بازگشت

الاقدام علي القتل


تمهيد

من الضروري احتياج المجتمع البشري الي مصلح يسد خلته و يسدد زلته و يكمل اعوازه و يقوم اوده لتوفر دواعي الفساد فيه، فلو لم يكن في الامة من يكبح جماح النفوس الشريرة للعبت الاهواء بهم و فرقتهم ايدي سبا و بات حميم لا يأمن حميمه، و اصبحت افراد البشر ضحايا المطامع. و هذا المصلح يختاره المولي سبحانه من بين عباده لانه العارف بطهارة النفوس و نزاهتها عما لا يرضي به رب العالمين، و يكون الواجب عصمته مما في العباد من الرذائل و السجايا الذميمة حتي لا يشاركهم فيها فيزداد الطين بلة و يفوته التعريف و الارشاد الي مناهج الاصلاح و مساقط الهلكة و قد برأ الله ذات النبي الاعظم (ص) من نور قدسه و حباه باكمل الصفات الحميدة حتي بذ العالم وفاق من في الوجود فكان محلا


للتجليات الالهية و ممنوحا بالوحي العزيز، و ان اليراع ليقف مترددا عن تحديد تلك الشخصية الفذة التي انبا عنها النبي (ص) بقوله لاميرالمؤمنين (ع): لا يعرف الله الا انا و انت و لا يعرفني الا الله و انت و لا يعرفك الا الله و انا [1] .

و حيث ان عمر النبي غير باق الي الابد لانه لم يخرج عما عليه الناس في مدة الاجل و جملة من تعالميه لا تخلو من ان تكون كليات لم تأت ازمنة تطبيقها علي الخارج. كان الواجب في شريعة الحق الداعية الي اصلاح الامة اقامة خليفة مقامه يحذو حذوه في نفسياته و اخلاصه و عصمته، لان السرائر الكامنة بين الجوانح لا يعلمها الا خالقها و لو أوكل معرفتها الي الامة لتعذر عليها التمييز لعدم الاهتداء الي تلك المزايا الخاصة في الامام فتحصل الفوضي و ينتشر الفساد و يعود النزاع و التخاصم و هو خلاف اللطف الواجب علي المولي سبحانه «ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة في الامر» [2] «ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا» [3] .

فالخلافة منصب الهي يقيض الله تعالي رجلا ينوء باثقال النبوة فيبلغ الدعوة لمن تبلغه و يدعو الي تفاصيل الشريعة التي جاء بها المنقذ الاكبر فيرشد الجاهل و ينبه الغافل و يؤدب المتعدي و يبين ما اجمله النبي صلي الله عليه و آله لضرب من المصلحة او اهمله لعدم السعة في زمانه.

بعد انقضاء امد الرسالة في شخصية اميرالمؤمنين ثم ابنه الحسن و بعده اخوه سيدالشهداء الحسين فابنه زين العابدين علي ثم ابنه الباقر محمد فابنه الصادق جعفر فابنه الكاظم موسي فابنه الرضا علي فابنه الجواد محمد فابنه الهادي علي فابنه الحسن العسكري ثم ابنه المنتظر ابوالقاسم محمد عجل الله فرجه.

كما افاد المتواتر من الاحاديث بان الله عز شانه اودع في الامام المنصوب حجة للعباد و منارا يهتدي به الضالون، قوة قدسية نورية يتمكن بوساطتها من


استعلام الكائنات و ما يقع في الوجود من حوادث و ملاحم فيقول الحديث الصحيح اذا ولد المولود منا رفع له عمود نور يري به اعمال العباد و ما يحدث في البلدان [4] .

