بازگشت

الرضيع


و دعا بولده الرضيع يودعه، فأتته زينب بابنه عبدالله [1] و امه الرباب فأجلسه في حجره يقبله [2] و يقول بعدا لهؤلاء القوم اذا كان جدك المصطفي خصمهم [3] ثم أتي به نحو القوم يطلب له الماء، فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه فتلقي الحسين الدم بكفه و رمي به نحو السماء.

قال ابوجعفر الباقر (ع): فلم تسقط منه قطرة [4] و فيه يقول حجة آل محمد عجل الله فرجه: السلام علي عبدالله الرضيع المرمي الصريع المتشحط دما و المصعد بدمه الي السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه، لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي و ذويه [5] .



اعزز علي و انت تحمل طفل

ك الظامي و حر اوامه لا يبرد



قد بح من لفح الهجيرة صوته

بمرنة منها يذوب الجملد



و قصدت نحو القوم تطلب منهم

وردا ولكن اين منك المورد






و القوس طوق نحره فكأنه

خيط الهلال يحل فيه الفرقد



و علي الربية في الخيام نوائح

تومي لطفلك بالشجي و تردد



و رب رضيع ارضعته قسيهم

من النبل ثديا دره الثر فاطمه



فلهفي له مذ طوق السهم جيده

كما زينته قبل ذاك تمائمه



هفا لعناق السبط مبتسم اللمي

وداعا و هل غير العناق يلائمه



و لهفي علي ام الرضيع و قد دجي

عليها الدجي و الدوح نادت حمائمه



تسلل في الظلماء ترتاد طفلها

و قد نجمت بين الضحايا علائمه



فمذ لاح سهم النحر ودت لو انها

تشاطره سهم الردي و تساهمه



اقلته بالكفين ترشف ثغره

و تلثم نحرا قبلها السهم لاثمه



و ادنته للنهدين و لهي فتارة

تناغيه الطافا و اخري تكالمه



بني افق من سكرة الموت و ارتضع

بثدييك عل القلب يهدأ هائمه



بني فقد درا و قد كضك الظما

فعله يطفي من غليلك ضارمه



بني لقد كنت الأنيس لوحشتي

و سلواي اذ يسطو من الهم غاشمه [6]



ثم قال الحسين (ع) هون ما نزل بي انه بعين الله تعالي [7] اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل، الهي ان كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه و انتقم لنا من الظالمين [8] و اجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل [9] اللهم انت الشاهد علي قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد صلي الله عليه و آله [10] و سمع عليه السلام قائلا يقول: دعه يا حسين فان له مرضعا في الجنة [11] ثم نزل عليه السلام عن فرسه و حفر له بجفن سيفه و دفنه مرملا بدمه و صلي عليه [12] و يقال وضعه مع قتلي اهل بيته [13] .




لهفي علي أبيه اذ رآه

غارت لشدة الظما عيناه



و لم يجد شربة ماء للصبي

فساقه التقدير نحو الطلب



و هو علي الأبي أعظم الكرب

فكيف بالحرمان من بعد الطلب



من دمه الزاكي رمي نحو السما

فما أجل لطفه و اعظما



لو كان لم يرم به اليها

لساخت الأرض بمن عليها



فاحمرت السماء من فيض دمه

ويل من الله لهم من نقمه



و كيف حال أمه حيث تري

رضيعها جري عليه ما جري



غادرها كالدرة البيضاء

و عاد كالياقوته الحمراء



حنت عليه حنة الفصيل

بكته بالاشراق و الاصيل



لهفي لها اذ تندب الرضيعا

ندبا يحاكي قلبها الوجيعا



تقول يا بني يا مؤملي

يا منتهي قصدي و اقصي املي



جف الرضاع حين عز الماء

اصبحت لا ماء و لا كلاء



فساقك الظما الي ري الردي

كأنما ريك في سهم العدي



يا ماء عيني و حياة قلبي

من لبلائي و عظيم كربي



رجوت أن تكون لي نعم الخلف

و سلوة لي عن مصابي بالسلف



ما خلت أن السهم للفطام

حتي ارتني جهرة أيامي [14]



