بازگشت

الليلة الحادية عشرة عند الحسين


ان من الراجح المؤكد علي من يشايع الائمة المعصومين عليهم السلام المبيت في الليلة الحادية عشرة عند قبر المظلوم (ع) و عليه ملامح الاستياء و شعار الحزن علي ذلك الفادح الجلل بين انة و حنة و صراخ و عولة كأنه ينظر من كثب الي ضحايا آل محمد مضرجين بالدماء تسفي عليهم الريح بوغاء الثري و هي اشلاء مقطعة قد طعمتها سمر الرماح و نهلت من دمائها بيض الصفاح و طحنتها سنابك الخيل العادية!

و يرنو من أمم الي عقائل بيت الوحي تذرف الدمع علي تلك الجثث الزواكي فمن نادبة الي صارخة و من ناشجة الي لاطمة صدرها و ناشرة شعرها [1] فيواسيها المتصور ببكائه المتواصل و عقيرته المرتفعة و عبرته الغزيرة.

و من المقطوع به ان في هذه الحالة صلة للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء و مواساة لها و فيها جلب رغبات ائمة الهدي عليهم السلام علي ما يستأنس به من الآثار الواردة في امثال هذا في سائر الاحوال.

و هناك أحاديث ربما يستفيد المتأمل منها هذه النظرية ففي الحديث عن مالك الجهني عن أبي جعفر (ع) من زار الحسين يوم عاشوراء حتي يظل عنده باكيا لقي الله يوم القيامة بثواب الفي الف حجة و الفي الف عمرة و الفي الف غزوة مع رسول الله و الأئمة الراشدين [2] .

و قد افاد علماء العربية ان «ظل» تستعمل فيمن أقام في المكان نهارا الي الليل [3] و الاقامة الي الليل ان لم يستلزم المبيت في الليلة المتعقبة للنهار الا أن


حديث جابر الجعفي عن ابي عبدالله (ع) ربما يساعد عليه فانه قال: من زار الحسين يوم عاشوراء و بات عنده كان كمن استشهد بين يديه [4] فان الظاهر منه ارادة المبيت المتعقب لليوم لا السابق عليه و الا لقال عليه السلام من بات ليلة عاشوراء عند الحسين و زار يومه و ظل باكيا كان له كذا و كذا.

علي ان الاعتبار يساعد علي ان المقيم عند قبر «الذبيح العطشان» في تمام اليوم أن لا يرتحل عنه في هذه الليلة التي لم يمر مثلها علي بنات رسول الله و ودائع الخلافة و هن في تلك الفلاة الجرداء قد فقدن البدور النيرة و الاباة الصفوة و الي جنبهن الأشلاء المقطعة بسيوف البغي و الضلال و هن في فرق سائد لا يدرين ماذا يصدر عليهن من اعداء الله و اعداء رسوله فيكون الموالي لهم البائت تلك الليلة عند قبره مشعرا بحزنه و بكائه الي اسفه بتأخره عن الحضور بالفوز الأكبر فيكثر من قول: يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما [5] و يواسي سيدة النساء الباكية علي مهجتها الممنوع من الورود و لقد رأتها في المنام ذرة النائحة واقفة علي قبر الحسين (ع) تبكي و أمرتها أن تنشد:



أيها العينان فيضا

و استهلا لا تغيضا



و ابكيا بالطف ميتا

ترك الجسم رضيضا



لم امرضه قتيلا

لا و لا كان مريضا [6]



و يحدث القاضي ابوعلي المحسن بن علي التنوخي عن أبيه ان أباالحسن الكاتب كان يسأل عن «ابن النائح» فلم يعرفه من كان في المجلس من أهل الكرخ غيري فقلت له ما القصة؟ قال ابوالحسن الكاتب عندي جارية كثيرة الصيام و التهجد و هي لا تقيم كلمة عربية صحيحة فضلا عن أن تروي شعرا و الغالب علي لسانها النبطية انتبهت البارحة فزعة ترتعد و مرقدها قريب من موضعي فصاحت بي: يا أباالحسن الحقني قلت: ما أصابك قالت: اني صليت وردي و نمت فرأيت كأني في درب من دروب الكرخ و اذا بحجرة نظيفة


