في قصر الامارة
في كتاب صفين لنصر بن مزاحم ص 8 طبع مصر لما دخل علي (ع) الكوفة قيل أي القصرين ننزلك؟ قال: قصر الخبال لا تنزلونيه! فنزل علي جعدة بن هبيرة المخزومي. و الخبال كما في الفائق للزمخشري و النهاية لابن لاثير و مقاييس اللغة لابن فارس مادة (خبل) الخبل الفساد و حراقة صديد اهل النار، و المراد هنا منزل اهل الجور و الفساد.@ لما رجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة و دخل قصر الامارة [1] و وضع امامه الرأس المقدس سالت الحيطان دما [2] و خرجت نار من بعض نواحي القصر و قصدت سرير ابن زياد [3] فولي هاربا منها و دخل بعض بيوت القصر فتكلم الرأس الازهر بصوت جهوري سمعه ابن زياد و بعض من حضر.
«الي اين تهرب فان لم تنلك في الدنيا فهي في الآخرة مثواك» و لم يسكت حتي ذهبت النار! و ادهش من في القصر لهذا الحادث الذي لم يشاهد مثله [4] و لم يرتدع ابن زياد لهذا الحادث بل اذن للناس اذنا عاما و امر بادخال السبايا مجلسه فادخلت عليه حرم رسول الله بحالة تقشعر لها الجلود [5] .
ابرزت حاسرة لكن علي
حالة لم تبق للجلد اصطبارا
لا خمار يستر الوجه و هل
لكريمات الهدي ابقوا خمارا
لا و من ألبسها من نوره
ازرا مذ سلبوا عنها الازارا
لم تدع «يا شلت الايدي» لها
من حجاب فيه عنهم تتواري [6] .
و وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه و جعل ينكت بالقضيب ثناياه
ساعة فقال له زيد ابن ارقم: ارفع القضيب عن هاتين الشفتين فو الله الذي لا اله الا هو لقد رأيت شفتي رسول الله علي هاتين الشفتين يقبلهما ثم بكي فقال له ابن زياد: أبكي الله عينيك فو الله لو لا انك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك! فخرج زيد من المجلس و هو يقول: ملك عبد عبدا فاتخذهم تلدا، انتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة و امرتم ابن مرجانة يقتل خياركم و يستعبد شراركم فرضيتم بالذل فبعدا لمن رضي بالذل [7] .
و انحازت زينب ابنة اميرالمؤمنين (ع) عن النساء و هي متنكرة لكن جلال النبوة و بهاء الامامة المنسدل عليها استلفت نظر ابن زياد فقال: من هذه المتنكرة؟
قيل له: ابنة اميرالمؤمنين «زينب العقيلة».
فأراد ان يحرق قلبها بأكثر مما جاء اليهم فقال متشمتا: الحمد لله الذي فضحكم و قتلكم و أكذب احدوثتكم.
فقالت عليهاالسلام: الحمد لله الذي اكرمنا بنبيه محمد و طهرنا من الرجس تطهيرا، انما يفتضح الفاسق. و يكذب الفاجر. و هو غيرنا.
قال ابن زياد: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟
قالت عليهاالسلام: ما رأيت الا جميلا. هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الي مضاجعهم و سيجمع الله بينك و بينهم فتحاج و تخاصم [8] فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا ابن مرجانة [9] .
فغضب ابن زياد و استشاط من كلامها معه في ذلك المحتشد و هم بها
فقال له عمرو بن حريث: انها امرأة و هل تؤاخذ بشي ء من منطقها. و لا تلام علي خطل!
فالتفت اليها ابن زياد و قال: لقد شفي الله قلبي من طاغيتك و العصاة المردة من أهل بيتك.!
فرقت «العقيلة» و قالت: لعمري لقد قتلت كهلي و ابرزت اهلي و قطعت فرعي و اجتثثت اصلي فان يشفك هذا فقد اشتفيت [10] .
و التفت الي علي بن الحسين و قال له: ما اسمك قال: انا علي بن الحسين فقال له: او لم يقتل الله عليا؟
فقال السجاد (ع): كان لي أخ اكبر مني [11] يسمي عليا قتله الناس فرد عليه ابن زياد بأن الله قتله.
قال السجاد: الله يتوفي الانفس حين موتها و ما كان لنفس ان تموت الا باذن الله.
فكبر علي ابن زياد ان يرد عليه فأمر ان تضرب عنقه.
لكن عمته العقيلة اعتنقته و قالت: حسبك يا ابن زياد من دمائنا ما سفكت و هل ابقيت احدا [12] غير هذا فان اردت قتله فاقتلني معه.
فقال السجاد (ع): أما علمت ان القتل لنا عادة و كرامتنا من الله الشهادة [13] فنظر ابن زياد اليهما و قال: دعوه لها عجبا للرحم ودت انها تقتل معه [14] .
و اخذت الرباب زوجة الحسين الرأس و وضعته في حجرها و قبلته و قالت:
وا حسينا فلا نسيت حسينا
اقصدته اسنة الاعداء
غادروه بكربلاء صريعا
لا سقي الله جانبي كربلاء [15]
و لما وضح لابن زياد و لولة الناس و لغط اهل المجلس خصوصا لما تكلمت معه زينب العقيلة خاف هياج الناس فأمر الشرطة بحبس الاساري في دار الي جنب المسجد الاعظم [16] قال حاجب ابن زياد: كنت معهم حين امر بهم الي السجن فرأيت الرجال و النساء مجتمعين يبكون و يلطمون وجوههم [17] .