و تقدم الحسين (ع) نحو القوم مصلتا سيفه آيسا من الحياة و دعا الناس الي البراز فلم يزل يقتل كل من برز اليه حتي قتل جمعا كثيرا [15] ثم حمل علي الميمنة و هو يقول:



الموت أولي من ركوب العار

و العار اولي من دخول النار [16]



و حمل علي الميسرة و هو يقول:



أنا الحسين بن علي

آليت أن لا انثني






احمي عيالات أبي

امضي علي دين النبي [17]



قال عبدالله بن عمار بن يغوث: ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و اهل بيته و صحبه اربط جأشا منه و لا امضي جنانا و لا اجرأ مقدما و لقد كانت الرجال تنكشف بين يديه اذا شد فيها و لم يثبت له احد [18] .

فصاح عمر بن سعد بالجمع: هذا ابن الانزع البطين، هذا ابن قتال العرب احملوا عليه من كل جانب، فأتته اربعة آلاف نبلة [19] و حال الرجال بينه و بين رحله فصاح بهم: يا شيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون المعاد فكونوا احرارا في دنياكم و ارجعوا الي احسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون.

فناداه شمر: ما تقول يا ابن فاطمة؟ انا الذي اقاتلكم و النساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا.



قال اقصدوني بنفسي و اتركوا حرمي

قد حان حيني و قد لاحت لوائحه



فقال الشمر: لك ذلك.

و قصده القوم و اشتد القتال و قد اشتد به العطش [20] فحمل من نحو الفرات علي عمرو بن الحجاج و كان في اربعة آلاف فكشفهم عن الماء و اقحم الفرس الماء فلما هم الفرس ليشرب قال الحسين انت عطشان و انا عطشان فلا اشرب حتي تشرب! فرفع الفرس رأسه كأنه فهم الكلام و لما مد الحسين يده ليشرب ناداه رجل اتلتذ بالماء و قد هتكت حرمك؟ فرمي الماء و لم يشرب و قصد الخيمة [21] .




يروي الثري بدمائهم و حشاه من

ظمأ تطاير شعلة قطعاتها



لو قلبت من فوق غلة قلبه

صم الصفا ذابت عليه صفاتها



تبكي السماء له دما افلا بكت

ماء لغلة قلبه قطراتها



واحر قلبي يا ابن بنت محمد

لك و العدي بك انجحت طلباتها



منعتك من نيل الفرات فلا هنا

للناس بعدك نيلها و فراتها [22]




پاورقي

[1] سماه ابن ‏شهراشوب في المناقب ج 2 ص 222 علي الأصغر و ذکر السيد ابن طاووس في الاقبال زيارة للحسين يوم عاشوراء و فيها صلي الله عليک و عليهم و علي ولدک علي الأصغر الذي فجعت به، و الذي علي أنه عبدالله و امه الرباب الشيخ المفيد في الاختصاص ص 3 و أبوالفرج في مقاتل الطالبيين ص 35 و مصعب الزبيري في نسب قريش ص 59 و في سر السلسلة ص 30 المقتول بالسهم في حجر أبيه عبدالله و لم يذکر امه.

[2] اللهوف ص 65 و في تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 218 طبع النجف أن الحسين لواقف اذ اتي بمولود له ولد الساعة اذن في اذنه و جعل يحنکه اذ أتاه سهم وقع في حلق الصبي فذبحه فنزع الحسين السهم من حلقه و جعل يلطخه بدمه و يقول: و الله لأنت اکرم علي الله من الناقة و لمحمد اکرم علي الله من صالح ثم أتي فوضعه مع ولده و بني أخيه.

[3] البحار ج 10 ص 23 و مقتل الخوارزمي ج 2 ص 22.

