بازگشت

الدفن


ذكر اهل التاريخ ان سيدالشهداء افرد خيمة في حومة الميدان [1] و كان يأمر بحمل من قتل من صحبه و اهل بيته اليها، و كلما يؤتي بشهيد يقول عليه السلام: قتلة مثل قتلة النبيين و آل النبيين [2] .

الا أخاه أباالفضل العباس عليه السلام تركه في محل سقوطه قريبا من شط الفرات [3] .

و لما ارتحل عمر بن سعد بحرم الرسالة الي الكوفة ترك اولئك الذين وصفهم اميرالمؤمنين (ع) بأنهم سادة الشهداء في الدنيا و الآخرة لم يسبقهم سابق و لا يلحقهم لا حق [4] علي وجه الصعيد تصهرهم الشمس و يزورهم وحش الفلا.



قد غير الطعن منهم كل جارحة

الا المكارم في أمن من الغير



و بينهم سيد شباب أهل الجنة بحالة تفطر الصخر الاصم، غير ان الانوار الالهية تسطع من جوانبه و الأرواح العطرة تفوح من نواحيه.



و مجرح ما غيرت منه القنا

حسنا و لا اخلقن منه جديدا



قد كان بدرا فاغتدي شمس الضحي

مذ ألبسته يد الدماء لبودا



تحمي اشعته العيون فكلما

حاولن نهجا خلنه مسدودا



و تظله شجر القنا حتي ابت

ارسال هاجرة اليه بريدا [5]



و حدث رجل من بني أسد انه أتي المعركة بعد ارتحال العسكر فشاهد من


تلك الجسوم المضرجة انوارا ساطعة و ارواحا طيبة و رأي اسدا هائل المنظر يتخطي تلك الأشلاء المقطعة حتي اذا وصل الي هيكل القداسة و قربان الهداية تمرغ بدمه ولاذ بجسده و له همهمة و صياح فأدهشه الحال اذ لم يعهد مثل هذا الحيوان المفترس يترك ما هو طعمة أمثاله فاختفي في بعض الاكم لينظر ما يصنع فلم يظهر له غير ذلك الحال:

و مما زاد في بعض تحيره و تعجبه انه عند انتصاف الليل رأي شموعا مسرجة ملأت الارض و بكاءا و عويلا مفجعا [6] .

و في اليوم الثالث عشر من المحرم أقبل زين العابدين لدفن أبيه الشهيد عليه السلام لأن الامام يلي امره الا امام مثله [7] .

يشهد له مناظرة الرضا مع علي بن أبي حمزة فان اباالحسن (ع) قال له: اخبرني عن الحسين بن علي كان اماما؟ قال: بلي، فقال الرضا: فمن ولي امره؟ قال ابن أبي حمزة: تولاه علي بن الحسين السجاد فقال الرضا فأين كان علي بن الحسين؟ قال ابن أبي حمزة: كان محبوسا بالكوفة عند ابن زياد ولكنه خرج و هم لا يعلمون به حتي ولي أمر أبيه ثم انصرف الي السجن.

فقال الرضا: ان من مكن علي بن الحسين ان يأتي كربلا فيلي امر ابيه ثم ينصرف يمكن صاحب هذا الأمر ان يأتي بغداد فيلي امر ابيه و ليس هو في حبس و لا اسار.
و لما اقبل السجاد (ع) وجد بني اسد مجتمعين عند القتلي متحيرين لا يدرون ما يصنعون و لم يهتدوا الي معرفتهم و قد فرق القوم بين رؤوسهم و أبدانهم و ربما يسألون من اهلهم و عشيرتهم!!

فأخبرهم عليه السلام عما جاء اليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة و أوقفهم علي اسمائهم كما عرفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء و العويل، و سالت الدموع منهم كل مسيل و نشرت الأسديات الشعور و لطمن الخدود.

ثم مشي الامام زين العابدين الي جسد أبيه و اعتنقه و بكي بكاءا عاليا و اتي الي موضع القبر و رفع قليلا من التراب فبان قبر محفور و ضريح مشقوق فبسط كفيه تحت ظهره و قال: «بسم الله و في سبيل الله و علي ملة رسول الله صدق الله و رسوله ما شاء الله لا حول و لا قوة الا بالله العظيم».

