بازگشت

مشكلة الخروج بالعيال


ان الكلمة الناضجة في وجه حمل الحسين عياله الي العراق مع علمه بما يقدم عليه و من معه علي القتل هو انه (ع) لما علم بأن قتلته سوف تذهب ضياعا لولم


يتعقبها لسان ذرب و جنان ثابت يعرفان الامة ضلال ابن ميسون و طغيان ابن مرجانة باعتدائهما علي الذرية الطاهرة الثائرة في وجه المنكر و دحض ما ابتدعوه في الشريعة المقدسة.

كما عرف «ابي الضيم» خوف رجال الدين من التظاهر بالانكار و خضوع الكل للسلطة الغاشمة و رسوف الكثير منهم بقيود الجور بحيث لا يمكن لاكبر رجل الاعلان بفظاعة اعمالهما و ما جري علي ابن عفيف الازدي يؤكد هذه الدعوي المدعومة بالوجدان الصحيح.

و عرف سيدالشهداء من حرائر الرسالة الصبر علي المكاره و ملاقاة الخطوب و الدواهي بقلوب أرسي من الجبال فلا يفوتهن تعريف الملا المغمور بالترهات و الاضاليل نتائج اعمال هؤلاء المضلين و ما يقصدونه من هدم الدين، و ان الشهداء ارادوا بنهضتهم مع امامهم قتيل الحنيفية احياء شريعة جده (ص).

و العقائل من آل الرسول و ان استعرت اكبادهن بنار المصاب و تفاقم الخطب عليهن و اشجاهن الاسي لكنهن علي جانب عظيم من الاخذ بالثأر و الدفاع عن قدس الدين.

و فيهن «العقيلة» ابنة اميرالمؤمنين سلام الله عليها التي لم يرعها الاسر و ذل المنفي و فقد الاعزاء و شماتة العدو و عويل الايامي و صراخ الاطفال و انين المريض، فكانت تلقي خواطرها بين تلك المحتشدات الرهيبة او قفل بين المخلب و الناب غير متلعثمة و تقذفها كالصواعق علي مجتمع خصومها فوقفت امام ابن مرجانة ذلك الالد و هي امرأة عزلاء ليس معها من حماتها حمي و لا من رجالها و لي غير الامام الذي انهكته العلة و نسوة مكتنفة بها بين شاكية و باكية و طفل كظه العطش الي اخري اقلقها الوجل و امامها رأس علة الكائنات و رؤوس صحبه و ذويه و قد تركت تلك الاشلاء المقطعة في البيداء تصهرها الشمس، و الواحدة من هذه تهد القوي و تبلبل الفكر.

لكن «ابنة حيدرة» كانت علي جانب عظيم من الثبات و الطمأنينة فافرغت عن لسان ابيها بكلام انفذ من السهم و ألقمت ابن مرجانة حجرا اذ قالت له: «هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الي مضاجعهم و سيجمع الله بينك و بينهم فتحاج و تخاصم فانظر لمن الفلج ثكلتك امك يا ابن مرجانة».


و اوضحت للملا المتغافل خبثه و لؤمه و انه لن يرحض عنه عارها و شنارها، كما انها ادهشت العقول و حيرت الفكر في خطبتها بكناسة الكوفة و الناس يومئذ حياري يبكون لا يدرون ما يصنعون «و اني يرحض عنهم العار بقتلهم سليل النبوة و معدن الرسالة و سيد شباب اهل الجنة، و قد خاب السعي و تبت الايدي و خسرت الصفقة و باءوا بغضب من الله و خزي في الاخرة و لعذاب الله اكبر لو كانوا يعلمون».

و بعد ان فرغت من خطابها اندفعت فاطمة ابنة الحسين بالقول الجزل مع ثبات جأش و هدوء بال، فكان خطابها كوخز السنان في القلوب و لم يتمالك الناس دون ان ارتفعت اصواتهم بالبكاء و عرفوا عظيم الجناية و الشقاء فقالوا لها: حسبك يا ابنة الطاهرين فقد احرقت قلوبنا و انضجعت نحورنا!

و ما سكتت حتي ابتدرت ام كلثوم زينب بنت علي بن ابي طالب (ع) فعرفت الحاضرين عظيم ما اقترفوه، فولول الجمع و كثر الصراخ و لم ير اذ ذاك اكثر باك و باكية [1] .

فهل يا تري يمكنك الجزم بأن احدا يستطيع في ذلك الموقف الرهيب الذي تحفه سيوف الجور ان يتكلم بكلمة واحدة مهما بلغ من المنعة في عشيرته و هل يقدر احد ان يعلن بموبقات ابن هند و ابن مرجانة غير بنات اميرالمؤمنين (ع)؟... كلا.

ان علي الالسن اوكية و الايدي مغلولة و القلوب مشفقة!

علي ان هذا انما يقبح و يستهجن اذا لم يترتب عليه الا فوائد دنيوية مثارها رغبات النفس الامارة و اما اذا ترتبت عليه فوائد دينية اهمها تنزيه دين الرسول عما الصقوه بساحته من الباطل فلا قبح فيه عقلا و لا يستهجنه العرف و يساعد عليه الشرع.

و المرأة و ان وضع الله عنها الجهاد و مكافحة الاعداء و امرها سبحانه و تعالي ان تقر في بيتها، فذاك فيما اذا قام بتلك المكافحة غيرها من الرجال و اما اذا توقف اقامة الحق عليها فقط بحيث لولا قيامها لدرست اسس الشريعة و ذهبت


تضحية اولئك الصفوة دونه ادراج التمويهات كان الواجب عليها القيام به.

و لذلك نهضت سيدة نساء العالمين «الزهراء» عليهاالسلام للدفاع عن خلافة الله الكبري حين اخذ العهد علي سيد الاوصياء بالعقود فخطبت في مسجد النبي (ص) الخطبة البليغة في محتشد من المهاجرين و الانصار.

علي ان الحسين (ع) كان علي علم باخبار جده الامين بان القوم و ان بلغوا الغاية و تناهوا في الخروج عن سبيل الحمية لا يمدون الي النساء يد السوء كما انبأ عنه سلام الله عليه بقوله لهن ساعة الوداع الاخيرة: «البسوا ازركم و استعدوا للبلاء و اعلموا ان الله حاميكم و حافظكم و سينجيكم من شر الاعداء و يجعل عاقبة امركم الي خير، و يعذب اعاديكم بانواع العذاب و يعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم و الكرامة! فلا تشكوا و لا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم».

هذا كله لو لم نقل بالامامة لسيدالشهداء و اما مع الخضوع لناموس علم الامام الشامل لما كان و يكون و سيره حسب المصالح الواقعية و عصمته في اقواله و افعاله، كما هو الحق الذي لا محيص عنه كان المحتم علينا الاذعان بأن ما صدر منه ناشي ء عن حكم ربانية و مصالح الهية لا يتطرق اليها الشك و ليس الواجب علينا الا التصديق بجميع افعاله من دون ان يلزمنا العقل بمعرفة المصالح الباعثة علي تلك الافعال الصادرة منه و هكذا الحال في كل ما وجب علي المكلفين فانه لم يجب علي العباد الا التسليم و الخضوع للمولي من دون ان تعرف الاغراض الباعثة عليها و هكذا الحال في العبيد مع مواليهم فان العقل لا يلزم العبد بأكثر من طاعة سيده و مولاه حينما يأمره و ينهاه.


پاورقي

[1] اقرأ الخطب الثلاثة في الامور المتأخرة عن الشهادة من هذا الکتاب.