بازگشت

ارسال الجيش و قتاله


ثم دعي ابن زياد بمحمد بن الأشعث، و ضم اليه خمسمائة فارس، و قال له: انطلق مع هذا الغلام، و أتني بمسلم بن عقيل قتيلا أو أسيرا.

فساروا حتي أتو دار العجوز، فسمعت صهيل الخيل و قعقعة اللجم و زعقات الرجال، فأخبرت مسلم بذلك.

فقال مسلم: ما طلب القوم غيري.

فقال لها: هاتي سيفي.

فقام [1] .

وشد وسطه بمنطقته، و تدرع بدرعه، و خرج الي القوم و هو يهز سيفه.

فقالت له العجوز: يا سيدي، أراك تأهبت للموت؟!

قال: و الله أجل، لابد من الموت.

ثم خرج الي القوم و قاتلهم قتالا شديدا، [2] .

و قتل منهم مائة و ثمانين فارسا، و انهزم الباقون. فلما نظر ابن الأشعث الي شجاعة مسلم أرسل الي ابن زياد أدركني بالخيل و الرجال، فأرسل اليه خمسمائة فارس، فخرج اليه مسلم بن عقيل، فقتل منهم مقتلة عظيمة، فأرسل ابن الأشعث الي ابن زياد: أدركني بالخيل و الرجال، فأنفذ اليه ابن زياد يقول: ثكلتك أمك؟ و عدمتك قومك، رجل واحد يقتل منكم هذه المقتلة العظيمة، فكيف لو أرسلتك الي من هو أشد بأسا و أصعب مراسا - يعني بذلك الحسين عليه السلام -


فكبت اليه محمد بن الأشعث يقول: أتظن انك أرسلتني الي بقال من بقاقيل الكوفة، أو الي جر مقاني من جرامقة الحيرة، أو لم تعلم أنك وجهتني الي بطل ضرغام [3] .

و ليث همام، و سيف من أسياف رسول الله. [4] .

فأنفذ اليه ابن زياد خمسمائة فارس، و قال: يا ويلكم، أعطوه الأمان، و الا أفناكم عن آخركم.

فصاحوا به: يا مسلم بن عقيل! لك الأمان.

فقال: لا أمان لكم يا اعداء الله و أعداء رسوله.

ثم خرج اليهم و قاتلهم قتالا شديدا، فاختلف هو و بكر بن حمران بضربتين، فعاجله مسلم، فضربه علي أم رأسه فقتله، ثم عطف علي آخر فقتله. [5] .

فأشرف القوم علي السطوح، و جعلوا يلهبون عليه النيران، فبرز اليهم و هو يقول: [6] .



أقسمت لا أقتل الا حرا

و ان رأيت الموت شيئا نكرا






أخاف أن أخدع أو اغرا

رد شعاع الشمس فاستقرا



أضربكم و لا أخاف ضرا

فعل غلام قط لن يفرا



و كل ذي غدر سيلقي غدرا

أيضا و يصلي في الجحيم حرا [7] .



ثم حمل علي القوم، و قاتلهم قتالا شديدا، و قتل منهم خلقا كثيرا، فأقبل عليهم لعين و قال لهم: أنا أنصب له شركا، لا يخلص منه.

قالوا: بماذا؟

قال: نحفر له بئرا في الطريق، و نطمها بالدغل و التراب، و نحمل عليه و ننهزم قدامه، و ارجو ان لا يفلت منها.

ففعلوا من المكر، ثم حملوا عليه و حمل عليهم، فانهزموا بين يديه، فوقع في البئر، فأحاطوا به من كل جانب و مكان، فأخرجوه اليهم [8] .

فضربه ابن الأشعث علي محاسن


وجهه، فلعب السيف عي عرنين أنفه، فسقطت أضراسه، و أخذوه اسيرا الي ابن زياد فلما اتوا به الي قصر الأمارة نظر الي برادة فيها ماء، و كان له يومان ما شرب الماء،


لأنه كان نهاره يجاهد و ليله ساجدا.

فقال للساقي: يا شيخ، اسقني شربة من ماء، فان عشت كافيتك، و ان مت كان المكافي رسول الله صلي الله عليه و آله.

فدفع اليه برادة، فلما أخذها و مضغها في فيه سقطت أضراسه في الاناء، فردها مسلم و قال: لا حاجة لي بالماء. [9] [10] .


پاورقي

[1] و اضاف في الفتوح انه عليه ‏السلام بادر الي فرسه، فأسرجه و ألجمه، و صب عليه درعه، و اعتجر بعمامته، و تقلد سيفه و القوم يرمون الدار بالحجارة، و يلهبون النار في نواحي القصب، فتبسم مسلم، ثم قال: يا نفس، أخرجي الموت الذي ليس منه محيص و لا عنه محيد، ثم قال للمرأة، أي رحمک الله و جزاک عني خيرا، اعلمي اني ابتليت من قبل ابنک.. الفتوح: 93 / 5- مقتل الخوارزمي: 209 / 1.

