بازگشت

كربلاء


و كان نزوله في كربلاء في الثاني من المحرم سنة احدي و ستين [1] فجمع (ع) ولده و اخوته و أهل بيته و نظر اليهم و بكي و قال: اللهم انا عترة نبيك محمد قد اخرجنا و طردنا و ازعجنا عن حرم جدنا و تعدت بنوامية علينا، اللهم فخذ لنا بحقنا و انصرنا علي القوم الظالمين.

و اقبل علي أصحابه فقال:

الناس عبيد الدنيا، و الدين لعق علي السنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون [2] .


ثم حمد الله و اثني عليه و صلي علي محمد و آله و قال:

أما بعد فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و لم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء و خسيس عيش كالمرعي الوبيل ألا ترون الي الحق لا يعمل به و الي الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله! فاني لا أري الموت الا سعادة و الحياة مع الظالمين الا برما [3] .

فقام زهير و قال: سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك و لو كانت الدنيا لنا باقية و كنا فيها مخلدين لآثار النهوض معك علي الاقامة فيها.

و قال برير: يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة [4] .

و قال نافع من هلال: أنت تعلم ان جدك رسول الله لم يقدر أن يشرب الناس محبته و لا أن يرجعوا الي أمره ما أحب و قد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر و يضمرون له الغدر يلقونه بأحلي من العسل و يخلفونه بأمر من الحنظل حتي قبضه الله اليه و ان أباك عليا كان في مثل ذلك فقوم قد أجمعوا علي نصره و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين حتي أتاه أجله فمضي الي رحمة الله و رضوانه. و أنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده و خلع بيعته فلن يضر الا نفسه و الله مغن عنه، فسر بنا راشدا معافي مشرقا ان شئت أو


مغربا فوالله ما أشفقنا من قدر الله و لا كرهنا لقاء ربنا و انا علي نياتنا و بصائرنا نوالي من والاك و نعادي من عاداك [5] .



بأبي من شروا لقاء الحسين

بفراق النفوس و الارواح



وقفوا يدرأون سمر العوالي

عنه و النبل وقفة الأشباح



فوقوه بيض الظبي بالنحور ال

بيض و النبل بالوجوه الصباح



فئة ان تعاور النقع ليلا

أطلعوا في سماه شهب الرماح



و اذا غنت السيوف و طافت

أكؤس الموت و انتشي كل صاح



باعدوا بين قربهم و المواضي

و جسوم الاعداء و الارواح



أدركوا بالحسين أكبر عيد

فغدوا في مني الطفوف أضاحي



لست أنسي من بعدهم طود عز

و أعاديه مثل سيل البطاح



و هو يحمي دين النبي بعضب

بسناه لظلمة الشرك ما حي



فتطير القلوب منه ارتياعا

كلما شد راكبا ذا الجناح



ثم لما نال الظما منه و الشمس

و نزف الدما و ثقل السلاح



أوقف الطرف يستريح قليلا

فرماه القضا بسهم متاح



فهوي العرش للثري و ادلهمت

برماد المصاب منها النواحي



حر قلبي لزينب اذ رأته

ترب الجسم مثخنا بالجراح



أخرس الخطب نطقها فدعته

بدموع بما تجن فصاح



يا منار الضلال و الليل داج

و ظلال الرميض و اليوم ضاحي



كنت لي يوم كنت كهفا منيعا

سجسج الظل خافق الارواح



أتري القوم اذ عليك مررنا

منعونا من البكا و النياح



ان يكن هينا عليك هواني

و اغترابي مع العدي و انتزاحي



و مسيري أسرة للاعادي

و ركوبي علي النياق الطلاح



فبرغمي أني أراك مقيما

بين سمر القنا و بيض الصفاح



لك جسم علي الرمال و رأس

رفعوه علي رؤوس الرماح



بأبي الواردون حوض المنايا

يوم ذيدوا عن الفرات المباح



بأبي اللابسون حمر ثياب

طرزتهن سافيات الرياح [6]




ثم انه عليه السلام اشتري النواحي التي فيها قبره من أهل نينوي و الغاضرية بستين الف درهم و تصدق بها عليهم و اشترط عليهم أن يرشدوا الي قبره و يضيفوا من زاره ثلاثة أيام، و كان حرم الحسين (ع) الذي اشتراه أربعة أميال في أربعة اميال، فهو حلال لولده و لمواليه و حرام علي غيرهم ممن خالفهم و فيه البركة، و في الحديث عن الصادق (ع) انهم لم يفوا بالشرط [7] .

و لما نزل الحسين (ع) كربلاء كتب الي ابن الحنفية و جماعة من بني هاشم: اما بعد فكأن الدنيا لم تكن و كأن الآخرة لم تزل و السلام [8] .


پاورقي

[1] نص عليه الطبري في التاريخ ج 6 ص 233 و ابن‏الاثير في الکامل ج 4 ص 20 و المفيد في الارشاد.

