صلاة الحسين بالعسكرين
[قال المفيد رحمه الله]: فلم يزل الحر موافقا للحسين عليه السلام حتي حضرت صلاة الظهر، و أمر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسرور [1] .
أن يؤذن، فلما حضرت الاقامة خرج الحسين عليه السلام في ازار و رداء و نعلين، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال:
«أيها الناس، اني لم آتكم حتي أتتني كتبكم، و قدمت علي رسلكم أن اقدم علينا، فانه ليس لنا امام، لعل الله أن يجمعنا بك علي الهدي و الحق، فان كنتم علي ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئن اليه عهودكم و مواثيقكم، و ان لم تفعلوا و كنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم الي المكان الذي جئت منه اليكم».
فسكتوا عنه، و لم يتكلم أحد منهم بكلمة.
فقال للمؤذن: أقم و أقام الصلاة.
فقال للحر: أتريد أن تصلي بأصحابك؟!
قال: لا، بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك.
فصلي بهم الحسين بن علي عليه السلام، ثم دخل فاجتمع اليه أصحابه، و انصرف الحر الي مكانه الذي كان فيه، فدخل خيمة قد ضربت له، و اجتمع اليه جماعة من أصحابه و عاد الباقون الي صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته، و جلس في ظلها.
فلما كان وقت العصر أمر الحسين بن علي عليه السلام أن يتهيأ وا للرحيل، ففعلوا، ثم أمر مناديه فنادي بالعصر و أقام، فاستقام الحسين عليه السلام فصلي، ثم سلم و انصرف اليهم بوجهه، فحمد الله و أثني عليه.
«أما بعد، أيها الناس، فانكم ان تتقوا الله و تعرفوا لأهله يكن أرضي لله عنكم، و نحن أهل بيت محمد، و أولي بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان، و ان أبيتم الا كراهية لنا و الجهل بحقنا، و كان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم و قدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم». [2] .
فقال له الحر: أنا و الله ما أدري ما هذه الكتب و الرسل التي تذكر.
فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه: يا عقبة بن سمعان، أخرج الخرجين الذين فيهما كتبهم الي.
فأخرج خرجين مملوءين صحفا، فنثرت بين يديه، فقال له الحر: انا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك، و قد أمرنا اذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتي نقدمك الكوفة علي عبيدالله! [3] .
فقال له الحسين عليه السلام: الموت أدني اليك من ذلك.
ثم قال لأصحابه: قوموا فاركبوا.
فركبا و أنتظروا حتي ركب نساؤهم. فقال لأصحابه: انصرفوا.
فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف، فقال الحسين عليه السلام للحر: ثكلتك أمك، ما تريد؟!
قال له الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي و هو علي مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان، و لكن و الله ما لي الي ذكر أمك من سبيل الا بأحسن ما يقدر عليه. [4] .
فقال له الحسين عليه السلام: فما تريد؟
قال: أريد أن انطلق بك الي الأمير عبيدالله.
قال: اذا و الله لا أتبعك.
قال: اذا و الله لا أدعك.
فترادا القول ثلاث مرات، فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر: اني لم أؤمر بقتالك، انما أمرت الا أفارقك حتي أقدمك الكوفة، فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا تردك الي المدينة، تكون بيني و بينك نصفا، حتي أكتب الي الأمير عبيدالله، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشي ء ممن أمرك، فخذ هاهنا، فتياسر عن طريق العذاب و القادسية. [5] .
فسار الحسين عليه السلام و سار الحر في أصحابه يسايره و هو يقوله له: يا حسين: اني أذكرك الله في نفسك، فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن.
فقال له الحسين عليه السلام أفبا لموت تخوفني، و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟
و سأقول كما قال أخو الأوس لا بن عمه و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله، فخوفه ابن عمه و قال: أين تذهب! انك مقتول! فقال:
سأمضي فما بالموت عار علي الفتي
اذا ما نوي حقا و جاهد مسلما
و واسي الرجال الصالحين بنفسه
و فارق مثبورا و خالف مجرما
فان عشت لم أندم و ان منت لم الم
كفي بك ذلا أن تعيش و ترغما
فلما سمع ذلك الحر تنحي عنه، فكان يسير بأصحابه ناحية و الحسين عليه السلام في ناحية أخري، حتي انتهوا الي عذيب الهجانات. [6] .
[و قال المجلسي رحمه الله] انه زاد محمد بن أبي طالب قبل البيت الأخير هذا البيت:
أقدم نفسي لا أريد بقاءها
لتلقي خميسا في الوغي و عرمرما [7] .
پاورقي
[1] [الجعفي] کذا في تاريخ الطبري.
[2] انظر مقتل الخوارزمي: 232 / 1.
[3] راجع مقتل الخوارزمي: 231 / 1.
[4] انظر مقاتل الطالبيين: 111.
[5] ذکر البلاذري في انساب الاشراف: 171 / 3 انه عليه السلام تياسير الي طريق العذيب و القادسية، و بينه حينئذ و بين العذيب ثمانية و ثلاثون ميلا.
[6] الارشاد: 208 -207 - راجع الفتوح: 140 -134 / 5 (مع اختلاف و تفاصيل اکثر) - تاريخ الطبري: 305 - 303 / 4- انساب الاشراف: 170 / 3 -الکامل في التاريخ: 49 - 64 / 4 - مقتل الخوارزمي: 232 / 1، انظر کشف الغمة: 46 / 2 - المناقب 96 / 4 - اللهوف: 32 - ذکره البحار: 379 -376 / 44 عن الارشاد.
[7] البحار: 378 / 44.