[2] قال في الارشاد: و اقتحموا عليه الدار، فشدوه عليهم، فضربهم بسيفه حتي أخرجهم من الدار، فشد عليهم کذلک.

[3] و بطل همام، في کفه سيفه حسام، يقطر منه الموت الزوام، فأرسل اليه ابن ‏زياد ان اعطه الأمان، فانک لا تقدر عليه الا بالأمان المؤلد بالأيمان... کذا في مقتل الخوارزمي: 209 / 1. و سيأتي انکار ابن ‏زياد علي ذلک، حينما يخبره ابن الأشعث من أمانه له، فأجابه بقوله: و ما أنت و الأمان؟! کأنک أرسلناک لتؤمنه!، انما أرسلناک لتأتينا به!!.

[4] قال الطبري في تاريخه: 280 / 4: فلما رأوا ذلک أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت، فأخذوا يرمونه بالحجارة، و يلهبون النار في أطنان القصب، ثم يقلبونها عليه من فوق البيت... و أضاف المسعودي في مروج الذهب: 58 / 3 و أبوالفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين: 104 أن مسلم بن عقيل لما رأي ذلک قال: أکل ما أري من الأحلاب لقتل مسلم بن عقيل؟!، يا نفس اخرجي الي الموت الذي ليس عنه محيص، فخرج اليهم مصلتا سيفه الي السکة فقاتلهم.

[5] قال في الارشاد انه ضرب بکر فم مسلم فقطع شفته العليا، و أسرع السيف في السفلي و فصلت له ثنيتاه و ضرب مسلم في رأسه ضربة منکرة و ثناه بأخري علي حبل عاتقه کادت تطلع علي جوفه... و هذا ينافي ما يأتي انه ان مأمورا بقتل مسلم بن عقيل عليه ‏السلام.

[6] «ما لکم ترموني بالأحجار کما ترمي الکفار، و أنا من أهل بيت الأنبياء الأبرار، ألا ترعون رسول‏ الله في ذريته».

[7] انظر تاريخ الطبري: 60 / 4 - ارشاد المفيد: 196- مقاتل الطالبيين: 104- الفتوح: 92 / 5 - مثير الأحزان: 35- مقتل الخوارزمي: 209 / 1- اللهوف: 23- مروج الذهب: 58 / 3- کامل ابن الاثير: 33 / 4 - و المناقب: 93 / 4 (مع اختلاف و تقديم و تأخير في الابيات أو ذکر قسم منها)، و لا يخفي ان الابيات لحمران بن مالک الخثعمي کما في مثير الأحزان.

