بازگشت

الرخصة في المفارقة


و علي هذا النهج القويم تكون مصارحة سيدالشهداء بكلمته الثمينة البعيدة المغزي الحكيمة الاساس المتضمنة تجويز لاهل بيته و صحبه بمفارقته! و نص ما يتحدث به المؤرخون عن ذلك قوله عليه السلام لاهل بيته و صحبه عشية التاسع من المحرم: «اني لا اعلم اصحابا اولي و لا خيرا من اصحابي و لا اهل بيت ابر و اوصل من اهل بيتي فجزاكم الله عني جميعا الا و اني اظن يومنا من هؤلاء غذا و اني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا و ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي! فجزاكم الله جميعا خيرا و تفرقوا في سوادكم و مدائنكم فان القوم انما يطلبوني و لو اصابوني لذهلوا عن طلب غيري» [1] ما اجل مغزاك يا ابي الضيم و ما اسمي ما ترمي اليه يا سيدالشهداء و ما احكم اقوالك و افعالك يا روح النبوة! بلي ان هذه الجملة الذهبية كتبت بأحرف نورية علي جبهة الدهر ان اولئك الصفوة الميامين الذين وصفهم اميرالمؤمنين (ع) بأنهم سادة الشهداء و انهم لم يسبقهم سابق و لا يلحقهم لاحق [2] زبد العالم و نخبة الكون و استضانا من تلك الاشعاعات طوايا نياتهم من الحزم و الثبات و الاخلاص في المفاداة و التضحية القدسية، و في كل ذلك دروس راقية لمن يريد اقتصاص اثر اولئك الاباة في الترفع عن الدنايا، و الموت تحت راية العز و عدم الخضوع للسلطة الغاشمة، اما ظفر بالامنية او فوز بالشهادة و السعادة.

و لولا تلك الرخصة بالمفارقة الصادرة من امين الشرع و الشريعة و تلك


الكلمات التي اباحتها نفوسهم الطاهرة لما امكن للاجيال معرفة مبلغهم من العلم و اليقين و تفاضلهم في الملكات و طموحهم الي ابعد الغايات السامية و الثبات علي المبدإ باخلاص و بصيرة.

فسيد الشهداء اراد بذلك اختبار نفسياتهم و الاختبار من الحكيم العالم بما كان و يكون لا يحط من علمه و وقوفه علي الخفايا بعد ان كانت الغاية الملحوظة له ثمينة و المقصد سام و هو الذي اشرنا اليه من التعريف بملكات اصحابه و اهل بيته و لا غرابة في هذا الاختيار بعد ان صدر مثله من «فاطر الاكوان» جل شأنه الذي لا يغادر علمه صغيرا و لا كبيرا فيأمر خليله ابراهيم بذبح ولده اسماعيل و هو لا يريده مع العلم بطاعة رسوله الخليل و ثبات نبيه اسماعيل لولا المصلحة التي يعلمها رب العالمين و ان انحسرت عن ادراكها العقول و قصة الاقرع و الابرص و الاعمي تشهد بأن الله تعالي انما اراد بالانعام عليهم التعريف لمن يقف علي قصتهم بلزوم الشكر علي الانعام و ان الكفران عاقبته الخسران [3] .

و ابوعبدالله (ع) اراد بهذا الاختبار تعريف الاجيال مبوأ اهل بيته و صحبه من الشرف و العز و طهارة اعراقهم و خضوعهم لما فيه مرضاة الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم.

