بازگشت

خطبة زينب


و لقد أوضحت ابنة اميرالمؤمنين (ع) للناس خبث ابن زياد و لؤمه في خطبتها بعد أن اومأت الي ذلك الجمع المتراكم فهدأوا حتي كأن علي رؤوسهم


الطير و ليس في وسع العدد الكثير ان يسكن ذلك اللغط او يرد تلك الضوضاء لو لا الهيبة الالهية و البهاء المحمدي الذي جلل «عقيلة آل محمد (ص).

فيقول الراوي: لما اومأت زينب ابنة علي (ع) الي الناس فسكنت الانفاس و الاجراس فعندها اندفعت بخطابها مع طمأنينة نفس و ثبات جأش و شجاعة حيدرية فقال صلوات الله عليها:

الحمد لله و الصلاة علي أبي محمد و آله الطيبين الاخيار، اما بعد يا اهل الكوفة، يا اهل الختل و الغدر، أتبكون فلا رقأت الدمعة، و لا هدأت الرنة، انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا، تتخذون أيمانهم دخلا بينكم، ألا و هل فيكم الا الصلف النطف [1] و العجب و الكذب و الشنف [2] و ملق الاماء [3] ، و غمز الاعداء [4] ، او كمرعي علي دمنة [5] او كقصة علي ملحودة [6] ألا بئس ما قدمت لكم انفسكم أن سخط الله عليكم، و في العذاب انتم خالدون.


اتبكون و تنتحبون، اي و الله فابكوا كثيرا، و اضحكوا قليلا فلقد ذهبتم بعارها و شنارها، و لن ترحضوها بغسل بعدها ابدا، و أني ترحضون، قتل سليل خاتم النبوة، و معدن الرسالة. و مدره حجتكم و منار محجتكم، و ملاذ خيرتكم، و مفزع نازلتكم. و سيد شباب أهل الجنة الا ساء ما تزرون.

فتعسا و نكسا و بعدا لكم و سحقا، فلقد خاب السعي، و تبت الايدي، و خسرت الصفقة، و بؤتم بغضب من الله و رسوله، و ضربت عليكم الذلة و المسكنة.

ويلكم يا اهل الكوفة، أتدرون اي كبد لرسول الله فريتم؟ واي كريمة له ابرزتم؟ واي دم له سفكتم؟ واي حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئا ادا، تكاد السموات يتفطرن منه، و تنشق الارض، و تخر الجبال هدا!

و لقد أتيتم بها خرقاء. شوهاء. كطلاع الأرض [7] و مل ء السماء أفعجبتم أن مطرت السماء دما، و لعذاب الآخرة اخزي و هم لا ينصرون فلا يستخفنكم المهل، فانه لا يحفزه البدار، و لا يخاف فوت الثار، و ان ربكم لبالمرصاد [8] .


فقال لها الامام السجاد (ع) اسكتي يا عمة فانت بحمد الله عالمة غير معلمة فهمة غير مفهمة [9] .

فقطعت «العقيلة» الكلام و ادهشت ذلك الجمع المغمور بالتمويهات و المطامع و احدث كلامها ايقاظا في الافئدة و لفتة في البصائر و اخذت خطبتها من القلوب مأخذا عظيما و عرفوا عظيم الجناية فلا يدرون ما يصنعون!!



فعن الوصي بلاغة خصت بها

اعيت برونقها البليغ الاخطبا



ما استرسلت الا و تحسب انها

تستل من غرر الخطابة مقضبا



او انها اليزني في يد باسل

اخلي به ظهرا و اوهي منكبا



او انها تقتاد منها فيلقا

و تسوق من زمر الحقايق موكبا



او ان في غاب الامامة لبوة

لزئيرها عنت الوجوه تهيبا



او انها البحر الخضم تلاطمت

امواجه علما حجي بأسا ابا



أو أن من غضب الاله صواعقا

لم تلف عنها آل حرب مهربا



او أن حيدرة علي صهواتها

يفني كراديس الضلال ثبا ثبا



او انه ضمته ذروة منبر

فأنار نهجا للشريعة الحبا



او ان في اللأوي عقيلة هاشم

قد فرقت شمل العمي ايدي سبا [10]




پاورقي

[1] الصلف بفتحتين الدي يتمدح بما ليس عنده. و النطف القذف بالفجور.

[2] الشنف المبغض بغير حق.

[3] الملق التذلل.

[4] الغمز الطعن بالشر.

[5] الغرض التعريف بان الدمنة و ان زها ظاهرها بالنبت الا انه لا يفيد الحيوان قوة لانها مجمع الاوساخ و الکثافات السامة القاتلة فنتاج الدمنة لا يکون طيبا و اهل الکوفة و ان زها ظاهرهم بالاسلام الا ان الصدور انطوت علي قلوب مظلمة لا يصدر منها الا بما يقوم به اهل الجاهلية و الالحاد.

