلاثة:

الأول: قول العلامة محمد حسن القزويني في رياض الاحزان (ص 60 (اقيم العزاء و المصيبة في دار ام البنين زوجة اميرالمؤمنين و ام العباس و اخوته.

الثاني: قول السماوي في ابصار العين ص 31 الطبعة الأولي: و أنا استرق جدا من رثاء امه فاطمة ام البنين الذي انشده ابوالحسن الاخفش في شرح الكامل، و قد كانت تخرج الي البقيع يوم ترثيه و تحمل ولده عبدالله فيجتمع لسماع رثائها اهل المدينة و فيهم مروان بن الحكم فيبكون لشجي الندبة ا ه.

الثالث: رواية أبي الفرج في مقاتل الطالبيين في مقتل العباس عن محمد ابن علي بن حمزة عن النوفلي عن حماد بن عيسي الجهني عن معاوية بن عمار عن جعفر أن ام البنين ام الاخوة الاربعة القتلي تخرج الي البقيع تندب بنيها أشجي ندبة و احرقها فيجتمع الناس اليها ليسمعوا منها، و كان مروان يجي ء فيمن يجي ء لذلك فلا يزال يسمع ندبته ا ه.

هذا كل ما وجدناه مما يمكن ان يكون مصدرا لحياتها يوم الطف فالأول لا دلالة فيه فان غايته ان العزاء أقيم في دار ام البنين، و اما كونها موجودة فلا صراحة فيه علي انه لا يعدو الحكاية التي سجلها ابوالفرج و أخذها قليل التفكير في التنقيب. و الثاني: و اضح الدلالة علي استقائه من أبي الفرج فان نص (ابصار العين) للسماوي مثل ما في مقاتل الطالبيين و اذا فلا يعد رأيا ثانيا...

و شرح الكامل المنسوب للاخفش لم أجد واحدا من أرباب التراجم ناصا عليه مع فحصي الكثير التراجم كل من سمي بالأخفش. و اما الشيخ السماوي فكثيرا ما سألته عن مصدر هذا الشرح فلم أجد منه الا السكوت، و قد صارحته بمعتقدي في كون (الابيات) له و أراد تمشية الكلام بهذا البيان فعلي المولي سبحانه أجره...!

و مثله المجلسي في البحار ج 10 ص 201 حاكيا عن أبي الفرج و حديث أبي الفرج في هذه القصة فيه امور:


1 - ان رجال اسناده لا يعبأ بهم، فان النوفلي و هو يزيد بن المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبدالمطلب بن هاشم ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 11 ص 347 و حكي عن أحمد ان عنده مناكير، و عند أبي زرعة ضعيف الحديث و عامة ما يرويه غير محفوظ، و قال ابوحاتم منكر الحديث جدا و قال النسائي متروك الحديث...

و معاوية بن عمار بن أبي معاوية في تهذيب التهذيب ج 10 ص 214 قال ابوحاتم لا يحتج بحديثه، و ان اريد غير هذا فمجهول.

2- ان ام البنين اقتبست من سيد الأوصياء و من سيدي شباب أهل الجنة المعارف الالهية و الآداب المحمدية ما يأخذ بها الي أسمي درجة من اليقين فلا يصدر منها ما لا يتفق مع قانون الشريعة الناهي عن تعرض المرأة للاجانب تحريما أو تنزيها اذا لم تكن ضرورة هناك، و من البديهي ان اللازم للمرأة عند ندبة فقيدها الجلوس في بيتها و التحصن به عن رؤية الاجانب لها و سماع صوتها الذي لم تدع الضرورة اليه، و اذا كان السجاد عليه السلام يقول لأبي خالد الكابلي حينما تعجب من فتح باب الدار، يا أباخالد ان جارة لنا خرجت و لا علم لها بالتواء الباب و لا يجوز لبنات رسول الله أن يخرجن فيصفقن الباب [1] .

و اذا من تربي في بيتهم و تأدب بآدابهم لا يمرق عن طريقتهم و لا يمكن التشكيك في تجاوز ام البنين الحدود الالهية التي وضعتها الشريعة في أعناق النساء.

و اما الصديقة الزهراء فقد الجأها شيوخ المدينة علي الخروج الي البقيع لندبة أبيها (ص) فصنع لها اميرالمؤمنين بيتا من جريد النخل تتحصن به من الاجانب سماه (بيت الاحزان) [2] و لم ينقل المؤرخون ان الناس يحضرون


لسماع ندبتها فيبكون علي افول شمس النبوة و انقطاع وحي السماء و طموس النصائح الالهية.