بيضاء مليحة الساج مفتوحة الباب و نساء وقوف عليه قلت لهم من مات أو ما الخبر فأومأوا الي داخل الدار فدخلت فاذا بدار نظيفة في نهاية الحسن و في صحنها امرأة شابة لم أرقط أحسن منها و لا ابهي و لا اجمل و عليها ثياب حسنة و ملتحفة بازار ابيض و في حجرها رأس رجل يشخب دما فقلت: من انت؟ قالت: لا عليك، انا فاطمة بنت رسول الله (ص) و هذا رأس ابني الحسين (ع) قولي «لابن اصدق» عني ان ينوح:



لم أمرضه فاسلو

لا و لا كان مريضا



فانتبهت فزعة و قالت العجوز لم امرطه بالطاء المهملة لانها لا تتمكن من اقامة الضاد! فسكنتها حتي نامت!

فقال ابوالحسن الكاتب: لعلي التنوخي، يا أباالقاسم مع معرفتك بابن اصدق قد حملتك الامانة و ألزمتك ان تبلغها له فقال التنوخي سمعا و طاعة لأمر سيدة نساء العالمين عليهاالسلام.

و كان هذا في شهر شعبان و الناس يومئذ يلاقون جهدا جهيدا من الحنابلة اذا ارادوا و الخروج الي الحائر فلم أزل اتلطف اليهم حتي خرجت فكنت في «الحائر» ليلة النصف من شعبان فسألت عن ابن اصدق حتي رأيته و قلت له ان فاطمة عليهاالسلام تأمرك ان تنوح بالقصيدة:



لم امرضه فاسلو

لا و لا كان مريضا



و ما كنت اعرف القصيدة قبل ذلك فانزعج من هذا فقصصت عليه و علي من حضر الحديث فأجهشوا بالبكاء و ما ناح تلك الليلة الا بهذه القصيدة و اولها:



ايها العينان فيضا

و استهلا لا تغيضا



و هي لبعض الشعراء الكوفيين الي ابي الحسن فأخبرته الخبر [7] .

السلب



اباحسن يا خير حام لجاره

ابث لك الشكوي بدمع مرقوق






و ناهيك في رزء تفاقم وقعه

فأصبح فيه الدمع من بعض منطقي



اتغضي و منك اليوم آل امية

شفت كل ذحل في حشاها مؤرق



و كم لك في ارض الطفوف نوادب

ينحن بها نوح الحمام المطوق



و كم طفلة قد ارهبوها بقسوة

و ما عودت من قبل غير الترقرق



و طفل يحلي جيده طوق عسجد

فطوق مذعورا بسهم مفوق



و كم حرة حسري بدت من خبا لها

و ليس لديها ساتر غير «مرفق»



هنالك لو شاهدتها تنفث الشجي

بقلب من الوجد المبرح محرق



لعز اميرالمؤمنين خروجها

عليك بحال احزنت كل مشفق



فمن مبلغ (الزهراء) عن اسر زينب

و تسييرها بين الأعادي (لجلق)



و ليس لها بين العدي من يصونها

حمي غير مضني بالحبال مربق



أفاطم سمعا علني في تزفري

ابثك اشجانا أخذن بمخنق



فان الأولي حلوا بعرصة كربلا

هووا في ثراها مشرقا بعد مشرق



قضوا و جلال العز يعلو وجوههم

و ماتوا كراما مالووا جيد مطرق



فلا عذر حتي تلفظي القلب حسرة

بفيض دم من ماء عينيك مهرق [8]