ان العلم بمبلغ أي رجل في العالم من الطهارة و الثبات علي المبدا و الطاعة للاصلح المرضي للمولي تعالي لا يحصل الا باقواله المشفوعة بالعمل الصحيح او بشهادة من له الوقوف علي حركاته و سكناته و لم يخف علي كل احد قصور التاريخ الذي بأيدينا عن كثير من اعمال الرجال الصالحين الذين بذلوا كل ما لديهم من جاه و حرمات في سبيل تأييد الشريعة الحقة و لم يحمل التأريخ شيئا من اعمال اولئك الصفوة «شهداء كربلا» لنتشوف منه قداسة ضمائرهم و خلوص نياتهم و تزكية نفوسهم غير ذلك المشهد الدامي و لو لا تلك الاقوال التي صارح بها صحب الحسين عليه السلام و اهل بيته حينما ابدي لهم الرخصة في مفارقته و اباح لهم تخليهم عنه مع القوم الذين تجمهروا عليه لما عرفنا تفاضلهم في الملكات و تفاوتهم في النظرات البعيدة الغور و الفضيلة لم يستوفيها البشر


و العلم نور يقذفه الله تعالي في قلب من يشاء من عباده مع التفاوت شدة و ضعفا.

فهذا مسلم بن عوسجة الاسدي لم يكشف التاريخ عن اعماله الخالدة و مزاياه الصالحة بقليل و لا كثير غير كلمة شبث بن ربعي انه غزا مع المسلمين «آذربايجان» و قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين و ما عسي ان يعرف منها القاري ء الا مدي ولائه الاكيد لخلفاء النبي (ص) و عدم تغيره بتطور الزمن و ملابسات الاحوال ولكن قوله للحسين (ع): انحن نخلي عنك و لما نعذر الي الله تعالي في اداء حقك اما و الله لا افارقك حتي اكسر في صدورهم رمحي و اضربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي و لو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتي اموت معك.

افادنا بصيرة بثبات الرجل علي المبداء في آخر مرحلة من مراحل الوجود و انه لا يهمه في سبيل مرضاة الله تعالي و رسوله كل ما يلاقيه من آلام و جروح دامية و قد شفع هذا القول بالجهود في العمل حين استقبل السيوف و الرماح بصدره و نحره كما لم يقتنع بهذا حتي اوصي حبيب بن مظاهر ذلك الذي استفاد علم المنايا و الملاحم من اميرالمؤمنين بنصرة الحسين عليهماالسلام و لانه لا يعذر عند رسول الله (ص) بالتقصير في حقه و هو في آخر رمق الحياة و فاضت نفسه الغالية علي هذه العقيدة و الطاعة [4] .

و تابعه في اخلاص الولاء و المفاداة سعيد بن عبدالله الحنفي اذ يقول و الله لا نخليك حتي يعلم الله انا قد حفظنا غيبة رسول الله (ص) فيك و الله لو علمت اني اقتل ثم احيا ثم احرق حيا ثم اذري يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتي القي حمامي دونك فكيف لا افعل ذلك و انما هي قتلة واحدة ثم الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا.

فوقف دون ابي عبدالله (ع) و نصح في الذب عنه و لم يقنعه ما اصابه من الجروح الدامية حين استهدف لاعداء الله تعالي دون حسين عليه السلام و هو


يصلي الظهر في حومة الميدان حتي استفهم من ابي الضيم انه ادي اجر الرسالة و وفي بما اوجبه الله عليه فيموت جذلا برضي (الرب) تعالي او هو التقصير فالخيبة و الخسران فطمنه ابوعبدالله (ع) بنيل السعادة بالشهادة و لقاء الرسول قبله.

و ما ان فرغ من خطابه حتي قام زهير بن القين البجلي يتلو علي مسامع الاجيال تعاليم راقية في الدعوة الي الدين اعقبت له الخلود الي الابد فيقول للحسين: و الله لوددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتي اقتل علي هذه الف مرة و ان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن انفس هؤلاء الفتية من اهل بيتك.

