بازگشت

موقف مسلم


و لما بلغ مسلم بن عقيل خطبة ابن زياد و وعيده و ظهر له حال الناس خاف أن يؤخذ غيلة فخرج من دار المختار بعد العتمة الي دار هاني بن عروة المذحجي و كان شديد التشيع [1] و من اشراف الكوفة [2] و قرائها [3] و شيخ مراد و زعيمها يركب في أربعة آلاف دارع و ثمانية آلاف راجل فاذا تلاها احلافها من كندة ركب في ثلاثين الفا [4] و كان من خواص اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب [5] حضر حروبه الثلاثة [6] و أدرك النبي (ص) و تشرف بصحبته و كان له يوم قتله بضع و تسعون سنة [7] .

و نزل مع مسلم بن عقيل شريك [8] بن عبدالله [9] الأعور الحارثي


الهمداني البصري و كان من كبار شيعة اميرالمؤمنين عليه السلام بالبصرة جليل القدر في أصحابنا [10] شهد صفين و قاتل مع عمار بن ياسر [11] و لشرفه و جاهه ولاه عبيدالله بن زياد من قبل معاوية كرمان [12] و كانت له مواصلة و صحبة مع هاني ابن عروة فمرض مرضا شديدا عاده فيه ابن زياد و قبل مجيئه قال شريك لمسلم (ع): ان غايتك و غاية شيعتك هلاكه فأقم في الخزانة حتي اذا اطمأن عندي اخرج اليه و اقتله و أنا اكفيك أمره بالكوفة مع العافية [13] .

و بيناهم علي هذا اذ قيل الأمير علي الباب فدخل مسلم الخزانة و دخل عبيدالله علي شريك و لما استبطأ شريك خروج مسلم جعل يأخذ عمامته من علي رأسه و يضعها علي الأرض ثم يضعها علي رأسه فعل ذلك مرارا و نادي بصوت عال يسمع مسلما:



ما تنظرون بسلمي لا تحيوها

حيوا سليمي و حيوا من يحييها



هل شربة عذبة اسقي علي ظمأ

و لو تلفت و كانت منيتي فيها



و ان تخشيت من سلمي مراقبة

فلست تأمن يوما من دواهيها



و لم يزل يكرره و عينه رامقة الي الخزانة ثم صاح بصوت رفيع يسمع مسلما: اسقونيها و لو كان فيها حتفي [14] .

فالتفت عبيدالله الي هاني و قال: ابن عمك يخلط في علته فقال هاني ان شريكا يهجر منذ وقع في علته و انه ليتكلم بما لا يعلم [15] .

فقال شريك لمسلم ما منعك منه قال خلتان: الاولي حديث علي (ع) عن


رسول الله (ص) ان الايمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن [16] .

و الثانية: امرأة هاني فانها تعلقت بي و اقسمت علي بالله ان لا افعل هذا في دارها و بكت في وجهي فقال هاني: يا ويلها قتلتني و قتلت نفسها و الذي فرت منه وقعت فيه [17] .

و لبث شريك بعد ذلك ثلاثة أيام و مات فصلي عليه ابن زياد [18] و دفن «بالثوية» و لما وضح لابن زياد ان شريكا كان يحرض علي قتله قال: و الله لا اصلي علي جنازة عراقي ابدا و لو لا ان قبر زياد فيهم لنبشت شريكا [19] .

و اخذت الشيعة تختلف الي مسلم بن عقيل في دار هاني علي تستر و استخفاء من ابن زياد و تواصوا بالكتمان فخفي علي ابن زياد موضع مسلم فدعا «معقلا» مولاه و أعطاه ثلاثة آلاف و امره أن يلقي الشيعة و يعرفهم انه من اهل الشام مولي لذي الكلاع و قد أنعم الله عليه بحب اهل بيت رسوله و بلغه قدوم رجل منهم الي هذا المصر داعية للحسين و عنده مال يريد ان يلقاه و يوصله


اليه، فدخل «معقل» الجامع الأعظم و رأي مسلم بن عوسجة الاسدي يصلي، فلما فرغ دنا منه وقص عليه حاله فدعا له مسلم بالخير و التوفيق و ادخله علي ابن عقيل فدفع اليه المال و بايعه [20] و سلمه الي ابي ثمامة الصائدي و كان بصيرا شجاعا و من وجوه الشيعة عينه مسلم لقبض ما يرد عليه من الأموال ليشتري به سلاحا.

فكان ذلك الرجل يختلف الي مسلم كان يوم فلا يحجب عنه و يتعرف الأخبار و يرفعها الي ابن زياد عند المساء [21] .


پاورقي

[1] کامل ابن‏الاثير ج 4 ص 10.

[2] الاخبار الطوال ص 235.

[3] الاغاني ج 14 ص 95.

[4] مروج الذهب ج 2 ص 89.

[5] الاصابة ج 3 ص 616 قسم 3.

[6] ذخيرة الدارين ص 278 و في کامل ابن‏الاثير ج 4 ص 10 في صفين مع عمار بن ياسر.

[7] الاصابة ج 3 ص 616 قسم 3.

[8] الاصابة ج 3 ص 616 قسم 3.