و انزله وحده لم يشاركه بنواسد فيه و قال لهم: ان معي من يعينني. و لما اقره في لحده وضع خده علي منحره الشريف قائلا:

«طوبي لأرض تضمنت جسدك الطاهر، فان الدنيا بعدك مظلمة و الآخرة بنورك مشرقة، أما الليل فمسهد و الحزن سرمد أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي انت بها مقيم و عليك مني السلام يا ابن رسول الله و رحمة الله و بركاته».

و كتب علي القبر: «هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشانا غريبا».

ثم مشي الي عمه العباس عليه السلام فراه بتلك الحالة التي أدهشت الملائكة بين اطباق السماء و ابكت الحور في غرف الجنان و وقع عليه يلثم نحره المقدس قائلا: علي الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم و عليك مني السلام من شهيد محتسب و رحمة الله و بركاته.

و شق له ضريحا و أنزله وحده كما فعل بأبيه الشهيد و قال لبني أسد ان معي من يعينني!

نعم ترك مساغا لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء و عين لهم موضعين


و أمرهم أن يحفروا حفرتين و وضع في الاولي بني هاشم و في الثانية الأصحاب [8] .

و أما الحر الرياحي فأبعدته عشريته الي حيث مرقده الآن و قيل ان امه كانت حاضرة فلما رأت ما يصنع بالاجساد حملت الحر الي هذا المكان [9] .



و كان أقرب الشهداء الي الحسين ولده «الاكبر» عليه السلام و في ذلك يقول الامام الصادق لحماد البصري: قتل أبوعبدالله غريبا بأرض غربة يبكيه من زاره و يحزن له من لم يزره و يحترق له من لم يشهده و يرحمه من نظر الي قبر ابنه عند رجليه في ارض فلاة و لا حميم قربه ثم منع الحق و توازر عليه اهل الردة حتي قتلوه و ضيعوه و عرضوه للسباع و منعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب و ضيعوا حق رسول الله (ص) و وصيته به و بأهل بيته فأمسي مجفوا في حفرته صريعا بين قرابته و شيعته قد اوحش قربه في الوحدة و البعد عن جده و المنزل الذي لا يأتيه الا من امتحن الله قلبه للايمان و عرف حقنا.

و لقد حدثني ابي انه لم يخل مكانه منذ قتل من مصل عليه من الملائكة أو من الجن و الانس او من الوحوش و ما من احد الا و يغبط زائره و يتمسح به و يرجو في النظر اليه الخير لنظره الي قبره.

و ان الله تعالي ليباهي الملائكة بزائريه

و اما ما له عندنا فالترحم عليه كل صباح و مساء.

و لقد بلغني ان قوما من اهل الكوفة و ناسا غيرهم من نواحيها يأتونه في


النصف من شعبان فبين قاري ء يقرأ و قاص يقص و نادب يندب و نساء يندبنه و قائل يقول المراثي!

فقال حماد: قد شهدت بعض ما تصف.

قال عليه السلام: «الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد الينا و يمدحنا و يرثي لنا و جعل عدونا من يطعن عليهم و يهددونهم و يقبح ما يصنعون» [10] .