لا شك في قبول الطاعة من العبد لو كان ما يأتي به من الاعمال بلحاظ الربح يوم الخلود ولكن هناك ما هو أبعد غورا و اسمي قصدا و هو طاعة اهل اليقين الذين لا يهمهم في اداء وجب عليهم الا كون المولي سبحانه اهلا للعبادة (و ابن القين) وعاء اليقين و الايمان الخالص اقرانا في هذا الموقف نظراته البعيدة و عقائده الحقة و غاياته السامية من حفظ شخص الامامة الواجبة من قبل الله تعالي و النفوس العزيزة لرسول الله (ص) و انه لا يريد بعبادته لله تعالي في جهاد اعدائه ثواب الآخرة و المجازاة علي الجهود يوم تقسم الاجور علي الصالحات و انما اراد بهذه العبادة دفع اليد العادية عما يسوء شخص الرسالة الممتزجة بشخصية حجة الوقت علي حد تعبير النبي صلي الله عليه و آله و سلم عنها.

«حسين مني و انا من حسين» [5] فان صاحب الشريعة لم يرد بهذا التعبير تعريف الامة بكون شهيد الطف بضعة منه لما فيه من الركاكة التي يأباها كلام سيد البلغاء لان كل ولد بضعة من ابيه فلا امتياز للحسين ولكنه اراد (ص) بهذه الجملة الذهبية الاشارة الي ما ينوء به سيدالشهداء من توطيد اسس


الاسلام و كسح اشواك الباطل عن صراط شريعة العدل و تنبيه الامم علي جرائم اعمال من يعبث بقداسة الدين فكما ان النبي (ص) اول ناهض لنشر الدعوة الالهية يكون الحسين آخر ناهض لتثبيت دعامتها:



قد اصبح الدين منه شاكيا سقما

و ما الي احد غير الحسين شكا



فما رأي السبط للدين الحنيف شفا

الا اذا دمه في كربلا سفكا



و ما سمعنا عليلا لا دواء له

الا بنفس مداويه اذا هلكا



بقتله فاح للاسلام نشر هدي

فكلما ذكرته المسلمون ذكا [6]



و لولا هذه المصارحة من (ابن القين) لما أمكننا استطلاع ما اختبا بين جوانحه من الولاء الاكيد لمن وجبت لهم العصمة من المهيمن سبحانه و قيضهم اعلاما لعباده و حفظة لشرعه مع ان التاريخ لم يسجل له غير الموالاة (لعثمان بن عفان) و مقت ابن الرسول الاطهر.

اما موقف عابس بن ابي شبيب الشاكري يوم البيعة لمسلم بن عقيل بالكوفة و يوم الطف يفسر فضله الكثير و عقيدته الراسخة بمحبة اهل البيت عليهم السلام و انه لا يهمه في سبيل حفظ الامام (ع) و لو في بعض الاناة ازهاق نفسه و بذل كل ما لديه من نفيس فيقول لمسلم بن عقيل حينما شاهد تلك النفوس الخائنة متداكة علي البيعة له: اني لا اخبرك عن الناس و لا اعلم ما في نفوسهم و ما اغرك منهم و و الله اني احدثك عما انا موطن نفسي عليه و الله لاجيبنكم اذا دعوتم و لا قاتلن معكم عدوكم و لاضربن بسيفي دونكم حتي القي الله لا اريد بذلك الا ما عند الله [7] .

ففسر بهذه الكلمة الموجزة نوايا القوم و خور عزائمهم و انهم مجبولون علي الغدر و النفاق و متابعة الاهواء و انهم لم يرقهم المكاشفة في الميل عنه لئلا يعود ذلك فتا في عضد البيعة الواهية و مثارا للاحن فاجملوا القول و هم ينتظرون نواجم العاقبة و الا فلم لم يحصل لمسلم بن عقيل الواحد من هؤلاء الآلاف من يدله علي الطريق يوم اظلمت عليه الآفاق فلم يدر الي اين يتوجه.


ثم يقول ابن ابي شبيب للحسين يوم الطف: ما امسي علي ظهر الارض قريب و لا بعيد اعز علي منك و لو قدرت ان ادفع الضيم عنك بشي ء اعز علي من نفسي لفعلت [8] .

بلي يا ابن ابي شبيب ان الرجال المخلصين لله تعالي المتفانين في خدمته لا يرون الوجود الا متلاشي الاطراف و البقاء الابدي بنصرة الامام علة الكائنات و مدار الموجودات.