و التعبير بذلك اشارة الي القوة القدسية المفاضة من ساحة (الحق) سبحانه ليكتشف بها جميع الحقائق علي ما هي عليه من قول أو عمل او غيرهما من اجزاء الكيان الملكي و الملكوتي و بتلك القوة القدسية يرتفع سدول الجهل و استتار الغفلة فلا تدع لهم شيئا الا و هو حاضر بذاته عند ذواتهم القدسية، كما أن النور يجلو ما اسدلته غياهب الظلمة فيجد المبصر ما حجبه الحلك الدامس نصب عينيه و قد انبا ابوعبدالله الصادق عليه السلام عما حباهم به المولي جل شأنه من الوقوف علي امر الاولين و الآخرين و ما في السماوات و الارضين و ما كان و يكون حتي كان الاشياء كلها حاضرة لديهم [5] .ثم يسجل التدليل عليه بقوله: كلما كان لرسول الله (ص) فلنا مثله الا النبوة و الازواج [6] .

و لا غلو في ذلك بعد قابلية تلك الذوات المطهرة بنص الذكر الحميد: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا» [7] لتحمل الفيض الاقدس و عدم الشح في (المبدأ الاعلي) تعالت آلاؤه و المغالاة [8] في شخص عبارة عن اثبات صفة له اما ان يحملها العقل او لعدم القابلية لها و العقل لا يمنع الكرم الالهي كيف و الجليل عز لطفه يدر النعم علي المتمادين في الطغيان المتمردين علي قدس جلاله حتي كان المنة لهم عليه فلم يمنعه ذلك من الرحمة بهم و الاحسان اليهم و التفضل عليهم لا تنفذ خزائنه و لا يفوته من طلبه و هذا من القضايا التي قياساتها معها و اذا كان حال المهيمن سبحانه كما وصفناه مع اولئك


الطغاة فكيف به عزوجل مع من اشتقهم من الحقيقة الاحمدية التي هي من (الشعاع الاقدس) جل شأنه فالتقي مبدا فياض و ذوات قابلة للافاضة، فلا بدع في كل ما ورد في حقهم (ع) من علم الغيب و الوقوف علي اعمال العباد و ما يحدث في البلدان مما كان و يكون.

فالغيب المدعي فيهم عليهم السلام غير المختص بالباري تعالي ليستحيل في حقهم عليهم السلام فانه فيه تعالي شانه ذاتي، و اما في الائمة فمجعول من الله سبحانه، فبوساطة فيضه و لطفه كانوا يتمكنون من استعلام خواص الطبائع و الحوادث.

فاذا الغيب علي قسمين: منه ما هو عين واجب الوجود بحيث لم يكن صادرا عن علة غير ذات فاطر السماوات و الارضين و منه ما كان صادرا عن علة و متوقفا علي وجود الفيض الالهي و هو ما كان موجودا في الانبياء و الاوصياء و الي هذا الذي قررناه تنبه العلامة الآلوسي المفسر فانه عند قوله تعالي: «قل لا يعلم من في السموات و الارض الغيب الا الله» قال لعل الحق ان يقال ان علم الغيب للنفي عن غيره جل و علا هو ما كان للشخص بذاته أي بلا وساطة في ثبوته له و ما وقع للخواص ليس من هذا العلم المنفي في شي ء و انما هو من الواجب عزوجل افاضة منه عليهم بوجه من الوجوه فلا يقال انهم عملوا الغيب بذلك المعني فانه كفر بل يقال انهم اظهروا و اطلعوا علي الغيب [9] .

و يشهد له ما جاء عن ابي جعفر الجواد (ع) فانه لما اخبر ام الفضل بنت المامون بما فاجاها مما يعتري النساء عند العادة قالت له: لا يعلم الغيب الا الله، قال (ع): و انا اعلمه من علم الله تعالي [10] .

فالائمة محتاجون في جميع الاوقات الي الفضل الالهي بحيث لولا دوام الاتصال و تتابع الفيوضات لنفد ما عندهم علي حد تعبير الامام ابي عبدالله الصادق فانه قال لولا انا نزداد في كل ليلة جمعة لنفد ما عندنا [11] و مراده التعريف


بأن علمهم مجعول من الباري تعالي و انهم في حاجة الي استمرار ذلك الفيض الاقدس و تتابع الرحمات السبحانية و التخصيص بليلة الجمعة من جهة بركتها بنزول الالطاف الربانية فيها من اول الليل الي آخره علي العكس من سائر الليالي و الي هذا يرجع قول الرضا (ع): يبسط لنا العلم فنعلم و يقبض عنا فلا نعلم [12] .