[4] ي مناقب ابن ‏شهراشوب ج 2 ص 222 لم يرجع منه شي‏ء و ذکر ابن‏نما في مثير الاحزان ص 36 و السيد في اللهوف ص 66 رواية الباقر (ع) و ذکر ابن‏کثير في البداية ج 8 ص 186 و القرماني في اخبار الدول ص 108 و مقتل الخوارزمي ج 2 ص 32: رمي به نحو السماء قال ابن‏کثير و الذي رماه بالسهم رجل من بني‏اسد يقال له «ابن‏موقد النار».

[5] زيارة الناحية المقدسة و الابيات للخطيب الفاضل سيدمحمد جواد شبر.

[6] للعلامة الشيخ محمد تقي آل صاحب الجواهر.

[7] اللهوف ص 66.

[8] مثير الاحزان لابن‏نما ص 26 و مقتل الخوارزمي ج 2 ص 32.

[9] تظلم الزهراء ص 122.

[10] المنتخب ص 313.

[11] تذکرة الخواص ص 144 و القمقام لميرزا فرهاد ص 385 و في الاصابة بترجمة ابراهيم بن رسول الله (ص) و تهذيب الاسماء للنووي ج 1 ص 102 و شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج 3 ص 214 باب أولاده لما توفي ابراهيم ابن رسول الله (ص) قال النبي ان له مرضعا في الجنة.

[12] مقتل الخوارزمي ج 2 ص 32 و الاحتجاج للطبرسي ص 163 طبع النجف.

[13] الارشاد و مثير الأحزان ص 36.

[14] من ارجوزة آية الله الحجة الشيخ محمد حسين الاصفهاني «قده».

[15] مقتل العوالم ص 97 و مثير الاحزان لابن‏نما ص 37 و مقتل الخوارزمي ج 2 ص 33.

[16] في البيان و التبيين للجاحظ ج 3 ص 171 طبع ثاني تحت عنوان (کلام في الادب) بعد ان ذکر هذا البيت اتبعه بقوله:



و الله من هذا

و هذا جار

[17] مناقب ابن ‏شهراشوب ج 2 ص 223.

[18] الطبري ج 6 ص 259 و نسبه الخوارزمي في مقتل الحسين ج 2 ص 38 الي بعض من شهد الوقعة.

[19] مناقب ابن ‏شهراشوب ج 2 ص 223.

[20] اللهوف ص 67.

[21] البحار ج 10 ص 204 و مقتل العوالم ص 98 و نفس المهموم ص 188 و الخصائص الحسينية ص 46 باب خصائص الحيوانات.

اني لا اضمن صحة هذا الحديث المتضمن لامتناع الفرس من الشرب و لرمي الحسين الماء من يده لمجرد قول الاعداء و هو العالم بأنه مکيدة، لکن خصائص هذا اليوم المختصة بسيدالشهداء و من معه علي ان يقضوا عطاشي خارجة عما نعرفه و لا سبيل لنا الا التسليم بعد ان کان الامام عليه ‏السلام حکيما في افعاله و اقواله لا يعمل الا بما تلقاه من جده الذي لا ينطق عن الهوي، و کل قضايا الطف محدودة الظرف و المکان الأسرار و مصالح لا يعلمها الا رب العالمين تعالي شأنه!و هناک شي‏ء آخر لاحظه سيدالشهداء و کانت العرب تتفاني دونه و هو حماية الحرم بانفس الذخائر، و ابوعبدالله سيد العرب و ابن سيدها فلا تفوته هذه الخصلة التي يستهلک دونها النفس و النفيس! و لما ناداه الرجل هتکت الحرم لم يشرب الماء اعلاما للجمع بما يحمله من الغيرة علي حرمه و لو لم يبال بالنداء لتيقن الناس فقدانه الحمية العربية و لا يقدم عليه ابي‏الضيم حتي لو علم بکذب النداء، و فعل سيد الاباة من عدم شرب الماء و لو في آن يسير هو غاية ما يمدح به الرجل.

[22] من قصيدة لآية الله الشيخ محمد حسين کاشف الغطاء رحمه الله.