ثم يقوم نافع بن هلال فيقول: و الله ما اشفقنا من قدر الله و لا كرهنا لقاء ربنا انا علي نياتنا و بصائرنا نوالي من والاك و نعادي من عاداك، و يتكلم اصحابه بما يشبه ذلك.

و لما اذن عليه السلام لاهل بيت بالانصراف قالوا باجمعهم بصوت واحد: انفعل ذلك لنبقي بعدك لا ارانا الله ذلك ابدا، ثم التفت الي بني عقيل و قال: حسبكم من القتل بمسلم قد أذنت لكم.

فانطلقت السنتهم تعبر عما اضمر في جوانحهم من النصرة للدين و الذب عن شخص الامام الحجة فقالوا: اذن ما نقول للناس انا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الاعمام و لو نرم معهم بسهم و لم نطعن برمح و لم نضرب بسيف؟ لا و الله لا نفعل ولكن نفديك بانفسنا و اموالنا و اهلينا نقاتل معك حتي نرد موردك فقبح الله العيش بعدك.

ان هذه المفاداة في ذلك المازق الحرج الذي تقطعت فيه خطوط المدد و سد دونهم باب الورود المباح للحيوانات تكشف عن بلوغهم اسمي صفات الكمال و تجردهم عن عوارض الدنيا الفانية و لو كانوا يحملون اقل شي ء من الراغبة في البقاء و التبلغ في هذا الوجود لاتخذوا الاذن بالمفارقة ذريعة يتذرعون بها يوم الحساب ولكن هذه النفوس التي فطرها «رب العالمين» سبحانه من طينة القداسة و امتزجت بنور اليقين لا ترغب في البقاء الا ان تحق الحق او تبطل الباطل و هل تستمري ء العيش و هي تعلم ما يلاقيه فلذة كبد الرسول و مهجة الاسلام من الجروح الدامية و الاوام المبرح:




نفوس ابت الا ترات ابيهم

فهم بين موتور لذاك و واتر



لقد الفت ارواحهم حومة الوغي

كما انست اقدامهم بالمنابر [9]



و في هذا الحين انهي الي محمد بن بشير الحضرمي خبر اسر ابنه بثغر الري فقال: عند الله احتسبه و نفسي ما احب ان يؤسر و ابقي بعده فلما سمع الحسين (ع) هذا منه اذن له بالمفارقة و حل عقد البيعة ليعمل في فكاك ابنه فلما سمع ذلك من سيدالشهداء ثارت به حمية الدين و حفزه الولاء الصادق الي اظهار عقيدته الراسخة في التفاني دون شخص الامام فقال: يا اباعبدالله اكلتني السباع حيا ان فارقتك.

ان الايمان الثابت و الطاعة لله تعالي و للرسول يرفعان من تمكنا فيه الي اوج العظمة و فوق مستوي الفضيلة و لو كان ابن بشير متزلزل العقيدة لاغتنم فرصة الاذن بالانصراف عذرا عند المولي سبحانه و عند الناس.

ان «الشهامة الحسينية» لم تترك لصاحبها منتدحا دون المجاهرة بالافراج عن العبد الاسود «جو مولي ابي ذر الغفاري» لئلا يقيده الحياء عن الفرار ولكن سيدالشهداء بعد ان عرف صبره و ثباته عند الهزاهز اراد بامتحانه تعريف المتجمهرين عليه و من يأتي من الامم نفسية هذا العبد الاسود و مبلغ موقفه في الذب عن الشريعة التي تلاعبت بها ايدي الخائنين مهما تفاقم الخطب و تراكمت الاهوال فأباح له حل العهد و النجاة بنفسه فقال له: يا جون انما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقتنا فعندها تسابقت دموعه خوفا من عدم التوفيق لنيل السعادة الخالدة و قد مزجها بقوله الذي لم يزل رجع صداه في مسامع الاجيال معرفا بنجاح الصابر عند الهزاهز (و انما الراحة بعد العنا).

