بازگشت

شراف


و سار من بطن العقبة حتي نزل شراف [1] و عند السحر أمر فتيانه أن يستقوا من الماء و يكثروا و في نصف النهار سمع رجلا من أصحابه يكبر فقال الحسين: لم كبرت؟ قال: رأيت النخل فأنكر من معه أن يكون بهذا الموضع نخل و انما


هو أسنة الرماح و آذان الخيل فقال الحسين: و أنا اراه ذلك ثم سألهم عن ملجأ يلجأون اليه فقالوا هذا «ذو حسم» [2] عن يسارك فهو كما تريد فسبق اليه الحسين و ضرب أبنيته.

و طلع عليهم الحر الرياحي [3] مع الف فارس بعثه ابن زياد ليحبس الحسين عن الرجوع الي المدينة اينما يجده أو يقدم به الكوفة فوقف الحر و اصحابه مقابل الحسين في حر الظهيرة [4] .

فلما رأي سيدالشهداء ما بالقوم من العطش امر اصحابه ان يسقوهم و يرشفوا الخيل فسقوهم و خيولهم عن آخرهم. ثم اخذوا يملأون القصاع و الطساس و يدنونها من الفرس فاذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت و سقي آخر حتي سقوا الخيل كلها [5] .

و كان علي بن الطعان المحاربي مع الحر فجاء آخرهم و قد اضر به العطش فقال الحسين: أنخ الراوية و هي الجمل بلغة الحجاز فلم يفهم مراده فقال له: أنخ الجمل و لما أراد يشرب جعل الماء يسيل من السقاء فقال له «ريحانة الرسول» أخنث السقاء فلم يدر ما يصنع لشدة العطش فقام (ع) بنفسه و عطف السقاء حتي ارتوي و سقي فرسه.

و هذا لطف و حنان من أبي الضيم علي هؤلاء الجمع في تلك البيداء المقفرة التي تعز فيها الجرعة الواحدة و هو عالم بحراجة الموقوف و نفاد الماء و ان غدا دونه تسيل النفوس ولكن العنصر النبوي و الكرام العلوي لم يتركا صاحبهما الا ان يجوز الفضل.



أحشاشة الزهراء بل يا مهجة

الكرار يا روح النبي الهادي






عجبا لهذا الخلق هلا اقبلوا

كل اليك بروحه لك فادي



لكنهم ما وازنوك نفاسة

اني يقاس الذر بالاطواد



عجبا لحلم الله جل جلاله

هتكوا حجابك و هو بالمرصاد



عجبا لآل الله صاروا مغنما

لبني يزيد هدية و زياد [6]



ثم ان الحسين استقبلهم فحمد الله و اثني عليه و قال:

انها معذرة الي الله عزوجل و اليكم و اني لم آتكم حتي اتتني كتبكم و قدمت بها علي رسلكم ان اقدم علينا فانه ليس لنا امام و لعل الله ان يجمعنا بك علي الهدي فان كنتم علي ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما اطمئن به من عهودكم و مواثيقكم و ان كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم الي المكان الذي جئت منه اليكم.

فسكتوا جميعا.

و اذن الحجاج بن مسروق الجعفي لصلاة الظهر فقال الحسين للحر: أتصلي بأصحابك قال: لا بل نصلي جميعا بصلاتك فصلي بهم الحسين.

و بعد ان فرغ من الصلاة أقبل عليهم فحمد الله و اثني عليه و صلي علي النبي محمد و قال:

ايها الناس انكم ان تتقوا الله و تعرفوا الحق لأهله يكن ارضي لله و نحن أهل بيت محمد (ص) اولي بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين بالجور و العدوان و ان ابيتم الا الكراهية لنا و الجهل بحقنا و كان رأيكم الآن علي غير ما اتتني به كتبكم انصرفت عنكم.

فقال الحر: ما ادري ما هذه الكتب التي تذكرها فأمر الحسين عقبة بن سمعان فأخرج خرجين مملوأين كتبا.


قال الحر: اني لست من هؤلاء و اني أمرت ان لا افارقك اذا لقيتك حتي اقدمك الكوفة علي ابن زياد.

فقال الحسين: الموت ادني اليك من ذلك و امر أصحابه بالركوب و ركبت النساء فحال بينهم و بين الانصراف الي المدينة فقال الحسين للحر ثكلتك امك ما تريد منا؟.

قال الحر: اما لو غيرك من العرب يقولها لي و هو علي مثل هذا الحال ما تركت ذكر امه بالثكل كائنا من كان! و الله ما لي الي ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه.

ولكن خذ طريقا نصفا بيننا لا يدخلك الكوفة و لا يردك الي المدينة حتي اكتب الي ابن زياد فلعل الله ان يرزقني العافية و لا يبتليني بشي ء من امرك.

ثم قال للحسين: اني اذكرك الله في نفسك فاني اشهد لئن قاتلت لتقتلن فقال الحسين: أفبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني، و سأقول ما قال اخو الاوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله [7] :



سأمضي و ما بالموت عار علي الفتي

اذا ما نوي حقا و جاهد مسلما



و واسي الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا و خالف مجرما



فان عشت لم اندم و ان مت لم الم

كفي بك ذلا ان تعيش و ترغما



فلما سمع الحر هذا منه تنحي عنه فكان الحسين يسير بأصحابه في ناحية و الحر و من معه في ناحية [8] .


پاورقي

[1] في معجم البلدان بفتح اوله و آخره فاء و ثانيه مخفف سمي باسم رجل يقال له شراف استخرج عينا ثم حدثت آبار کبار کثيرة ماؤها عذب و من شراف الي واقصة ميلان، و في تاريخ الطبري جزء 4 ص 87 لما کان سعد بن أبي‏وقاص «بشراف» قدم عليه الاشعث بن قيس بألف و سبعمائة من اهل اليمن فترک الجموع بشراف و نهض الي العراق.

[2] حسم بضم الحاء المهملة و فتح السين بعدها ميم جبل کان النعمان بن المنذر يصطاد به و فيه للنابغة أبيات.

[3] في جمهرة انساب العرب لابن‏حزم ص 215 الحر بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب الردف بن هرمي بن رياح يربوع و قيل لعتاب الردف لأن الملوک تردفه و في ص 213 قال يربوع بن حنظلة بن مالک بن زيد مناة بن تميم.

[4] مقتل الخوارزمي ج 1 ص 230 فصل 11.

[5] تاريخ الطبري ج 6 ص 226 و الطساس جمع طس (طبقات النحويين للنبيذي ص 50 (قال و أما طست فجمعه طسات.

[6] من قصيدة للعلامة الشيخ أحمد النحوي ذکرت في شعراء الحلة ج 1 ص 70 و للسيد الحجة ثقة الاسلام السيد محمد الکشميري:



سقيت عداک الماء منک تحننا

بأرض فلاة حيث لا يوجد الماء



فکيف اذا تلقي محبيک في غد

عطاشي من الاجداث في دهشة جاؤا

[7] تقدم استشهاده (ع) و تکرر منه الاستشهاد بها.

[8] ارشاد المفيد، و زاد ابن ‏شهراشوب في المناقب جزء 2 ص 193 بعد البيت الثاني:



اقدم نفسي لا اريد بقاءها

لتلقي خميسا في الهياج عرمرما



تقدم تمثله عليه ‏السلام بالبيت الأول و الثاني و ما جري بين الحر و الحسين في الطريق «مقتل الخوارزمي ج 1 ص 230 و ما بعدها».