ثوي اليوم احماها عن الضيم جانبا

و اصدقها عند الحفيظة مخبرا



و اطعمها للوحش من جثث العدي

و اخضبها للطير ظفرا و منسرا



قضي بعد ما رد السيوف علي القنا

و مرهفه فيها و في الموت اثرا



و مات كريم العهد عند شبا القنا

يواريه منها ما عليه تكسرا



فان يمس مغبر الجبين فطالما

ضحي الحرب في وجه الكتيبة غبرا



و ان يقض ظمآنا تفطر قلبه

فقد راع قلب الموت حتي تفطرا



و ألقحها شعواء تشقي بها العدي

و لود المنايا ترضع الحتف ممقرا



فظاهر فيها بين درعين نثرة

و صبر، و درع الصبر اقواهما عري



سطا و هو احمي من يصون كريمة

و اشجع من يقتاد للحرب عسكرا



فرافده في حرمة الضرب مرهف

علي قلة الأنصار فيه تكثرا



تعثر حتي مات في الهام حده

و قائمه في كفه ما تعثرا



كأن أخاه السيف اعطي صبره

فلم يبرح الهيجاء حتي تكسرا



له الله مفطورا م الصبر قلبه

و لو كان من صم الصفا لتفطرا



و منعطف أهوي لتقبيل طفله

فقبل منه قبل السهم منحرا



لقد ولدا في ساعة هو و الردي

و من قبله في نحره السهم كبرا



و في السبي مما يصطفي الخدر نسوة

يعز علي فتيانها أن تسيرا



حمت خدرها تقضي و ودت بنومها

ترد عليها جفنها لا علي الكري



مشي الدهر يوم الطف اعمي فلم يدع

عمادا لها الا و فيه تعثرا



و جشمها المسري ببيداء قفرة

و لم تدر قبل الطف ما البيد و السري



و لم تر حتي عينها ظل شخصها

الي ان بدت في الغاضرية حسرا [11]





پاورقي

[1] تاريخ الطبري ج 6 ص 256، و کامل ابن‏الاثير ج 4 ص 30 و ارشاد الشيخ المفيد.

[2] حکاه في البحار ج 10 ص 211 و ج 13 ص 125 عن غيبة النعماني.

[3] نص عليه جماعة من المؤرخين أنظر کتابنا «قمر بني‏هاشم» ص 115 ط المطبعة الحيدرية في النجف.

[4] کامل الزيارات ص 219.

[5] للحاج هاشم الکعبي.

[6] مدينة المعاجز ص 263 باب 127.

[7] اثبات الوصية للمسعودي ص 173، و قد ذکرنا في کتاب «زين‏العابدين» ص 402 الاحاديث الدالة علي ان الامام لا يلي أمره الا امام مثله.

لم تکشف الاحاديث هذا السر المصون، و لعل النکتة فيه ان جثمان المعصوم عند سيره الي المبدإ الأعلي بانتهاء امد الفيض الالهي يختص بآثار منها: ان لا يقرب منه من لم يکن من أهل هذه المرتبة اذ هو مقام قاب قوسين او أدني، ذلک المقام الذي تقهقر عنه الروح الامين و عام النبي (ص) وحده في سبحات الملکوت و ليست هذه الدعوي في الائمة بغريبة بعد ان تکونوا من الحقيقة المحمدية و شارکوا جدهم في المآثر کلها الا النبوة و الأزواج کما في المحتضر للحسن بن سليمان الحلي ص 22 طبع النجف و هذه اسرار لا تصل اليها افکار البشر و لا سبيل لنا الي الانکار بمجرد بعدنا عن ادراکها ما لم تبلغ حد الاستحالة و قد نطقت الآثار الصحيحة بأن للأئمة احوالا غريبة ليس لسائر الخلق الشرکة معهم کاحيائهم الأموات بالأجساد الأصلية و رؤية بعضهم بعضا و صعود أجسادهم الي السماء و سماعهم سلام الزائرين لهم و قد صادق علي ذلک شيخنا المفيد في المقالات ص 84 ط طهران و الکراجکي في کنز الفوائد و المجلسي في مرآة العقول ج 1 ص 373 و کاشف الغطاء في منهج الرشاد ص 51، و النوري في دار السلام ج 1 ص 289.

[8] الکبريت الاحمر (و اسرار الشهادة) و (الايقاد).

[9] الکبريت الاحمر و نقل السيد الجزائري في الانوار النعمانية ص 344 ما يشهد بذلک، فانه نقل ان اسماعيل الصفوي نبش الموضع فظهر له رجل کهيئته لما قتل و علي رأسه عصابة فلما حلها انبعث الدم و لم ينقطع الا بشدها فبني علي القبر قبة و عين له خادما؟ و عليه فانکار النوري في اللؤلؤ و المرجان دفنه هنا لم يدعم بقرينة. و في تحفة العالم للسيد جعفر بحر العلوم ج 1 ص 37 أن حمد الله المستوفي ذکر في نزهة القلوب، ان في ظاهر کربلا قبر الحر تزوره الناس و هو جده الثامن عشر، و کان احدهم يقول:



أشر للحر من قرب و بعد

فان الحر تکفيه الاشاره‏



فرد عليه الحجة السيد محمد القزويني:



زر الحر الشهيد و لا تؤخر

زيارته علي الشهداء قدم‏



و لا تسمع مقالة من ينادي

أشر للحر من بعد و سلم

[10] کامل الزيارات ص 325 و عنه في مزار البحار ص 124.

[11] للسيد حيدر الحلي نور الله ضريحه.