بازگشت

الحسين يوم الطف


و علي هذه السنن مشي ابوعبدالله الحسين (ع) يوم الطف فلم يبدأ القوم بقتال مهما رأي من اعدائه التكاتف علي الضلال و المقابلة له بكل ما لديهم من حول و طول حتي منعوه و عياله و صحبه من الماء الذي لم يزل صاحب الشريعة (ص) يجاهر بأن الناس في الماء و الكلا شرع سواء لانه (ع) اراد اقامة الحجة عليهم فوقف في ذلك الملا المغمور بالاضاليل و نادي بحيث يعي الجماهير حجته، فعرفهم اولا خسارة هذه الدنيا الفانية لمن تقلب فيها فلا تعود عليهم الا بالخيبة ثم تراجع ثانيا الي التعريف بمنزلته من نبي الاسلام و شهادته له و لاخيه المجتبي بانهما سيدا شباب اهل الجنة، و ناهيك بشهادة من لا ينطق عن الهوي و كان محبوا بالوحي الالهي ان تؤخذ ميزانا للتمييز بين الحق و الباطل، و في الثالثة عرفهم بأنه يؤدي كل ما لهم عنده من مال و حرمات، و في الرابعة نشر المصحف


الكريم علي رأسه و دعاهم الي حكمه و حتي اذا لم تجد هذه النصائح القيمة فيهم و وضح لديه اصرارهم علي الغي و العناد لله تعالي و لرسوله (ص) كشف الستار عن الاباء العلوي الذي انحنت عليه اضالعه و رفع الحجاب عن الانفة التي كان ابناء علي (ع) يتدارسونها ليلا و نهارا و تلهج بباب انديتهم فقال صلوات الله عليه:

«الا و ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يابي الله لنا ذلك و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت و انوف حمية و نفوس ابية من ان نؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام الا و اني زاحف بهذه الاسرة علي قلة العدد و خذلان الناصر».



كيف يلوي علي الدنية جيدا

لسوي الله ما لواه الخضوع



ولديه جأش ارد من الدرع

لظمئي القنا و هن شروع



و به يرجع الحفاظ لصدر

ضاقت الارض و هي فيه تضيع



فأبي ان يعيش الا عزيزا

او تجلي الكفاح و هو صريع [1]



هذه وصايا الشريعة المطهرة و احكامها الباتة في الدعوة الي الحق و النهضة لسد باب الباطل و كما الزمت جهاد المضلين المشركين اباحت ترك الجهاد للصبي و المقعد و الاعمي و الشيخ الكبير و المرأة و البالغ الذي لم يأذن له ابواه، لكن مشهد «الطف» خرق ناموسها الاكبر و جاز تلك المقررات جريا علي المصالح و الاسرار التي قصرت عنها احلام البشر و قد تلقاها (ابي الضيم) عليه السلام من جده المنقذ الاكبر و ابيه الوصي المقدم. فالحسين (ع) لم يشرع سنة اخري في الجهاد، و انما هو درس الهي اثبته اللوح الاقدس في عالم الابداع محدد الظرف و المكان تلقاه الامين جبرئيل و افاضه علي حبيب الله و صفيه «محمد» (ص) فاودعه صاحب الدعوة الالهية عند ولده سيدالشهداء (ع).

فكل ما يشاهد في ذلك المشهد الدامي من الغرائب التي تنحسر عن الوصول الي كنهها عقول الرجال فهو مما آثر المولي سبحانه به وليه و حجته اباعبدالله الحسين (ع).


و علي هذه السنن مشي شهيد الكوفة مسلم بن عقيل المميز في العلم و العمل و وفور العقل و الملكات القدسية كما يقتضيها تأهله للولاية و النيابة عن الامام الحجة (ع) و قد كابد من شدة الظما ما يجوز له شرب النجس ولكن ابن عقيل كقمر الهاشميين رضيعا لبن واحد و خريجا مدرسة الامامة و العصمة فحازا ارقي شهادة في الاخلاص بالمفاداة دون الدين الحنيف من ائمة معصومين جعلتهما القدوة في الاعمال الصالحة، فكما ان مسلما لم يذق الماء حتي لفظ نفسه الاخير عطشا لم تسمح نفس ابي الفضل في الورود حين زلزل الصفوف عن مراكزها حتي ملك الماء وحده، و قد علم بعطش سيدالشهداء و حرائر المصطفي (ص) و الصبية الفاطمية، فلم تجوز له الشريعة التي تلقاها من ابيه الوصي و اخويه الامامين «ان قاما و ان قعدا» [2] علي حد تعبير النبي (ص) الري من ذلك المعين تداركا لنفس حجة الوقت و لو في آن يسير، غير ان المحتوم عاقة عن بلوغ الامنية:



لم يذق الفرات اسوة به

ميمما بمائه نحو الخبا



لم ير في الدين يبل غلة

وصنوه فيه الظما قد الهبا



لذاك قد اسنده لدينه

و عن يقين فيه لن يضطربا



هذا من الشرع يري فعلته

و من صراط احمد ما ارتكبا



و مثله الحسين لما ملك ال

ماء فقيل رحله قد نهبا



ام الخيام نافضا لمائه

اذ عظم الامر به واعصو صبا



فكان للعباس فيه اسوة

اذ فاض شهما غير مفلول الشبا [3]



لقد نهض ابوعبدالله الحسين (ع) بذلك الجمع النزر المؤلف من شيوخ و صبية و رضع و نساء مع العلم بأن مقابليه لا يرقبون فيه الا و لا ذمة قادمين علي استئصال شافة النبي (ص) في اهله و ذويه، لكن سياسة «شهيد الطف» التي لا يدرك مداها و تنحسر العقول عن تفسير مغزاها عرفت الاجيال الواقفين علي هذه الملحمة التي لم يأت الدهر بمثلها بأعمال هؤلاء الجبابرة الذين لم يسلم اسلافهم حين اظهروه الا فرقا من سيف الاسلام، و قد اصاب ابوعبدالله


(ع) شاكلة الغرض يوم تقشعت سحب الاوهام بأنوار نهضته الوضيئة و هتاف حرمه الذي بلبل الافكار و اقلق الادمغة حتي راحت الاندية تلهج بما احتقبه هؤلاء الطغاة و من قبلهم من الشنار و العار.


پاورقي

[1] من قصيدة في الحسين للسيد حيدر الحلي رحمه الله.

[2] کشف الغمة للاربلي ص 159 في احوال الحسين (ع).

[3] للحجة الميرزا محمد علي الغروي الاردوبادي.