فصاحت (زينب) بالناس لا تدخل علينا الا مملوكة او ام ولد فانهن سبين كما سبينا [18] تشير الحوراء العقيلة الي ان المسبية تعرف مضض عناء الذل فلا يصدر منها غير المحمود من شماتة و غيرها و هذا شي ء معروف لا ينكر فقد ورد ان جساس بن مرة لما قتل كليب بن ربيعة و كانت اخت جساس زوجة كليب و اجتمع نساء الحي للمأتم علي كليب قلن لاخت كليب رحلي جليله من مأتمك فان قيامها فيه شماتة و عار علينا عند العرب فانك اخت و اترنا و قاتلنا فخرجت و هي تجر أذيالها و لما رحلت قالت اخت كليب: رحلة المعتدي و فراق الشامت [19] .
و دعا بهم ابن زياد مرة اخري فلا ادخلوا عليه رأين النسوة رأس الحسين بين يديه و الانوار الالهية تتصاعد من اساريره الي عنان السماء فلم تتمالك «الرباب» زوجة الحسين دون ان وقعت عليه تقبله و قالت:
ان الذي كان نورا يستضاء به
بكربلاء قتيل غير مدفون
سبط النبي جزاك الله صالحة
عنا و جنبت خسران الموازين
قد كنت لي جبلا صعبا الوذ به
و كنت تصحبنا بالرحم و الدين
من لليتامي و من للسائلين و من
يعني و يأوي اليه كل مسكين
و الله لا ابتغي صهرا بصهركم
حتي اغيب بين الماء و الطين [20]
پاورقي
[1] في لطائف المعارف للثعالبي ص 142 الباب التاسع روي عبدالملک بن عمير اللخمي قال رأيت في قصر الامارة رأس الحسين بن علي بن أبيطالب عند عبيدالله بن زياد علي ترس و رأيت رأس عبيدالله بن زياد عند المختار علي ترس و رأيت رأس المختار عند مصعب بن الزبير علي ترس و رأيت رأس مصعب بين يدي عبدالملک بن مروان علي ترس و لما حدثت بذلک عبدالملک تطير منه و فارق مکانه و رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 139 و سبط ابنالجوزي في تذکرة الخواص ص 148 ايران.
[2] تاريخ ابنعساکر ج 4 ص 339 و الصواعق المحرقة ص 116 و ذخائر العقبي ص 145 و ابنطاووس في الملاحم ص 128 طبع اول.
[3] کامل ابنالاثير ج 4 ص 103 و مجمع الزوائد لابنحجر ج 9 ص 196 و المقتل للخوارزمي ج 2 ص 87 و المنتخب للطريحي ص 339 المطبعة الحيدرية، و البداية لابنکثير ج 8 ص 286.
[4] شرح قصيدة ابيفراس ص 149.
[5] اخبار الدول ص 8 ج 1 لأبيالعباس أحمد بن يوسف بن أحمد القرماني.
[6] من قصيدة للسيد عبدالمطلب الحلي ذکرت في شعراء الحلة ج 3 ص 218.
[7] الصواعق المحرقة ص 118 و في تاريخ الطبري ج 6 ص 262 و البداية و النهاية لابنکثير ج 8 ص 190 و مجمع الزوائد ج 9 ص 195 و تاريخ ابنعساکر ج 4 ص 340 ذکروا انکاره عليه و لا ينافي کونه اعمي علي تقدير صحته لجواز انه سمع بذلک فانکر عليه. و عبارة ابنعساکر کان زيد حاضرا تؤيده.
[8] الطبري ج 6 ص 262.
[9] اللهوف ص 90.
[10] کامل ابنالاثير ج 4 ص 33 و مقتل الخوارزمي ج 2 ص 42 و تاريخ الطبري ج 6 ص 263 و ارشاد المفيد و اعلام الوري للطبرسي ص 141 و في کامل المبرد ج 3 ص 145 طبع سنة 1347 لقد افصحت زينب بنت علي و هي أسن من حمل الي ابنزياد و ابلغت و اخذت من الحجة حاجتها فقال ابنزياد لها ان تکوني بلغت من الحجة حاجتک فقد کان ابوک خطيبا شاعرا فقال ما للنساء و الشعر و کان ابنزياد الکنا يرتضخ الفارسية ا ه.
[11] نص عليه ابنجرير الطبري في المنتخب من الذيل ص 89 ملحق بالتاريخ ج 12 و ابوالفرج في المقاتل ص 49 ط ايران و الدميري في حياة الحيوان بمادة بغل و المنتخب للطريحي ص 238 المطبعة الحيدرية و نسب قريش لمصعب الزبيري ص 58 و ذکرنا في رسالة «علي الاکبر» ص 17 نصوص المؤرخين علي ان المقتول هو الاکبر.
[12] طبري ج 6 ص 263.
[13] اللهوف ص 91 و مقتل الخوارزمي ج 2 ص 13.
[14] ابنالاثير ج 4 ص 34.
[15] تذکرة الخواص ص 148 و من الاشتباه و عدم التدبر ما جاء في الحماسة البصرية ج 1 ص 214 رقم 18 باب المراثي نسبة هذين البيتين الي عاتکة بنت نفيل زوجة الحسين! فانه لم يذکر الثقات المؤرخين تزويج الحسين منها.
[16] الاغاني ج 4 ص 150.
[17] روضة الواعظين ص 163.
[18] اللهوف ص 92 و مقتل العوالم ص 130.
[19] اللهوف صفحة 91 و المقتل للخوارزمي ج 2 ص 43.
[20] الاغاني ج 14 ص 158 طبعة ساسي.