[9] مقتل الخوارزمي ج 1 ص 201 لقد اشتبه الامر علي الحجة السيد الامين في التعريف عن شريک (بالهمداني) و الذي اوقعه في الاشتباه کل من الخوارزمي في مقتل الحسين و ابن‏نما في مثير الاحزان مع ما ذکره ابن‏جرير في الذيل علي تاريخه الملحق بالجزء الثاني عشر من تاريخ الأمم و الملوک فان سلسلة النسب المذکورة لشريک هي للحارث بن الاعور صاحب اميرالمؤمنين و منشأ الاشتباه قول المؤرخين (شريک بن الأعور الحارثي) و ذهب عليهم ان شريکا مذحجي و الحارث الاعور همداني، و ممن نص علي مذحجية شريک ابن دريد في الاشتقاق ص 401 فانه قال من رجال عبدالمدان بن الحارث شريک بن الاعور الذي خاطب معاوية فقال:



أيشتمني معاوية بن حرب

و سيفي صارم و معي لساني‏



و في ص 397 و ما بعدها رجال سعد العشيرة يسمون مذحجا و هو مالک بن أدد و من رجالهم عبدالمدان و بيت عبدالمدان احد بيوتات العرب الثلاثة، بيت زرارة بن عدس في بني‏تميم و بيت حذيفة بن بدر في فزاره و بيت عبدالمدان في بني‏الحارث و من رجالهم شريک بن الاعور الذي خاطب معاوية و له معه حديث و المحاورة التي جرت بين معاوية و شريک ذکرها الهمداني في الاکليل ج 2 ص 229 طبع مصر سنة 1386 ه و ذکر فيها اربعة أبيات لشريک و ذکرها الابشيهي في المستظرف ج 1 ص 55 الباب الثامن في الأجوبة المسکتة و ذکر ثلاثة أبيات و ذکرها ابن حجة في ثمرات الأوراق علي هامش المستظرف ج 1 ص 45 و ذکر الاجوبة الهاشمية و لم يذکر الشعر و ذکر ستة أبيات فقط في الحماسة البصرية ج 1 ص 70 و في مادة (عوي) من تاج العروس الاشارة الي هذه المحاورة و في ربيع الابرار للزمخشري باب الأجوبة المسکتة ذکر المحاورة و أبياتا اربعة و مما يستأنس لمذحجيته نزوله بالکوفة في هاني بن عروة من عشيرته و لحمته، و لو کان ابن‏الحارث همدانيا لنزل في بيت والده مات الحارث الهمداني سنة 65 ه.

[10] ابن‏نما ص 14.

[11] الطبري ج 6 ص 203.

[12] النجوم الزاهرة ج 1 ص 153 و کامل ابن‏الاثير ج 3 ص 206 و الاغاني ج 17 ص 70/64/60 طبعة ساسي.

[13] ابن‏نما ص 14.

[14] رياض المصائب ص 60 و في تاريخ الطبري ج 6 ص 204 کان شريک يقول ما تنظرون بسلمي لا تحيوها اسقونيها و لو کان فيها حتفي.

[15] ابن‏نما ص 14.

[16] ابن‏الاثير ج 4 ص 11، و تاريخ الطبري ج 6 ص 240 و قد تکرر ذکر الحديث في الجوامع، ففي مسند احمد ج 1 ص 166 و منتخب کنز العمال بهامشه ج 1 ص 57، و الجامع الصغير للسيوطي ج 4 ص 123 و کنوز الحقايق بهامشه ج 1 ص 95، و مستدرک الحاکم ج 4 ص 352 و مقتل الخوارزمي ج 1 ص 202 فصل 10، و مناقب ابن ‏شهراشوب ج 2 ص 318، و البحار ج 11 في معاجز الصادق (ع)، و وقايع الايام عن الشهاب في الحکم و الآداب.

[17] ابن‏نما ص 14، و هذه الکلمة من عالم اهل البيت و خليفة سيدالشهداء في الامور الدينية و المدنية تفيد الملا الديني المقتفي آثارهم فقها بشريعة الرسول الأقدس المانعة من الغدر، و ان النفوس الطاهرة تأبي للضيف ان يدخل بمن استضافهم ما يکرهون و هذه تعاليم مقدسة للامة لو کانوا يفقهون.

و هناک سر دقيق و مغزي آخر نظر اليه «شهيد القصر» لمسناه جوهرة فريدة من قول عمه اميرالمؤمنين في جواب من قال له: ألا تقتل ابن‏ملجم؟ فقال (ع) اذن فمن يقتلني؟. و من قول الحسين لام‏سلمة. اذا لم امض الي کربلا فمن يقتلني! و من ذا يکون ساکن حفرتي! و بماذا يختبرون؟! فان مفاد ذلک عدم قدرة احد علي تغيير المقادير الالهية المحتمة و قد اجري الله القضاء بشهادة اميرالمؤمنين و الحسين علي يد ابن‏ملجم و يزيد.

و اذا کان من الجائز أن يطلع اميرالمؤمنين الخواص من أصحابه کميثم و حبيب و رشيد و کميل علي کيفية قتلهم و علي يد من يکون فمن القريب جدا ان يوقف سيدالشهداء (ع) مسلم بن عقيل علي ما يجري عليه حرفا حرفا لان ابن‏عقيل في السنام الاعلي من اليقين و البصيرة النافذة ولکن الظرف لم يساعده علي اظهار هذه الاسرار، فان سر آل محمد مستصعب فأخذ يجمل في البيان، و عليک بمراجعة کتابنا «الشهيد المسلم» ص 134 فقد تبسطنا في ايضاح ذلک تحت عنوان «مسلم لا يغدر».

[18] مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 202 فصل 10 و تاريخ الطبري ج 6 ص 202.

[19] تاريخ الطبري ج 6 ص 202.

[20] الاخبار الطوال ص 237.

[21] الارشاد للمفيد.