[2] البحار ج 10 ص 198، و المقتل للخوارزمي ج 1 ص 237 تذهب علي القاري‏ء النکتة في سؤال الحسين عليه ‏السلام عن اسم الارض و کل قضايا سيدالشهداء غامضة الاسرار و الامام عندنا معاشر الامامية عالم بما يجري في الکون من حوادث و ملاحم عارف بما اودع الله تعالي في الکائنات من المزايا اقدارا له من مبدع السماوات و الارضين تعالي شأنه و قد ذکرنا في المقدمة ما يشهد له و کان السر في سؤاله عليه ‏السلام عن اسم الارض التي منعوا من اجتيازها أو ان الله تعالي أوقف الجواد کنا أوقف الجواد کما أوقف ناقة النبي (ص) عند «الحديبية» أن يعترف أصحابه بتلک الارض التي هي محل التضحية الموعودين بها باخبار النبي أو الوصي صلي الله عليهما لتطمئن القلوب و تمتاز الرجال، و تثبت العزائم، و تصدق المفاداة فتزاد بصيرتهم في الأمر و التأهب للغاية المتوخاة لهم حتي لا يبقي لأحد مجال للتشکيک في موضع کربلا التي هي محل تربته! و لا جزاف في هذا النحو من الاسئلة بعد أن صدر مثله من النبي (ص) فقد سأل عن اسم الرجلين اللذين قاما لحلب الناقة و عن اسم الجبلين اللذين في طريقه الي «بدر» الم يکن النبي صلي الله عليه و آله عالما بذلک؟ بلي، کان عالما ولکن المصالح الخفية علينا دعته الي السؤال و قد أشرنا اليها في کتاب (الشهيد مسلم) ص 90 في عنوان «مسلم لا يتطير»، و هذا باب من الاسئلة يعرف عند علماء البلاغة «بتجاهل العارف» و اذا کان فاطر الاشياء الذي لا يغادر علمه صغيرا و لا کبيرا يقول لموسي (ع): «و ما تلک بيمينک يا موسي» و يقول لعيسي (ع): «أأنت قلت للناس اتخذوني و امي الهين» لضرب من المصلحة و قال سبحانه للخليل (ع) «أو لم تؤمن؟ مع انه عالم بايمانه فالامام المنصوب من قبله أمينا علي شرعه لا تخفي عليه المصالح.

کما ان سيدالشهداء (ع) لم يکن في تعوذه من الکرب و البلاء عندما سمع باسم کربلاء متطيرا، فان المتطير لا يعلم ما يرد عليه و انما يستکشف ذلک من الاشياء المعروفة عند العرب انها سبب للشر، و الحسين (ع) علي يقين مما ينزل به في ارض الطف من قضاء الله، فهو عالم بالکرب الذي يحل به و باهل بيته و صحبه کما أنبأ عنه غير مرة.

[3] هذا في اللهوف، و عند الطبري ج 6 ص 229 انه خطب به بذي حسم و في العقد الفريد ج 2 ص 312 و حلية الاولياء ج 3 ص 39 و ابن‏عساکر ج 4 ص 333 مثل اللهوف و في مجمع الزوائد ج 9 ص 192 و ذخائر العقبي ص 149 و العقد الفريد ج 312 2 يظهر منه انه خطب ذلک يوم عاشوراء و في سير أعلام النبلاء للذهبي ج 3 ص 209 لما نزل عمر بن سعد بالحسين خطب أصحابه.

[4] اللهوف ص 44.

[5] مقتل العوالم ص 76.

[6] للعلامة الطاهر السيد رضا ابن آية الله السيد محمد الهندي (قده).

[7] کشکول الشيخ البهائي ج 2 ص 91 ط مصر نقلا عن کتاب الزيارات لمحمد بن احمد بن داود القمي، و حکاه عنه السيد ابن طاووس في مصباح الزائر و العجب من صاحب مفتاح الکرامة في کتاب المتاجر ص 245 انه انکر شراء الحسين اربعة أميال من جهات قبره الشريف مدعيا عدم وقوفه علي ذلک في الأخبار و علي کلمات العلماء. کما ان أميرالمؤمنين اشتري من الدهاقين ما بين الخورنق الي الحيرة و الي الکوفة بأربعين الف درهم و قال لمن اعترض عليه بأنها أرض لا تنبت: اني سمعت رسول الله يقول: کوفان يرد أولها علي آخرها يحشر من ظهرها سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب و اشتهيت ان يحشروا في ملکي (فرحة الغري لابن‏طاووس ص 29 الباب الثاني المطبعة الحيدرية في النجف».

[8] کامل الزيارات ص 75 باب 23 و ذکر ابوالفرج في الأغاني ج 8 ص 151 طبعة ساسي ان الحسن البصري کتب الي عمر بن عبدالعزيز بذلک لما ولي الخلافة و في مروج الذهب اخبار عمر بن عبدالعزيز انه کتب الي أبي‏حازم المدني الاعرج اوصني و اوجز فکتب اليه بذلک. و في (موضوعات) علي القاري أول حرف الکاف، قال السيوطي لم أقف عليه مرفوعا و اخرجه ابونعيم عن عمر بن عبدالعزيز.