احتجاجه بنقل آخر
و في المناقب كما عن البحار: انه لما عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن علي عليهما السلام، و رتبهم مراتبهم، و أقام الرايات في مواضعها، و عبأ أصحاب الميمنة و الميسرة، فقال لأصحاب القلب: أثبتوا، و أحاطوا بالحسين من كل جانب حتي جعلوه في مثل الحلقة.
فخرج عليه السلام حتي أتي الناس، فاستصتهم، فأبوا أن ينصتوا حتي قال لهم: «ويلكم! ما عليكم أن تنصتوا الي فتسمعوا قولي، و انما أدعوكم الي سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين، و من عصاني كان من المهلكين، و كلكم عاص لأمري غير مستمع قولي، فقد ملئت بطونكم من الحرام، و طبع علي قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟! ألا تسمعون؟
فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم و قالوا: أنصتوا له.
فقام الحسين عليه السلام، ثم قال: [1] .
تبا لكم أيتها الجماعة و ترحا، [2] ، أفحين استصرختمونا و الهين [3] متحيرين، فأصرختكم مؤدين مستعدين، سللتم علينا سيفا في [4] ، رقابنا [5] و حششتم علينا نار [6] الفتن خبأها عدوكم و عدونا، فأصبحتم البا علي أوليائكم، و يدا عليهم لأعدائكم بغير عدل أفشوه فيكم، و لا أمل [7] أصبح لكم فيهم [8] الا الحرام من الدنيا أنالوكم، و خسيس عيش طمعتم فيه، من غير حدث كان منا و لا رأي تفيل لنا.
فهلا لكم الويلات، اذا كرهتمونا و تركتمونا تجهزتموها و السيف لم يشهر [9] و الجأش طامن، و الرأي لم يستحصف و لكن أسرعتم علينا كطيرة الذباب، [10] ، و تداعيتم كتداعي [11] الفراش [12] . فقبحا لكم.
فانما أنتم من طواغيت الأمة، و شذاذ الأحزاب [13] ، و نبذة الكتاب، و نفثة الشيطان، و عصبة الآثام، و محر في الكتاب، و مطفي ء السنن، [14] و قتلة أولاد الأنبياء، و مبيري عترة الأوصياء، و ملحقي العهار بالنسب، و مؤذي المؤمنين، و صراخ أئمة المستهزءين، الذين جعلوا القرآن عضين. [15] .
و أنتم ابن حرب و أشياعه تعتمدون، و ايانا تخاذلون، أجل و الله الخذل [16] فيكم معروف، و [17] . شجت عليه عروقكم، و توارثته أصولكم و فروعكم، و تبثت [18] عليه قلوبكم، و غشيت صدوركم، فكنتم أخبث [19] شي ء سنخا للناصب و أكلة للغاصب، ألا لعنة الله علي الناكثين، الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها، و قد جعلتم الله عليكم كفيلا، فأنتم و الله هم.
ألا ان الدعي ابن الدعي قد ركز [20] بين اثنتين: [21] ، بين القلة [22] [السلة / خ ل] و الذلة، و هيهات ما [23] آخذ الدنية، أبي الله ذلك و رسوله، و جدود [24] طابت، و حجور طهرت، و أنوف حمية، و نفوس أبية، لا تؤثر مصارع [25] اللئام علي مصارع الكرام.
ألا قد أعذرت و أنذرت، ألا اني زاحف بهذه الأسرة [26] علي قلة العتاد، و خذلة الأصحاب.
ثم أنشأ [27] يقول:
فان نهزم فهزامون قدما
و ان نهزم [28] فغير مهزمينا
و ما ان طبنا جبن و لكن
منايانا و دولة آخرينا [29] .
ألا ثم لا تلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس، حتي تدور بكم الرحي، [30] . عهد عهده الي أبي عن جدي، فأجمعوا أمركم و شركاءكم ثم كيدون جميعا فلا تنظرون
اني توكلت علي الله ربي و ربكم، ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها، ان ربي علي صراط مستقيم. [31] [32] .
اللهم احبس عنهم قطر السماء، و ابعث عليهم سنين كسني يوسف، و سلط عيلهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة، و لا يدع فيهم أحدا الا [قتله] قتلة بقتلة، و ضربة بضربة، ينتقم لي و لأوليائي و أهل بيتي و أشياعي منهم، فانهم غرونا و كذبونا و خذلونا، و أنت ربنا، عليك توكلنا، و اليك أنبنا، و اليك المصير.
ثم قال: أين عمربن سعد؟ ادعوا لي عمر! - فدعي له، و كان كارها لا يحب أن يأتيه -.
فقال: يا عمر، أنت تقتلني؟! تزعم أن يوليك الدعي بن الدعي بلاد الري و جرجان، و الله لا تتهنأ بذلك أبدا، عهدا معهودا، فاصنع ما أنت صانع، فانك لا تفرح بعدي بدنيا و لا آخرة، و لكأني [33] برأسك علي قصبة قد نصب بالكوفة، يتراماه الصبيان، و يتخذونه غرضا بينهم.
فاغتاظ عمر من كلامه، ثم صرف بوجهه عنه و نادي، بأصحابه: ما تنظرون به؟ احملوا بأجمعكم، انما هي أكلة واحدة.