[8] ذکر الطبري عن ابي‏مخنف و غيره کيفية القبض علي مسلم عليه ‏السلام بنحو آخر مع اضافات في المقام، نوردها عن الطبري و نذکر عن غيره بين الهلالين: قال الطبري في تاريخه: 280 / 4 انه بعد ما انشد في جواب محمد بن الأشعث الابيات - کما مر - قال له محمد: انک لا تکذب و لا تخدع و لا تغر، ان القوم بنو عمک و ليسوا بقاتليک و لا ضاربيک، و قد اثخن بالحجارة و عجز عن القتال، (و تکاثروا عليه من کل جانب، و جعلوا يرمونه بالنبل و الحجارة، فقال مسلم: ويلکم! ترموني بالحجارة کما ترمي الکفار، و أنا من أهل بيت النبي المختار، ويلکم اما ترعون حق رسول‏ الله و لا حق قرباه، ثم حمل عليهم في ضعفه، فهزمهم و کسرهم في الدروب و السکک، ثم رجع و اسند.. مقتل الخوارزمي: 1 / 209) و انبهر فاسند ظهره الي جنب تلک الدار، فدني محمد بن الأشعث، فقال له: الأمان (و أشار اليه تذکرة الخواص: 242 - مروج الذهب: 3 / 59 - انساب الاشراف: 81 / 2) فقال له: آمن أنا؟ قال: نعم، و قال القوم: أنت آمن غير عمرو بن عبيدالله بن العباس السلمي، فانه قال لا ناقة لي في هذا و لا جمل، و تنحي، و قال ابن‏عقيل: أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في ايديکم (و في مقتل الخوارزمي: 210 / 1 انه اجابه: أتظن يابن الأشعث أني اعطي بيدي و أنا اقدر علي القتال، لا و الله لا يکون ذلک أبدا، ثم حمل عليه فألحقه بأصحابه: ثم رجع الي موضعه و هو يقول: اللهم ان العطش قد بلغ مني) و أتي ببغلة فحمل عليها (فقال ابن الأشعث لأصحابه: ان لهذا هو العار و الشنار، أتجزعون من رجل واحد هذا الجزع، احملوا عليه بأجمعکم حملة رجل واحد، فحملوا عليه و حمل عليهم - مقتل الخوارزمي 211 / 1) و اجتمعوا حوله (و طعن من وراءه، فسقط الي الأرض، فأخذ اسيرا، ثم اخذ فرسه و سلاحه. اللهوف: 23- مقتل الخوارزمي 211 / 1) و انتزعوا سيفه من عنقه، فکأنه عند ذلک آيس من نفسه، فدمعت عيناه، ثم قال: هذا اول الغدر، قال محمد بن الأشعث، أرجوا الا يکون عليک بأس، قال: ما هو الا الرجاء، أين أمانکم!، انا لله و انا اليه راجعون، و بکي، فقال له عمرو بن عبيدالله بن عباس: ان من يطلب مثل الذي تطلب، اذا نزل به مثل الذي نزل بک لم يبک!، قال: اني و الله ما لنفسي أبکي، و لا لها من القتل أرثي، و ان کنت لم أحب لها طرفة عين تلفا (و سيأتي حبه عليه ‏السلام للشهادة عند تکلمه مع ابن ‏زياد، فتأمل) و لکن أبکي لأهلي المقلبين الي، أبکي الحسين و آل حسين (راجع مقاتل الطالبيين: 40 - مثير الأحزان: 35 - مقتل الخوارزمي: 211 -210 - الکامل: 33 / 4)، ثم أقبل علي محمد بن الأشعث فقال: يا عبدالله، اني اراک و الله ستعجز عن أماني، فهل عندک خير تستطيع أن تبعث من عندک رجلا علي لساني، يبلغ حسينا، فاني لا أراه الا قد خرج اليکم اليوم مقبلا، أو هو خارج غدا هو و أهل بيته، و ان ما تري من جزعي لذلک، فيقول: ان ابن‏عقيل بعثني اليک و هو في أيدي القوم أسير لا يري أن تمشي حتي تقتل، و هو يقول ارجع بأهل بيتک،: و لا يغرک أهل الکوفة، فانهم أصحاب أبيک الذي کان يتمني فراقهم بالموت أو القتل، ان أهل الکوفة قد کذبوک و کذبوني، و ليس لمکذوب رأي: فقال: ابن الأشعث: و الله لأفعلن، و لأعلمن ابن ‏زياد أني قد آمنتک (اورده الشيخ المفيد رحمه الله في الارشاد: 196) و ذکر الطبري برواية ابي‏مخنف انه دعا محمد بن الأشعث اياس بن العثل الطائي من بني مالک بن عمرو بن ثمامة - و کان شاعرا، و کان لمحمد زوارا - فقال له: الق حسينا، فأبلغه هذا الکتاب، و کتب فيه الذي أمره ابن‏عقيل.. ثم خرج فاستقبله عليه ‏السلام بزبالة لأربع ليال، فأخبره الخبر، و بلغه الرسالة، فقال له حسين عليه ‏السلام: کل ما حم نازل، و عند الله نحتسب أنفسنا و فساد أمتنا.. (راجع الفتوح: 94/ 5 - مقتل الخوارزمي: 211 / 1 - انساب الاشراف: 85 / 2).

[9] مقتل ابي‏مخنف: 55 - 52.

[10] ثم ان المؤرخين ذکروا الواقعة مع تفاصيل اکثر، نعتمد علي ما ذکره الطبري في تاريخه: 282 / 4 عن أبي‏مخنف عن قدامة بن سعد قال: «أن مسلم بن عقيل حين انتهي الي باب القصر، فاذا قلة (أي کوز صغير) باردة موضوعة علي الباب، فقال ابن‏عقيل: اسقوني من هذا الماء. فقال له مسلم بن عمرو: أتراها ما أبردها! لا و الله لا تذوق منه قطرة أبدا حتي تذوق الحميم في نار جهنم، قال له ابن‏عقيل: ويحک من.نت؟! قال: أنا ابن من عرف الحق اذا أنکرته، و نصح لامامه اذ غششته، و سمع و أطاع اذ عصيته و خالفت، أنا مسلم بن عمرو الباهلي، فقال ابن‏عقيل: لأملک الثکل، ما أجفاک و ما أفظک و أقسي قلبک و أغلظک؟! أنت يا ابن الباهلة اولي بالحميم و الخلود في نار جهنم مني، ثم جلس متساندا الي حائط، و فيه عن سعيد بن مدرک ان عمارة بن عقبة بعث غلاما لا يدعي قيسا، فجاءه بقلة عليها منديل و معه قدح، فصب فيه ماءا، ثم سقاه، فأخذ و کلما شرب امتلأ القدح دما، فلما ملأل القدح المرة الثالثة ذهب ليشرب فسقطت ثنيتاه فيه، فقال: الحمد لله، لو کان لي من الرزق المقسوم شربته» و أورده المفيد رحمه الله - مع اختلاف يسير - في الارشاد: 197 (الا ان فيه ان الذي بعث غلامه هو عمرو بن حريث، و اورده الطبري بنحو آخر) و ابن الاثير في الکامل: 34 / 4، و الاصفهاني في مقاتل الطالبيين: 106 و ابن الاعثم في الفتوح: 96 / 5 و الخوارزمي في المقتل: 210 / 1 (و فيه ان الواقعة قد جرت بعد أسر مسلم في المعرکة لا قرب القصر)، و اشار اليه مروج الذهب: 59 / 3 و المناقب: 94 / 4.