و هل يشك من يقرأ في سورة الجن: «عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه احدا الا من ارتضي من رسول» ان من كان من ربه قاب قوسين او ادني هو خاتم الانبياء الرسول المرتضي لانه لم يفضله احد من الخلق و كان ابوجعفر يقول: كان و الله محمدا ممن ارتضاه [13] و لم يبعد الله الخلفاء عن هذه المنزلة بعد اشتقاقهم من النور المحمدي و يشهد له جواب الرضا (ع) لعمرو بن هداب فانه لما نفي عن الائمة عليهم السلام علم الغيب محتجا بهذه الآية قال له: ان رسول الله هو المرتضي عندالله و نحن ورثة ذلك الرسول الذي اطلعه الله علي غيبه، فعلمنا ما كان و يكون الي يوم القيامة [14] .

و كيف لا يكون حبيب الله هو ذلك الرسول المرتضي و قد شرفه الباري سبحانه بمخاطبته اياه بلا وسيط ملك، يحدث زرارة انه سأل اباعبدالله (ع) عن الغشية التي كانت تأخذ رسول الله اهي عند الوحي قال (ع): لا، فانها تعتريه عند مخاطبته الله عزوجل اياه بلا وساطة احد و اما جبرئيل فانه لم يدخل عليه الا مستأذنا فاذا دخل جلس بين يدي رسول الله (ص) جلسة العبد [15] .

و اذا كان رسول الله علي حال لا ينبغي ان يؤذن له قام مكانه الي ان يخرج الاذن و المكان الذي يقف فيه حيال الميزاب [16] و قد اذعن بالوحي بلا وساطة


ملك، برهان الدين الحلبي [17] و السهيلي [18] و ابن سيد الناس [19] و السيوطي [20] و الزرقاني [21] .

و علي طبق هذه الاحاديث المعربة عن مقام الرسول الاعظم من المولي تعالت آلاؤه سجل الشيخ الصدوق اعتقاده في الوحي و الغشية [22] كما لم يتباعد عنه الشيخ المفيد فيقول: الوحي منه ما يسمعه النبي من غير وساطة و منه ما يسمعه بوساطة الملائكة [23] و اقتص اثره الحجة الشيخ محمد تقي الاصفهاني المعروف بآقا نجفي مع زيادة علم النبي (ص) بالقرآن و بما حواه من المعارف و الفنون و ما اشتمل عليه من اسرار الطبائع و خواص لااشياء قبل ان يوحي به اليه، غاية الامر عرفه المولي جل شانه ان لا يفيض هذا العلم قبل ان يوحي به اليه، فقال سبحانه: «فلا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضي اليك وحيه» [24] و لولا وقوف النبي (ص) علي ما حواه الكتاب المجيد من الاسرار و المعارف لما كان للنهي عن بيان ما فيه معني فظهر ان علم النبي (ص) بالحوادث الكائنة و التي كانت و تكون لم يتوقف علي نزول جبرئيل عليه لان المنحة الالهية المباركة اوقفته علي جمع الحقائق قبل خلق جبرئيل.

و من هنا تتجلي ظاهرة اخري لم يدركها من لم يفقه ما تحلت به هذه الشخصيات من مراتب الجلال و الجمال و هي معرفة الرسول الاعظم بالقراءة و الكتابة علي اختلاف انحاء اللغات و تباين الخطوط قبل البعثة و بعدها لبلوغه اسمي درجات الكمال فلا تفوته هذه الصفة مع ان اللازم من عدم معرفته بها رجوعه الي غيره فيما يحتاج اليه من كتابه و قراءة فيكون مفضولا بالنسبة اليه مع انه الفاضل في المحامد كلها، و بهذا الذي قلناه اذعن المحققون من الاعلام [25] و آية


(لا تخطه بيمينك) لا تنفي معرفته بالكتابة علي اطوارها فانها غاية ما تثبته عدم كتابته (ص) و لا ربط لها بعدم المعرفة للكتابة فهو صلي الله عليه و آله عارف بالكتابة ولكنه لم يكتب و العلة في نفي كتابته ارتياب المبطلين كما صرح به القرآن.