فقال: انا في الرخاء الحس قصاعكم و في الشدة اخذلكم ان ريحي لنتن و حسبي لئيم و لوني اسود فتنفس علي بالجنة ليطيب ريحي و يشرف حسبي و يبيض لوني! لا و الله لا افارقكم حتي يختلط هذا الدم الاسود مع دمائكم. [10] .

و لولا هذه المصارحة من الحسين (ع) لما تسني لكل احد الوقوف علي


طهارة ضمير هذا العبد و نواياه الحسنة و ان ثباته علي القتل بعد الافراج و الاذن بالمفارقة يخبر عن عقيدة راسخة.

الخلاصة

ان حفظ شخص الامام كحفظ شخص النبي (ص) مما يلزم به العقل و الشرع و لا يسع كل احد التخلف عنه و تركه و من يريد استئصاله بل الواجب بذل النفس و النفيس دونه ليدرأ بذلك العدوان عن نفس الامام الذي هو حياة الوجود و بقاء الكون كما يجب علي الامام (ع) الدعوة الي نصرته و الدفاع عنه مع العلم بأن الموافق له قادم علي ازهاق نفسه القدسية و انه لا ندحة له عن دفع الموت فيجوز له عدم الزام أي احد بالدفاع عنه لخلوه عن الفائدة.

و الحسين كان عالما بما يجري عليه من اعدائه وعد لا خلف فيه و قضاء غير مردود كما انبا ام سلمة بقوله: ان لم اخرج اليوم خرجت في غد و ان لم اخرج في غد فبعد غد و هل الموت بد اتظنين انك تعلمين ما لم اعلمه؟

اذا فلا يجب عليه الزام الغير بالدفاع عنه نعم لا يسقط التكليف عمن فقد العلم بالمقدرات الالهية من البشر في القيام بالدفاع عن شخص الامام الحجة و لا يعذر من يبصر حصار القوم لمن اهله الله تعالي خليفة علي العباد و قطعهم خطوط المدد عنه و سد باب الورود عليه فلم ينهض لرد العادية عنه كيلا يخلص اليه ما يزهق نفسه القدسية و لا يقبل الله تعالي حجة من ينظر هذا الحال ثم يتقاعس عن النصرة و ان اعصوصب الامر و تفاقم الخطب اللهم الا ان ياذن حجة الزمن بمقارقته و تخليته مع اعدائه لكونه العالم بالمصالح تعليما من لدن حكيم عليم تعالي شأنه و حينئذ لا يلزم العقل و لا الشرع بالبقاء معه و الدفاع عنه و لا يكون من يفارقه متعديا علي مقررات الشريعة و يصح له العذر يوم نشر الصحف بترخيص الامام (ع) في ترك نصرته و لا يكون الامام مجازفا لو اباح للغير افراده و اعداءه و حل عقدة العهد بعد التسليم بأنه لا يتخطي المصالح الواقعية قيد شعرة هذا ما يقتضيه تكليف الامام و اما تكليف الماذون بالانصراف فانه اذا لم يشاهد استغاثة الامام و استنصاره فلا تبعة عليه و لا مسؤولية و اما مع مشاهدته حيرة الامام و تتابع استغاثته فلا يسوغ له ترك النصرة للقطع بأنه في هذا الحال


بحاجة ماسة الي الذب عنه فلا يقبل منه العذر يوم الحساب.

و ان كلمة ابي عبدالله (ع) لعبيدالله بن الحر الجعفي يوم اجتمع معه في قصر بني مقاتل لما استنصره فابي عليه قال له الحسين (ع): اني انصحك ان استطعت ان لا تسمع و اعيتنا و صراخنا و لا تشهد وقعتنا فافعل فو الله لا يسمع و اعيتنا احد و لا ينصرنا الا اكبه الله علي منخريه في نار جهنم.

