بازگشت

تفرق الناس عن مسلم بن عقيل


فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون. و كانت المرأة تأتي ابنها و أخاها فتقول: انصرف، الناس يكفونك، و يجي ء الرجل الي ابنه و أخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب و الشر، انصرف، فيذهب به فينصرف، فما زالوا يتفرقون حتي أمسي ابن عقيل، و صلي المغرب و ما معه الا ثلاثون نفسا في المسجد، فلما أحس بذلك خرج من المسجد متوجها من أبواب كندة، فما بلغ الأبواب الا و معه منهم عشرة، [1] .

ثم خرج من الباب فاذا ليس معه انسان يدله علي الطريق، فالتفت فاذا هو لا يحس احدا يدله علي الطريق، و لا يدله علي منزله، و لا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو. [2] . فمضي علي وجهه متلددا متحيرا في أزقة الكوفة، [3] .

لا يدري أين يذهب، حتي خرج الي دور بني جبلة من كندة، فمشي حتي انتهي الي باب امرأة يقال لها طوعة، أم ولد كانت للأشعث بن قيس، فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي [4] .

فولدت له بلالا، و كان بلا قد خرج مع الناس و أمه قائمة تنتظره، فسلم عليها ابن عقيل، فردت عليه السلام.

فقال لها: يا أمة الله، اسقيني ماءا.

فسقته، و جلس، و أدخلت الاناء، ثم خرجت فقالت: يا عبدالله، ألم تشرب؟

قال: بلي.


قالت فاذهب الي أهلك.

فسكت، ثم أعادت مثل ذلك فسكت، ثم قالت له في الثالثة: سبحان الله يا عبدالله، ثم عافاك الله الي أهلك، فانه لا يصلح لك الجلوس علي بابي، و لا أحله لك.

فقام و قال: يا أمة الله، مالي في هذا المصر منزل و لا عشيرة، فهل لك في أجر و معروف، لعلي مكافئك بعد اليوم.

قالت: لعلي مكافئك بعد اليوم.

قالت: يا عبدالله، و ما ذاك؟! [5] .

قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم، و غروني و أخرجوني.

قالت: أنت مسلم؟!

قال نعم.

قالت: أدخل.

فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه، و فرشت له، و عرضت عليه العشاء، فلم يتعش، و لم يكن بأسرع أن جاء ابنها، فرآها تكثر الدخول في البيت و الخروج منه. [6] .

فقال لها: و الله انه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة و خروجك منه. ان لك لشأنا.

قالت: يا بني، أله عن هذا.

قال: و الله لتخبرينني.

قالت: أقبل علي شأنك، و لا تسألني عن شي ء.

فألح عليها.

فقالت: يا بني، لا تخبرن أحدا من الناس بشي ء مما أخبرك به!

قال: نعم.


فأخذت عليه الأيمان، فحلف لها، فأخبرته. [7] .

فسكت الملعون، و بات تلك الليلة، فلما طلع الفجر رفع مسلم رأسه فاذا هو بالمرأة واقفة و في يدها اناء فيه ماء، فناولته الا ناء فأخذه، فقالت له: يا سيدي، ما رأيتك رقدت هذه الليلة.

فقال: اني رقدت و رأيت عمي أميرالمؤمنين عليه السلام و هو يقول: الوحا الوحا، العجل العجل، و ما أظن الا أنها آخر حياتي من الدنيا. [8] [9] .



پاورقي

[1] بل ثلاثة، کما عليه مروج الذهب: 58 / 3.

[2] فنزل عن فرسه، و مشي متلددا، مروج الذهب: 58 / 3.

[3] و قد اثمن بالجراحات: مقتل الخوارزمي: 207 / 1.

[4] قال ابن الاعثم في الفتوح: 88 / 5 انها کانت فيما مضي امرأة قيس الکندي، فتزوجها رجل من حضرموت يقال لها أسد بن البطين، فأولدها ولدا يقال له أسد.