3- ان المرأة انما تبكي فقيدها في الجبانة اذا كان مقبورا هناك و لم ينقل أحد خروج المرأة الي المقبرة علي حميمها و هو مدفون في غيرها و العادة متساوية في جميع العصور... و نسبة (أبي الفرج) خروج ام البنين الي البقيع فرية واضحة اذ لا شاهد عليها و غايته التعريف بأن مروان بن الحكم رقيق القلب فاستدرار الدمعة انما يتسبب من انفعال النفس بتصور العدوان الوارد علي من يمت بحميمه بنحو من أسباب الصلة فيحتدم القلب و تهيج العاطفة فسريع الدمعة تهمل عينه و عصيها تجيش نفسه بالبكاء، و مروان بن الحكم هو المتشفي بقتل الحسين و قد أظهر الفرح و الشماتة بقوله لما نظر الي رأس الحسين:



يا حبذا بردك في اليدين

و لونك الاحمر في الخدين



كأنه بات بعسجدين

شفيت نفسي من دم الحسين



4- ان اباالفرج في (المقاتل) ناقض نفسه حيث قال في مقتل العباس (ع) و كان آخر من قتل من اخوته من امه و ابيه فحاز مواريثهم ا ه.

و روايته هذه توافق النص الذي سجله مصعب الزبيري في نسب قريش ص 43 فانه قال: ورث العباس اخوته اذ لم يكن لهم ولد و ورث العباس ابنه عبيدالله و كان محمد و عمر حيين فسلم محمد لعبيدالله ميراث عمومته و امتنع عمر حتي صولح و رضي من حقه ا ه. و قال ابونصر البخاري في سر السلسلة العلوية ص 89 المطبعة الحيدرية بالنجف لما كان يوم الطف قدم الحسين اخوة العباس جعفرا و عثمان و عبدالله فقتلوا جميعا فورثهم العباس ثم قتل العباس فورثهم جميعا ابنه عبيدالله بن العباس، و هذا يفيدنا وثوقا بوفاة ام البنين يوم الطف فانها لو كانت موجودة لكان ميراث اخوة العباس مختصا بها لكونها امهم و لا يرثهم العباس حتي ينتقل الي ولده عبيدالله و عدم منازعة (محمد بن الحنفية) لعبيدالله في ميراث عمومته علي وفق الشريعة، لان العباس يتصل باخوته الشهداء بسببين: الأب و الام، و محمد يتصل بهم من جهة الاب، و ذو السببين يقدم في الميراث، و لم يفقه (عمر الاطرف) وجه المسألة و هو ابن علي باب مدينة العلم، و كان عليه ان يراجع امام الامة زين العابدين كي لا يقع في


الهلكة، ان كان ما ينسب اليه من المنازعة صحيحا و لعل ما يذكر في عمدة الطالب طبع النجف يؤيد هذه النسبة و ذلك انه خرج الي الناس في ثياب معصفرة يقول: «انا الرجل الحازم حيث لم أخرج فاقتل» و قد وضح التناقض في كلام أبي الفرج فان تسجيل خروج (ام البنين) الي البقيع و ندبتها اولادها يدل علي حياتها يوم الطف، ثم نصه علي ميراث العباس لاخوته يشهد بوفاتها ذلك اليوم... و كم له من هفوات!


پاورقي

[1] مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ص 318 حديث 86.

[2] في الاشارات لمعرفة الزيارات لابي‏محسن علي بن أبي‏بکر الهروي ص 93 بيت الاحزان في البقيع لفاطمة (ع) و في وفاء الوفاء للسمهودي ج 2 ص 103 طبع مصر سنة 1316 ه عن ابن‏جبير، بالقرب من قبة العباس بيت الحزن الذي تأوي اليه فاطمة عند وفاة أبيها و التزمت الحزن فيه. و في المختار من نوادر الاخبار لأبي‏عبدالله محمد بن أحمد المقري الانباري علي هامش العلوم لابي‏بکر الخوارزمي ص 191 ط اولي سنة 1310 ه ان عليا (ع) صنع للزهراء بيتا من جريد النخل بظاهر المدينة تبکي فيه علي أبيها. و في فتح القدير لابن‏همام الحنفي ج 2 ص 328 يصلي في مسجد فاطمة بنت رسول الله بالبقيع و هو المعروف ببيت الاحزان.