ثم ان الحسين عليه السلام دعا بفرس رسول الله صلي الله عليه و آله المرتجز، فركبه و عبأ أصحابه. [34] .
پاورقي
[1] اثبتناه من البحار.
[2] و بؤسا لکم حين.. / الاحتجاج.
[3] و لهين فأصرخناکم مرجفين / مثير الأحزان، الاحتجاج، اللهوف.
[4] لنا في ايمانکم / اللهوف - مثير الأحزان.
[5] فشخذتم علينا سيفا کان في ايدينا / الاحتجاج.
[6] نارا اججناها علي عدوکم / المثير.
[7] اهلا / مثير الأحزان.
[8] و لا ذنب کان منا اليکم / الاحتجاج.
[9] مشيم / مثير الأحزان، الاحتجاج، اللهوف.
[10] الدبا / مثير الأحزان، الاحتجاج، اللهوف، مقتل الخوارزمي.
[11] کتهافت الفراش، فبعدا و سحقا لطواغيت الأمة.. / مثير الأحزان.
[12] ثم نقضتموها سفها و ضلة، فبعدا و سحقا لطوافيت هذه الامة.. / الاحتجاج.
[13] الذين جعلوا القران عضين، و لبئس ما قدمت لهم أنفسهم في العذاب هم خالدون / مثير الأحزان.
[14] و مؤاخي المستهزئين الذين جعلوا.. / الاحتجاج.
[15] و عصاة الامام، و ملحقي العهرة بالنسب، و بئس ما قدمت لهم أنفسهم، ان سخط الله عليهم و في العذاب هم خالدون. / الاحتجاج.
[16] عذر / اللهوف.
[17] نبتت عليه اصولکم، و اتذرت عليه عروقکم، فکنتم أخبث شجر للناظر.. / الاحتجاج.
[18] نبتت / مقتل الخوارزمي.
[19] أخبث ثمر شجا للناظر / اللهوف.
[20] قد ترکني بين السلة و الذلة، و هيهات له ذلک مني، هيهات منا الذلة، يأبي الله.. / الاحتجاج.
[21] بين السلة و الذلة، و هيهات منا الذلة / اللهوف: - مثير الأحزان.
[22] القتلة / مقتل الخوارزمي.
[23] منا أخذ / مقتل الخوارزمي.
[24] حجور / مثير الأحزان.
[25] طاعة / مثير الأحزان، الاحتجاج، اللهوف، مقتل الخوارزمي.
[26] مع قلة العدد، و کثرة العدو، و خذلة الناصر / مثير الأحزان، الاحتجاج.
[27] أنشد / مقتل الخوارزمي.
[28] و ان نغلب فغير مغلبينا / مثير الأحزان.
[29] و الابيات لفردة بن مسيک المرادي، قاله السيد في اللهوف و ابن نما في مثير الأحزان، و زادا عليها:
اذا ما الموت رفع عن أناس
کلا کله أناخ بآخرينا
فأفني ذلکم سروات قومي
کما أفني القرون الأولينا
فلو خلد الملوک اذا خلدنا
و لو بقي الکرام اذا بقينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقي الشامتون کما لقينا.
[30] و تقلقلون قلق المحور / المثير، و نحوه في اللهوف.
[31] سورة هود: 56 -55. [و في الآية: ثم لا تنظرون].
[32] راجع: مثير الأحزان: 54- اللهوف: 41- الاحتجاج: 24 / 2 - البحار: 83 / 45 عن الاحتجاج.
[33] و کأني / مقتل الخوارزمي.
[34] البحار: 10 -8 / 45 عن المناقب - راجع مقتل الخوارزمي: 8 -6 / 2) و زاد بعد ذلک ما هذا نصه: و زحف عمر بن سعد فنادي غلامه دريدا: قدم رايتک يا دريد، ثم وضع سهمه في کبد قوسه، ثم رمي به و قال: اشهدوا لي عند الامير اني أول من رمي، فرمي أصحابه کلهم بأجمعهم في اثره رشقة واحدة، فما بقي من أصحاب الحسين احد الا اصابه من رميتهم سهم)، و في الفتوح: 183 / 5 ان الحسين عليه السلام قال لأصحابه حينئذ: «أيها الناس، هذه رسل القوم اليکم، فقوموا الي الموت الذي لابد منه»، ثم ان ما ارتکبه اللعين عمر بن سعد مسطور في کثير من الکتب، انظر: الطبري: 326 / 4- الفتوح: 183 / 5- الکامل: 65 / 4- انساب الاشراف: 190 / 3 - المناقب: 100 / 4 - الارشاد: 220 - مثير الأحزان: 56 - الرد علي المتعصب العنيد: 39- اللهوف: 42- اعلام الوري: 243- تذکرة الخواص: 252- البداية: 180 / 8. و جاء في مقتل الخوارزمي: 9 / 2 ايضا عن ابيمخنف: فلما رموهم هذه الرمية قل أصحاب الحسين عليه السلام، فبقي في هؤلاء القوم الذين يذکرون في المبارزة، و قد قتل منهم ما ينيف علي خمسين رجلا، فعندها ضرب الحسين عليه السلام بيده الي لحيته، فقال: هذه رسل القوم، يعني السهام، ثم قال: اشتد غضب الله.. الي آخره کما يأتي.