[5] اورده الخوارزمي في المقتل: 207 / 1 بتفصيل أکثر، فراجع.

[6] و هي باکية: کذا في الفتوح: 89 / 5.

[7] الارشاد: 194- البحار: 350 / 44 عنه، راجع:، الفتوح: 87 / 45 - تاريخ الطبري: 277 / 4 - مقاتل الطالبيين: 102 -مقتل الخوارزمي: 208 / 1- الکامل: 31 / 4 - اللهوف: 22- المناقب: 93 / 4 - مثيرالأحزان: 34- مروج الذهب: 58 / 3، و أشار اليه انساب الاشراف: 81 / 2- تذکرة الخواص: 242.

[8] مقتل أبي‏مخنف: 51.

[9] فحص السلطة عن مسلم و اعوانه

قال المفيد رحمه الله في الارشاد: و لما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل طال علي ابن ‏زياد، و جعل لا يسمع لأصحاب ابن‏عقيل صوتا کما کان يسمع قبل ذلک، قال لأصحابه: أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا؟ فأشرفوا فلم يروا أحدا. قال: فانظرهم، لعلهم تحت الظلال و قد کمنوا لکم.

فنزعوا تخاتج المسجد، و جعلوا يخفضون شعل النار في أيديهم و ينظرون، فکانت أحيانا تضي‏ء لهم و أحيانا لا تضي‏ء کما يريدون، فدلوا القناديل و أطنان القصب تشد بالحبال ثم تجعل فيها النيران، ثم تدلي حتي تنتهي الي الأرض، ففعلوا ذلک في أقصي الظلال و أدناها و أوسطها حتي فعل ذلک بالظلة التي فيها المنبر، فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن ‏زياد بتفرق القوم، ففتح باب السدة التي في المسجد، ثم خرج فصعد المنبر و خرج أصحابه معه، فأمرهم فجلسوا قبيل العتمة، و أمرو عمرو بن نافع فنادي: ألا برئت الذمة من رجل من الشرط و العرفاء و المناکب أو المقاتلة صلي العتمة الا في المسجد، فلم يکن الا ساعة حتي امتلأ المسجد من الناس، ثم أمر مناديه، فأقام الصلاة، و أقام الحرس خلفه، و أمرهم بحراسته من أن يدخل عليه أحد يغتاله، و صلي بالناس. ثم صعد المنبر، فحمد الله! و أثني عليه، ثم قال:

أما بعد، فان ابن‏عقيل السفيه الجاهل قد أتي ما قد رأيتم من الخلاف و الشقاق، فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره، و من جاء به فله ديته، اتقوا الله! عباد الله! و الزموا طاعتکم و بيعتکم، و لا تجعلوا علي أنفسکم سبيلا، يا حصين بن نمير، ثکلتک أمک ان ضاع باب سکة من سکک الکوفة، أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به، و قد سلطتک علي دور أهل الکوفة، فابعث مراصد علي أهل السکک، و أصبح غدا فاستبرء الدور، وجس خلالها حتي تأتيني بهذا الرجل. و کان الحصين بن نمير علي شرطه، و هو من بني‏تميم. ثم دخل ابن ‏زياد القصر و قد عقد لعمرو بن حريث راية، و أمره علي الناس، فلما أصبح جلس مجلسه و أذن للناس، فدخلوا عليه، و أقبل محمد بن الأشعث فقال: مرحبا بمن لا يستغش ولايتهم، ثم أقعده الي جنبه... الارشاد: 195، راجع: تاريخ الطبري: 278 / 4 - مقاتل الطالبيين: 102، ذکره البحار، 351 / 44 عن الارشاد، انظر: الفتوح: 90 / 5 - مقتل الخوارزمي: 208 / 1- الکامل: 32 / 4، و أشار اليه مثير الأحزان: 35- تذکرة الخواص: 242- اللهوف: 23- المناقب: 93 / 4 - مروج الذهب: 58 / 3- انساب الاشراف: 81 / 2.