شهادة عبدالله و عبدالرحمن الغفاريان
كانا من اشراف الكوفة و من شجعانهم و ذوي الموالاة منهم.. و كان جدهما حراق من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام و ممن حارب معه في حروبه الثلاث. كذا في ابصار العين: 104. ثم جاءه عبدالله و عبدالرحمن الغفاريان، فقالا: يا أبا عبدالله، السلام عليك، [انه] جئنا لنقتل بين يديك، و ندفع عنك.
فقال: مرحبا بكما، أدنوا مني.
فدنوا منه و هما يبكيان، فقال: يا ابني أخي، ما يبكيكما؟ فو الله اني لأرجو أن تكونان بعد ساعة قريري العين.
فقالا: جعلنا فداك، و الله ما علي أنفسنا نبكي، و لكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك و لا نقدر علي أن ننفعك.
فقال: جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك و مواساتكما اياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين.
ثم استقدما و قالا: السلام عليك يا ابن رسول الله.
فقال: و عليكما السلام و رحمة الله و بركاته.
فقاتلا حتي قتلا. [1] .
قال السيد رحمه الله: و جعل أصحاب الحسين عليه السلام يسارعون الي القتل بين يديه، و كانوا كما قيل فيهم:
قوم اذ نودوا لدفع ملمة
و الخيل بين مدعس و مكردس
لبسوا القلوب علي الدروع كأنهم
يتهافتون الي ذهاب الأنفس [2] .
قال ابومخنف: و قاتلوهم حتي انتصف النهار اشد قتال خلقه الله، و أخذوا لا يقدرون علي أن يأتوهم الا من وجه واحد، لاجتماع أبنيتهم و تقارب بعضها من بعض.. [3] فلما رأي ذلك عمر بن سعد أرسل رجالا يقوضونها عن أيمانهم و عن شمائلهم ليحيطوا بهم.. فأخذ الثلاثة و الأربعة من أصحاب الحسين يتخللون البيوت، فيشدون علي الرجل و هو يقوض و ينتهب فيقتلونه و يرمونه من قريب و يعقرونه فأمر بها عمر بن سعد عند ذلك فقال: احرقوها بالنار، و لا تدخلوا بيتا و لا تفوضوه، فجاءوا بالنار، فأخذوا يحرقون.
فقال الحسين عليه السلام: دعوهم فليحرقوها، فانهم لو قد حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا اليكم منها... [4] .
قال: و حمل شمر بن ذي الجوشن حتي طعن فسطاط الحسين عليه السلام برمحه، و نادي: علي بالنار حتي أحرق هذا البيت علي أهله.
قال: فصاح النساء و خرجن من الفسطاط.. و صاح به الحسين عليه السلام: يا بن ذي الجوشن، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي علي أهلي؟! حرقك الله بالنار. [5] .
قال ابومخنف: حدثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: قلت لشمر بن ذي الجوشن: سبحان الله، ان هذا لا يصلح لك، أتريد ان تجمع علي نفسك خصلتين، تعذب بعذاب الله، و تقتل الولدان و النساء، و الله ان في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك.
قال: فقال: من أنت؟
قلت: لا أخبرك من أنا.
قال: و خشيت و الله أن لو عرفني أن يضرني عند السلطان. [6] .
قال: فجاءه رجل كان اطوع له مني شبث بن ربعي: فقال: ما رأيت مقالا أسوأ من قولك، و لا موقفا أقبح من موقفك، أمر عبا للنساء صرت؟
قال: فأشهد انه استحيا [7] ، فذهب لينصرف، و حمل عليه زهير بن القين في رجال من أصحابه عشرة، فشد علي شمر بن ذي الجوشن، و أصحابه، فكشفهم عن البيوت حتي ارتفعوا عنها، [8] فصرعوا أبا عزة الضبابي فقتلوه، فكان من أصحاب شمر، و تعطف الناس عليهم فكثروهم، فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين عليه السلام قد قتل، فاذا قتل منهم الرجل و الرجلان تبين فيهم، و اولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم. [9] .
پاورقي
[1] البحار: 29 / 29 / 45 (عن محمد بن ابيطالب) - راجع: مقتل الخوارزمي: 23 / 2.
[2] اللهوف: 47.
[3] راجع: انساب الاشراف: 193 / 3.
[4] راجع: تاريخ الطبري: 333 / 4 - کامل ابن الأثير: 69 / 4 - مقتل الخوارزمي: 16 / 2.
[5] الطبري: 333 / 4 نقلا عن ابيمخنف - راجع: انساب الاشراف: 194 / 3- کامل ابن الأثير: 69 / 4 - البداية و النهاية: 183 / 8.
[6] راجع: البداية: 183 / 8- انظر: مقتل الخوارزمي: 16 / 2.
[7] انظر: مقتل الخوارزمي: 16 / 2.
[8] راجع: انساب الاشراف: 194 / 3.
[9] الطبري: 334 / 4 عن ابيمخنف - راجع: الکامل: 69 / 4 - البداية: 183 / 8.