بازگشت

علم الحسين بالشهادة


لقد تجلي بما بيناه تحبيذ العقل و الشرع الاقدام علي الهلكة اذا تحققت هناك مصلحة تقاوم مفسدة الهلكة من ابقاء دين و شريعة او ابراز حقيقة لا تظهر الا به


كما في امر الحسين (ع) يوم وقف ذلك الموقف المدهش فتلا علي الملا صحيفة بيضاء رتلتها الحقب و الاعوام.

فلقد عرف صلوات الله عليه بنهضته المقدسة الامم الحاضرة و المتعاقبة اعمال الامويين و من سن لهم خرق نواميس الشريعة و التعدي علي قداسة قوانينها، و قد استفادت الامم من اقدام ابي الضيم (ع) علي الموت و بذله كل ما لديه من جاه و حرمات في سبيل تأييد الدعوة المحمدية دروسا عالية و عرفوا كيفية الثبات علي المبدأ و انه يستهان في تحرير النفوس عن الجور و انقاذها من مخالب الظلم كل غال و رخيص.

و اذا كان محمد بن الحسن الشيباني ينفي البأس عن رجل يحمل علي الآلف مع فقد احتمال النجاة أو النكاية بالعدو و لا يكون هذا الاقدام منه القاء بالتهلكة لان فيه نفع السملين و تقوية عزائمهم و بعث روح النشاط فيهم للدفاع عن المبدا و الموت تحت راية العز [1] .

فأبوعبدالله الحسين (ع) يفضل كل احد فانه باقدامه علي اولئك الجمع المغمور بالاضاليل و ان ازهق نفسه المقدسة و نفوس الازكياء من اهل بيته و صحبه و عرض حرم رسول الله (ص) للسلب و الاسر الا انه سجل اسطرا نورية علي جبهة الدهر في احقية نهضته و بطلان تمويهات عدوه الحائد عن سنن الحق المتمرد في الطغيان فهو الفاتح المنصور و ان المتجهر عليه راسب في بحر الضلال هاتك لحرمات الله تعالي متعد علي نظم الاسلام التي قررها صاحب الدعوة الالهية.

و اني لاعجب ممن يذهب الي ان الحسين (ع) كان يظن موافقة الكوفيين له و قد تخلف ظنه فانا لو تنازلنا و قلنا بان الحسين لم يكن عنده العلم العام لما كان و يكون و ما هو كائن ولكن اين يذهب عنه العلم بما يقع من الحوادث بواسطة اخبار جده و ابيه الوصي بأنه مقتول بأرض كربلا ممنوع من الورود و معه ذووه و صحبه قضاء محتوما، اليس هو الذي اعلم ام سلمة بقتله حين أبدت له خوفها من سفره هذا لان الصادق المصدق الذي لا ينطق عن الهوي (ص) اعلمها


بفتله بأرض كربلا ممنوعا عن الورد.

و فيما قال لها اني اعلم اليوم الذي اقتل فيه و الساعة التي اقتل فيها و اعلم من يقتل من اهل بيتي و اصحابي اتظنين انك علمت ما لم اعلمه و هل من الموت بد فإن لم اذهب اليوم ذهبت غدا.

و قال لاخيه عمر الاطرف ان ابي اخبرني بان تربتي تكون الي جنب تربته اتظن انك تعلم ما لم اعلمه. و قال لاخيه محمد بن الحنفية شاء الله ان يراني قتيلا و يري النساء سبايا.

و قال لابن الزبير: لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتي يقضوا في حاجتهم و قال لعبدالله بن جعفر: اني رأيت رسول الله في المنام و امرني بامر انا ماض له. و في بطن العقبة قال لمن معه: ما أراني الا مقتولا فاني رأيت في المنام كلابا تنهشني و اشدها علي كلب ابقع و لما اشار عليه عمرو بن لوذان بالانصراف عن الكوفة الي ان ينظر ما يكون عليه حال الناس قال (ع) ليس يخفي علي الرأي ولكن لا يغلب علي امر الله و انهم لا يدعوني حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي.

الي غير ذلك من تصريحاته و تلويحاته في المدينة و مكة و الطريق الي الكوفة كما ستقرؤها بتمامها فانها شاهدة علي انه عليه السلام كان علي علم و يقين بأنه مقتول في اليوم الموعود به بارض كربلاء، ثم هل يتردد احد في هذا و هو يقرا خطبته بمكة حين اراد السفر منها الي العراق التي يقول فيها: كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلا فيملان مني اكراشا جوفا و اجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم.

فدلت هذه الاجوبة من الحسين (ع) لمن طلب منه التريث في السفر او الذهاب في ارض الله العريضة علي وقوف سيدالشهداء علي امره و لم تخف عليه نوايا الكوفيين ولكنه سر الهي تعلق به خاصة و لاجل القاء الحجة علي هذا الخلق المتعوس كانت استغاثاته و انتصاراته يوم الطف قبل نشوب الحرب و بعده.

و انما لم يصارح بما عنه من العلم لكل من رغب في اعراضه عن السفر الي


الكوفة لعلمه بأن الحقائق لا تفاض لاي متطلب بعد اختلاف الاوعية سعة وضيقا و تباين المرامي قربا و بعدا فلذلك (ع) يجيب كل احد بما يسعه ظرفه و تتحمله معرفته و عقليته فان علم اهل البيت (ع) صعب مستصعب لا يتحمله الا نبي مرسل او ملك مقرب او مؤمن امتحن الله قلبه بالايمان.


پاورقي

[1] احکام القرآن للجصاص ج 1 ص 309.