و المتحصل مما قررناه ان الله عزوجل منح الائمة من ذرية الرسول جميع ما حبا به جدهم الاقدس من المآثر و الفضائل عدي النبوة و الازواج لانه صلوات الله عليه و علي آله خاتم الانبياء و قد اختص في التزويج دائما باكثر من اربعة.

و من لم يعرف المراد من علم الغيب المدعي لهؤلاء الافذاذ استعظمه فانكره. و حكم من لا يفقه الشرع و الشريعة بكفر معتقده! يحدث شيخ زاده الحنفي: ان قاسم الصفار افتي بكفر من تزوج علي شهادة الله تعالي و رسول الله (ص) مدعيا بانه يقتضي اعتقاده في علم النبي بالغيب، ولكن صاحب التتارخانية نفي الكفر عنه لان بعض الاشياء تعرض علي روح النبي (ص) الطاهرة فيعرف بعض الغيب و قد قال الله تعالي: «عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه احدا الا من ارتضي من رسول [26] »، و كلاهما لم يفقها معني الغيب المراد اثباته و لا ادركا كنه خاتم الانبياء صلي الله عليه و آله فقالا بما شاء لهما اداركهما.

و بعد ان اوضحنا المراد منه لم يبق للقاري ء النابه مجال التردد و التشكيك نعم، لا ينكر ان للباري سبحانه علما استاثر به خاصة و لم يطلع عليه احدا و منه العلم بالساعة.


و اما ما ورد عنهم عليهم السلام من نفي علمهم بالغيب كقول ابي عبدالله: يا عجبا لاقوام يزعمون انا نعلم الغيب ما يعلم الغيب الا الله لقد هممت بضرب جاريتي فهربت مني ما علمت في اي بيوت الدار [27] فمحمول علي التقية لحضور المجلس داود الرقي و يحيي البزاز و ابي بصير و لم يكن لهم قابلية تحمل غامض علم اهل البيت. فاراد ابوعبدالله بنفي علم الغيب عنه تثبيت عقيدة هؤلاء و يؤيده ان سديرا الراوي لهذا الحديث دخل عليه في وقت آخر و ذكر له استغراب ما سمعه منه من نفي العلم بالغيب، فطمنه بانه يعلم ما هو ارقي من ذلك و هو العلم بالكتاب كله و ما حواه من فنون المعارف و اسرارها علي ان هذا الحديث لم يعبا به المجلسي في مرآة العقول لجهالة رواته.

و يحتمل ان يريد بنفي العلم بمكان الجارية الرؤية البصرية لا الانكشاف الواقعي فقوله: (ما علمت) اي ما رأيتها بعيني في أي بيت دخلت و الا فمن يقول في صفة علمه: لم يفتني ما سبقني و لم يعزب عني ما غاب عني لا يخفي عليه امر الجارية، و لما طرق الباب (مبشر) علي الباقر و خرجت الجارية تفتحه قبض علي كفها فصاح به ابوجعفر (ع) من داخل الدار: ادخل لا ابا لك فيدخل مبشر معتذرا بانه لم يرد السوء و انما اراد الازدياد قال له: لو كانت الجدران تحجبنا كما تحجبكم لكنا و انتم سواء [28] ثم يقول لمحمد بن مسلم لولم نعلم ما انتم فيه و عليه ما كان لنا علي الناس فضل ثم استدل عليه بما وقع في الربذة بينه و بين زميله في امر الامامة [29] .