[6] في رواية اللهوف و ابن‏نما (فضة) بالفاء الموحدة و الضاد المعجمة و لم يتضح المراد منه بعد عدم الترجيح علي الذهب و غيره، نعم رواية ابن ‏شهراشوب في المناقب (قصة) بالقاف المثناة و الصاد المهملة و هي الجص تتناسب مع الملحودة التي هي القبر و لم ينکر اهل اللغة هذا المعني ففي الصحاح للجوهري قصص داره اي جصصها و في تاج العروس ج 4 ص 423 تقصيص الدار تجصيصها و کذلک قبر مقصص و منه الحديث نهي النبي «ص» عن تقصيص القبور و هو بناؤها بالقصة و فيه ص 422 قال القصة هي الجص بلغة الحجاز او الحجارة من الجص و عن ابن‏دريد ان اباسعيد السيرافي يقول بکسر القاف و عند غيره بفتحها و في الفائق للزمخشري ج 2 ص 173 روي ان النبي «ص» نهي تطيين القبور و تقصيصها اي تجصيصها فان القصة هي الجصة و في غريب الحديث لابي‏عبيد ج 1 ص 277 حيدرآباد التقصيص الجص يقال قصصت القبور و البيوت اذا جصصتها و في (لحن العوالم) ص 145 للزبيدي تقصيص القبور تبييضها بالجص و في نيل الاوطار للشوکاني ج 4 ص 73 القصة بفتح القاف و تشديد الصاد المهملة هي الجص و في مسند احمد ج 2 ص 137 عن عبدالله بن عمر ان عثمان بني‏جدار مسجد النبي (ص) بالحجارة المنقوشة و القصة و في تاريخ المدينة للمسعودي ج 2 صفحة 105 کان قبر حمزة مبنيا بالقصة أي مجصص لا خشب عليه و في البحار ج 18 ص 374 باب الدفن عن معاني الاخبار قال: تقصيص القبور تجصيصها لان الجص يقال له القصة و في النهاية لابن‏الاثير مادة قصص في حديث زينب يا قصة علي ملحودة شبهت اجسامهم بالقبور المتخذة من الجص و انفسهم بجيف الموتي التي تشتمل عليها القبور، و الذي أراه ان النکتة في هذه الاستعارة ان القصة بلغة الحجاز الجص و الملحودة القبر لکونه ذا لحد فکأن القبر يتزين ظاهره ببياض الجص ولکن داخله جيفة قذرة و اهل الکوفة و ان تزين ظاهرهم بالاسلام الا ان قلوبهم کجيف الموتي بسبب قيامهم باعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر و عدم الثبات علي المبادي الصحيحة و قد انفردت (متممة الدعوة الحسينية) بهذه النکات البديعة التي لم يسبقها مهرة البلغاء اليها لانها ارتضعت در (الصديقة الکبري) التي اخرست الفصحاء بخطابها المرتجل يوم أجمع القوم علي غصبها حقها مع ما اکتنفها من فوادح تبلبل فکر البليغ فعرفت الحاضرين و من يأت من الاجيال عظيم الجناية و خسران الرضوان الاکبر کما ان سيد الاوصياء نفسه عرف اولئک المتجمهرين علي غصب حقه المجعول له من الله سبحانه يوم الغدير و يوم المنزلة و يوم الاعلان بالثقلين في خطبته المعروفة بالوسيلة التي خطبها في مسجد النبي (ص) بعد وفاة النبي (ص) بسبعة ايام و قد فرغ من جمع القرآن کما نص عليه الکليني في روضة الکافي.

[7] في تهذيب اللغة ج 3 ص 171 و مقاييس اللغة ج 3 ص 419 و المغرب للمطرزي ج 2 ص 17 و الفايق ج 1 ص 125 و النهاية و اللسان و تاج العروس کلهم مادة (طلع) و ذکر في اللسان حدث النبي (ص): رأي رجلا به بذاذة تعلو عنه العين فقال: هذا خير من طلاع الارض ذهبا ان طلاع الارض ملؤها حتي يسيل و في حديث عمر بن الخطاب عند موته لو ان لي طلاع الارض ذهبا لافتديت به من هول المطلع و هو يملؤها حتي يطلع عنها و يسيل و في الفايق عن الحسن البصري قال لئن اعلم اني بري‏ء من النفاق احب الي من طلاع الارض ذهبا و هو ملؤها.

[8] رتبنا الخطبة من امالي الشيخ الطوسي و امالي ابنه و اللهوف و ابن‏نما و ابن ‏شهراشوب و احتجاج الطبرسي.

[9] احتجاج الطبرسي ص 166 ط النجف.

[10] من قصيدة للعلامة ميرزا محمد علي الاوردبادي في العقيلة زينب عليهاالسلام.