لما قتل أبوعبدالله الحسين عليه السلام مال الناس علي ثقله و متاعه و انتهبوا ما في الخيام [9] و أضرموا النار فيها و تسابق القوم علي سلب حرائر الرسول (ص) ففررن بنات الزهراء (ع) حواسر مسلبات باكيات [10] و ان المرأة لتسلب مقنعتها من رأسها و خاتمها من اصبعها و قرطها من اذنها و الخلخال من رجلها [11] . أخذ رجل قرطين لام كلثوم و خرم اذنها [12] و جاء آخر الي فاطمة ابنة الحسين فانتزع خلخالها و هو يبكي قالت له: مالك؟ فقال: كيف لا أبكي و أنا أسلب ابنة رسول الله قالت له: دعني قال: أخاف أن يأخذه غيري [13] .

و رأت رجلا يسوق النساء بكعب رمحه و هن يلذن بعضهن ببعض و قد أخذ


ما عليهن من اخمرة و اسورة و لما بصر بها قصدها ففرت منه فأتبعها رمحه فسقطت لوجهها مغشيا عليها و لما افاقت رأت عمتها ام كلثوم عند رأسها تبكي [14] .



ازعجت من خدرها حاسرة

كالقطا روع من بعد هجود



تندب الصون الذي قد فقدت

صبرها فيه الي خير فقيد



فقدت خير عماد فدعت

من بني عمرو العلي كل عميد



لبدور بدماها شرقت

و بها أشرق مغبر الصعيد



بين محزوز وريد وزعت

جسمه البيض و مقطوع زنود



قد تواروا بقنا الخط فهل

قصد الخطي غاب للاسود



تصدع الظلماء أوضاح لهم

كمصابيح علي الترب ركود [15]



و نظرت امرأة من آل بكر بن وائل كانت مع زوجها الي بنات رسول الله بهذه الحال فصاحت يا آل بكر بن وائل اتسلب بنات رسول الله لا حكم الا لله يا لثارات رسول الله فردها زوجها الي رحله [16] .

و انتهي القوم الي علي بن الحسين و هو مريض [17] علي فراشه لا يستطيع النهوض فقائل يقول لا تدعوا منهم صغيرا و لا كبيرا و آخر يقول لا تعجلوا حتي نستشير الامير عمر بن سعد [18] و جرد الشمر سيفه يريد قتله فقال له حميد بن مسلم: يا سبحان الله اتقتل الصبيان؟ انما هو صبي مريض! [19] فقال: ان ابن زياد أمر بقتل أولاد الحسين و بالغ ابن سعد في منعه [20] خصوصا لما سمع العقيلة زينب ابنة أميرالمؤمنين تقول: لا يقتل حتي اقتل دونه فكفوا عنه [21] .




كانت عيادته منهم سياطهم

و في كعوب القنا قالوا البقاء لكا



جروه فانتهبوا النطع المعد له

و أوطأوا جسمه السعدان و الحسكا



و أقبل ابن سعد الي النساء فلما رأينه بكين في وجهه! فمنع القوم عنهن و قد أخذوا ما عليهن و لم يردوا شيئا [22] فوكل جماعة بحفظهن و عاد الي خيمته:



و حائرات أطار القوم أعينها

رعبا غداة عليها خدرها هجموا



كانت بحيث عليها قومها ضربت

سرادقا ارضه من عزهم حرم



يكاد من هيبة أن لا تطوف به

حتي الملائك لو لا انهم خدم



فغودرت بي أيدي القوم حاسرة

تسبي و ليس لها من فيه تعتصم



نعم لوت جيدها بالعتب هاتفة

بقومها و حشاها ملؤه ضرم



عجت بهم مذ علي ابرادها اختلفت

ايدي العدو ولكن من لها بهم [23]




پاورقي

[1] روي الشيخ الطوسي في التهذيب ج 2 ص 282 آخر النذور عن الصادق (ع) انه قال: و لقد شققن الفاطميات الجيوب علي الحسين و لطمن الخدود و علي مثل الحسين فلتطم الخدود و لتشق الجيوب.

[2] کامل الزيارات ص 174.