و أما الحكاية عن النبي (ص): لو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير، فلا يفيد الا كونه مفتقرا الي الله تعالي في التعليم و انه لم يكن عالما بالغيب من تلقاء نفسه، و هذا لا ريب فيه فان المعتقد ان الله تعالي هو المتلطف علي النبي و ابنائه عليهم السلام بالملكة القدسية التي تمكنوا بواسطتها من استكشاف ما في الكون [30] .


و سؤال الصادق عن وجود العين عليهم يوم كان في الحجر و معه اصحابه فعرفوه بعدم العين فقال و رب هذه البنية ثلاثا لو كنت بين موسي و الخضر لاخبرتهما اني اعلم منهما و لا نباتهما بما ليس في ايديهما انهما أعطيا علم ما كان و يكون و ما هو كائن الي ان تقوم الساعة و قد ورثناه من رسول الله صلي الله عليه و آله [31] .

فبعد التسليم بصحة الحديث و عدم ضعف ابراهيم بن اسحاق الاحمر نقول بعدم منافاته لعلمه الواسع لما ورد عنهم انهم غير مكلفين باظهار ما يعلمونه بل لابد من العمل بما توجبه التقية ظاهرا او لانه كان يراعي حال بعض اصحابه في ظنه وجود العين عليهم، و هذا نظير قوله الآخر: اني اعلم ما في السموات و الارضين و اعلم ما في الجنة و النار و اعلم ما كان و يكون فلما رأي عظم ذلك و خاف علي من عنده قال (ع): اني علمت ذلك من كتاب الله ان الله تعالي يقول فيه تبيان كل شي ء [32] .

فالامام راعي حال اصحابه فاستدل لهم بما يقنعهم و هكذا الائمة فيما يعلمونه من المصالح الوقتية و الاحوال الشخصية و قوله (ع) في حق موسي و الخضر: انهما أعطيا علم ما كان لا ينافي علم الخضر بمستقبل امر الغلام فانه من القضايا التي اطلعه الله عليها لمصلحة وقتية.

و اما ما ورد عنهم عليهم السلام ان الامام اذا اراد ان يعلم شيئا اعلمه الله [33] فليس فيه دلالة علي تحديد علمهم في وقت خاص بل الحديث يدل علي ان اعمال تلك القوة القدسية الثابتة لديهم عند الولادة موقوف علي ارادتهم المتوقفة علي وجود المصلحة في ابراز الحقايق المستورة و اظهار ما عندهم من مكنون العلم علي ان هذا المضمون ورد في احاديث ثلاثة، ردها المجلسي في مرآة العقول بضعف بعضها و جهالة الآخرين.

فالمتحصل من جميع ما ذكرناه ان الله تعالي افاض علي خلفائه الاطهار ملكة نورية تمكنوا بوساطتها من استعلام ما يقع من الحوادث و ما في الكائنات من


خواص الطبائع و اسرارها الموجودات و ما يحدث في الكون من خير و شر و لا غلو فيه بعد قابلية ذواتهم لهذا الفيض الاقدس و عدم الشح في عطاء الرب سبحانه فانه يهب ما يشاء لمن يشاء و صارح الائمة عليهم السلام بهذا الحبوة الالهية و انهم في جميع الآنات محتاجون الي تتابع الآلاء منه جل شانه، و لولاها لنفد ما عندهم من مواد العلم و هذا غير بعيد فيمن تجرد لطاعة الله تعالي و عجنت طينته بماء النزاهة من الاولياء و الصديقين فضلا عمن قيضهم الباري تعالي امناء شرعه و قد صادق علي ذلك المحققون من الاعلام كما حكاه الشيخ المفيد في المقالات ص 77 و المجلسي في مرآة العقول ج 1 ص 187، و مشي علي ضوئهم المحقق الآشتياني ي حاشيته علي رسائل الشيخ الانصاري ج 2 ص 60.