تؤيد ما سجلناه من دحض حجة من يسمع استغاثة الامام ثم لا ينصره و اما من لم يسمع الواعية و قد اباح له المفارقة فهو معذور.

فالضحاك بن عبدالله المشرقي لا يعذر يوم الحساب لان استنصار الحسين في مسامعه و يراه مكثورا فالواجب عليه الدفاع الي آخر نفس يلفظه.

و هذا الرجل جاء الي الحسين قبل اشتباك الحرب و قال له: اني اقاتل معك ما رأيت معك مقاتلا فاذا لم ار احدا فانا في حل فقال له الحسين نعم فخبا فرسه في بعض الابنية لما رأي خيل اصحاب الحسين (تعقر) و صار يقاتل راجلا و لما بقي الحسين وحده قال له الضحاك اني علي الشرط قال نعم انت في حل ان قدرت علي النجاة فاخرج فرسه من الفسطاط و ركبها و غار علي القوم فافرجوا له و تبعه خمس عشرة رجلا فانتهي الي (شفيه) قريبة من شاطي ء الفرات و لحقه القوم و عرفه ايوب بن مشرح الخيواني و كثير بن عبدالله الشعبي و قيس بن عبدالله الصائدي و قالوا لاخوانهم هذا ابن عمنا ننشدكم الله لما كففتم عنه فنجا منهم [11] ... و قول الحسين (ع) انت في حل لا يكون عذرا له يوم الحساب، لان اباعبدالله (ع) لا يسعه ان يقول له اصبر علي القتل و هو يعرف مقام الاصرار علي الذهاب، و المولي سبحانه لا يعذره يوم الحشر لانه يسمع استنصار ابي الضيم، و من يسمع الاستغاثة و لا ينصره اكبه الله علي وجهه في النار.


پاورقي

[1] تاريخ الطبري ج 6 ص 238 و کامل ابن‏الاثير ج 4 ص 24 و في البداية لابن‏کثير ج 8 ص 178 ذکر اذنه بالمفارقة و اصرار اصحابه و اهل بيته علي المفاداة و رواه الفضل بن شاذان النيسابوري في «اثبات الرجعة» عن ابي‏جعفر (ع) و رواه الشيخ المفيد في الارشاد و الطبرسي في اعلام الوري و الفتال في روضة الواعظين و ذکره الخوارزمي في المقتل ج 1 ص 246.

[2] کامل الزيارت لابن‏قولويه ص 999 و ص 970.

[3] صحيح البخاري کتاب الانبياء باب الاقرع و الابرص فتح الباري ج 6 ص 323 في هذا الباب.

[4] يذکرني هذا التفاني دون ابن بنت المصطفي اعتذار سعد بن ابي‏وقاص لما طلب منه اميرالمؤمنين (ع) نصرته فقال کما في کتاب الجمل للشيخ المفيد ص 59 طبع ثاني اني اکره الخروج في هذا الحرب فاصيب مؤمنا الا ان تعطيني سيفا يعرف المؤمن من الکافر.

[5] رواه من الامامية ابن‏قولويه في کامل الزيارات ص 53 و من اهل السنة الترمذي في جامعه في مناقب الحسين و الحاکم في المستدرک ج 3 ص 177 و ابن‏عساکر في تهذيب تاريخ الشام ج 4 ص 314 و ابن‏حجر في مجمع الزوائد ج 9 ص 181 و في الصواعق المحرقة ص 115 حديث 23 و البخاري في الادب المفرد و المتقي الهندي في کنز العمال ج 7 ص 107 و الصفوري في نزهة المجالس ص 478 و امالي السيد المرتضي ج 1 ص 157 المجلس الخامس عشر.

[6] من قصيدة في الحسين للسيد جعفر الحلي طبعت في ديوانه.

[7] تاريخ الطبري ج 6 ص 199.

[8] نفس المصدر ص 254 ج 6.

[9] مثير الاحزان لابن‏نما.

[10] اللهوف ص 61 صيدا.

[11] تاريخ الطبري ج 6 ص 255.