[3] في تاج العروس ج 7 ص 426 مادة ظل عن الشهاب الخفاجي ان ظل فعل ناقص يفيد ثبوت الخبر في جميع النهار و في شرح الکافية للرضي ص 278 مبحث الافعال الناقصة معني ظل زيد متفکرا کان في جميع النهار کذلک فاقترن مضمون الجملة و هو تفکر زيد بجميع النهار مستغرقا له و معني بات زيد مهموما انه في جميع الليل کذلک و في شرح الصمدية للسيد علي خان ص 59 طبع ايران تفيد ظل و باب ثبوت الخبر للاسم في جميع النهار و الليل و علي ذلک جري الزمخشري في المفصل ص 267 مصر و قد يستعملان بمعني صار مع القرينة.

[4] کامل الزيارات ص 137 باب 71.

[5] في عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ص 66 من حديث عن الرضا (ع) قال لابن‏شبيب ان سرک أن تسکن الغرف المبنية في الجنة مع النبي (ص) فالعن قتلة الحسين (ع) و قل متي ذکرته «يا ليتني کنت معهم فأفوز فوزا عظيما».

[6] مناقب ابن ‏شهراشوب ج 2 ص 189 ط ايران عن امالي المفيد النيسابوري.

[7] نشوار المحاضرة ج 8 ص 218.

[8] من قصيدة للعلامة الثقة الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي.

[9] کامل ابن‏الاثير ج 4 ص 32.

[10] تاريخ الطبري ج 6 ص 260.

[11] مثير الاحزان لابن‏نما 40.

[12] الدمعة الساکبة ص 348.

[13] امالي الصدوق ص 99 مجلس 31 و سير اعلام النبلاء للذهبي ج 3 ص 204.

[14] رياض المصائب ص 341 و تظلم الزهراء ص 130.

[15] للحجة المحقق الشيخ عبدالحسين الحلي رحمه الله من قصيدة في مولود الحسين عليه ‏السلام.

[16] اللهوف ص 74 و مثير الاحزان لابن‏نما ص 41.

[17] مرض السجاد (ع) ذکره الطبري ج 6 ص 260 و کامل ابن‏الاثير ج 4 ص 33 و البداية لابن‏کثير ج 8 ص 188 و مرآة الجنان لليافعي ج 1 ص 133 و الارشاد للشيخ المفيد و مناقب ابن ‏شهراشوب ج 2 ص 225 و اعلام الوري للطبرسي ص 148 و روضة الواعظين ص 162 لمحمد بن احمد بن علي النيسابوري الفتال و اثبات الوصية للمسعودي ص 140.

[18] تظلم الزهراء 132.

[19] تاريخ الطبري ج 6 ص 260.

[20] نفس المهموم.

[21] تاريخ القرماني ص 108.

[22] کامل ابن‏الاثير ج 4 ص 32. و يحدث مصعب الزبيري بشي‏ء غريب فيقول في نسب قريش ص 58 ان بعض من کان في الجيش اخذ علي بن الحسين و غيبه عن الناس و کان يکرمه و يحسن اليه فلما سمع المنادي يقول من جاء بعلي بن الحسين فله ثلثمائة درهم جاء و قيد يديه الي عنقه و أتي به الي ابن‏زياد و اخذ الجائزة و أراد ابن‏زياد قتله لولا ان عمته زينب وقعت عليه و قالت لابن‏زياد اقتلني قبله انتهي.

و انت اذا عرفت ان زين‏العابدين مع ما به من المرض هو الکفيل و المحامي لحرم رسول الله (ص) فلا يمکن الله تعالي احدا منه فيغيبه عن عياله فاتلکم الفواقد کيف يکون حالهن اذا فقدن المحامي و المصبر لهن؟ مع ان احدا من المؤرخين لم يذکره حتي علي الاحتمال البعيد لکن الزبيري أراد أن يسود صحيفته بالمفتريات.

[23] للسيد حيدر الحلي نور الله ضريحه.