و قال ابن حجر الهيثمي: لا منافاة بين قوله تعالي: (قل لا يعلم من في السموات و الارض الغيب الا الله)، و قوله: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه احدا)، و بين علم الانبياء و الاولياء بجزئيات من الغيب فان علمهم انما هو باعلام من الله تعالي، و هذا غير علمه الذي تفرد به تعالي شأنه من صفاته القديمة الازلية الدائمة الابدية المنزهة عن التغيير و هذا العلم الذاتي هو الذي تمدح به و اخبر في الآيتين بانه لا يشاركه احد فيه و اما من سواه فانما يعلم بجزئيات الغيب فباعلامه تعالي و اعلام الله للانبياء و الاولياء ببعض الغيوب ممكن لا يستلزم محالا بوجه، فانكار وقوعه عناد و من البداهة انه لا يؤدي الي مشاركتهم له تعالي فيما تفرد به من العلم الذي تمدح به واتصف به من الازل و علي هذا مشي النووي في فتاواه [34] .

فاتضح بهذا البيان ان ابن حجر لم يتباعد عن القول بعلم الاولياء بالغيب و انما لم يوافق الشيعة علي ما يعتقدونه في ائمتهم من اهل البيت عليهم السلام من قدرتهم علي العلم بالحوادث الكائنة و التي تكون الي يوم القيامة لاعتقاده ان هذه السعة مختصة بالباري جل شأنه ولكن الملاك الذي قرره لمعرفة الاولياء ببعض الغيب و هو تمكين المولي سبحانه لهم من الوقوف علي الغيب يقيد ما تعتقده الشيعة، فان الميزان للوقوف علي المغيبات اذا كان باقدار الله تعالي و جعله الملكة النورية في هذا لذوات الخاصة من آل الرسول، فمن الممكن أن


تكون تلك القوة بالغة اقصي مداها فلا يتوقف من افيضت عليه عن جميع المغيبات حتي كان الاشياء كلها حاضرة لديه علي حد تعبير الامام الصادق (ع) اللهم الا الاشياء التي استاثر بها الله تعالي وحده، فلا وقوف لاحد عليها مهما ترقي الي فوق ذروة الكمال.

و علي هذا الذي قرره ابن حجر سجل اعتقاده النيسابوري صاحب التفسير فقال: ان امتناع الكرامة من الاولياء اما لان لله ليس اهلا لان يعطي المؤمن ما يريد، و اما لأن المؤمن ليس اهلا لذلك و كل منهما بعيد فان توفيق المؤمن لمعرفته لمن اشرف المواهب منه تعالي لعبده فاذا لم يبخل الفياض بالاشرف فلان لا يبخل بالدون اولي [35] و قال ابن ابي الحديد انا لا ننكر ان يكون في نوع من البشر اشخاص يخبرون عن الغيوب و كله مستند الي الباري جل شأنه باقداره و تمكينه و تهيئة اسبابه [36] و قال لا منافاة بين قوله تعالي و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و بين علمه (ص) بفتح مكة و ما سيكون من قتال الناكثين و القاسطين و المارقين فان الآية غاية ما تدل عليه نفي العلم بما يكون في الغد و اما اذا كان باعلام الله عزوجل فلا، فانه يجوز ان يعلم الله نبيه بما يكون [37] .


پاورقي

[1] المحتضر للحسن بن سليمان الحلي من تلامذة الشيهد الاول کان حيا سنة 802 ه ص 165 و مختصر البصائر له ص 125.

[2] القصص: 68.

[3] الاحزاب: 36.

[4] بصائر الدرجات للصفار ص 128 جزء 9 ملحق بنفس الرحمن للنوري «قده».

[5] مختصر البصائر ص 101.

[6] المحتضر ص 20.

[7] الاحزاب: 33.

[8] من الغلو ما قاله احمد بن يحيي البلاذري في المستعين.



و لو ان برد المصطفي اذ لبسته

يظن لظن البرد انک صاحبه‏



و قال و قد اعطيته و لبسته

نعم هذه اعطافه و مناکبه‏



(الآثار النبوية ص 13 (لاحمد تيمور باشا.

[9] البحار ج 12 ص 29 ط کمبني عن مشارق الانوار للبرسي.

[10] اصول الکافي علي هامش مرآة العقول ج 1 ص 185.

[11] البحار ج 12 ص 29 ط کمبني عن مشارق الانوار للبرسي.

[12] مختصر البصائر ص 63.

[13] البحار ج 15 ص 74 و تکلم علي هذه الاية ابن‏حجر في فتح الباري ج 13 ص 284 کتاب التوحيد.

[14] البحار ج 12 ص 22 باب وروده البصرة و ج 15 ص 74 عن الخرايج.

[15] توحيد الصدوق ص 102 باب نفي الرؤية و في علل الشرايع ص 14 باب 7 و علم اليقين للفيض 86.

[16] البحار ج 11 ص 216 باب احوال اصحاب الصادق.

[17] السيرة الحلبية ج 1 ص 294 باب بدء الوحي.

[18] الروض الانف ج 1 ص 154.

[19] عيون الاثر ج 1 ص 90.

[20] الخصائص الکبري ج 2 ص 193.

[21] شرح الزرقاني علي المواهب اللدنية ج 1 ص 221 طبع اول.

[22] الاعتقادات ملحق بالباب الحادي عشر للعلامة.

[23] شرح اعتقادات الصدوق ص 211 ملحق بالمقالات طبع طهران.

[24] العنايات الرضوية ص 51.

[25] نص عليه الشيخ المفيد في المقالات ص 123 و الشيخ الوطسي في التبيان ج 2 ص 423 و المبسوط و هو ظاهر الشهيد الاول في غاية المراد و العلامة في التحرير و القواعد و السيد المجاهد في المناهل و صرح بن ابن ‏شهراشوب في المناقب ج 1 ص 161 و المجلسي في مرآة العقول ج 1 ص 147 و السيد في ارياض و الفاضل الهندي في کشف اللثام و المقداد في التنقيح و الحاج ملا علي الکني في القضاء و عبارة السرائر مشعرة بدعوي الاجماع عليه تعرضوا لذلک في مسألة کتابة القاضي من کتاب القضاء.

و به صرح الشهاب الخفاجي في شرح الشفا ج 2 ص 398 في فصل اسمائه من الباب الثالث و في ص 514 فصل اعجازه و في روح المعاني للالوسي ج 21 ص 4 عند قوله: «و لا تخطه بيمينک» ذکر جماعة قالوا بمعرفته الکتابة ثم نقل عن صحيح البخاري انه (ص) کتب عهد الصلح و حمل الاستاذ عبدالعظيم الزرقاني في مناهل العرفان ص 260 ط اول، الاخبار النافية علي اوليات امره والمثبتة للکتابة علي اخريات امره و في تهذيب تاريخ ابن‏عساکر ج 6 ص 249 کتب ابوالوليد الباجي رسالة في کتابة النبي (ص) و انتصر له احمد بن محمد اللخمي و جعفر بن عبدالجبار مع جماعة آخرين.

[26] مجمع الانهر ج 1 ص 320 في الفقه الحنفي.

[27] بصائر الدرجات ص 57 و 62 و اصول الکافي علي هامش مرآة العقول ج 1 ص 186.

[28] مناقب ابن ‏شهراشوب ج 2 ص 274 و البحار ج 11 ص 70 عن ابي‏الصباح الکناني.

[29] البحار ج 11 ص 72 عن الخرايج.

[30] في شرح الشفا للخفاجي ج 3 ص 150 المنفي في الآيات اطلاعه علي الغيب من غير وساطة و اما علمه بالغيب فباعلام الله تعالي فثابت و متحقق لقوله تعالي: فلا يظهر علي غيبه احدا الا من ارتضي من رسول.

[31] اصول الکافي علي هامش مرآة العقول ج 1 ص 189.

[32] المصدر السابق ص 190.

[33] المصدر السابق ص 187.

[34] الفتاوي الحديثة ص 222.

[35] النور السافر في اعيان القرن العاشر ص 85 لعبدالقادر العيدروسي.

[36] شرح النهج ج 1 ص 427 طبع مصر اول.

[37] المصدر ج 2 ص 362.