بازگشت

ما جري بين هاني و ابن زياد


[قال الشيخ المفيد رحمه الله] فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي، و ليس بالكوفة شامي و لا بصري غيره، فقال: أصلح الله الأمير، خلني و اياه حتي أكلمه.

فقام فخلا به ناحية من ابن زياد، و هما منه بحيث يراهما، فاذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان، فقال له مسلم: يا هاني، اني أنشدك الله أن تقتل نفسك، و أن تدخل البلاء علي عشيرتك، فو الله اني لأنفس بك عن القتل، ان هذا الرجل ابن عم القوم، و ليسوا قاتليه و لا ضائريه، فادفعه اليهم، فانه ليس عليك بذلك مخزاة و لا منقصة، و انما تدفعه الي السلطان!

فقال هاني: و الله ان علي بذلك الخزي و العار، أنا أدفع جاري و ضيفي [1] .

و أنا حي صحيح، أسمع و أري، شديد الساعد، كثير الأعوان؟! و الله لو لم أكن الا واحدا ليس له ناصر لم أدفعه حتي أموت دونه.

فأخذ يناشده و هو يقول: و الله، لا أدفعه اليه أبدا.

فسمع ابن زياد ذلك، فقال: أدنوه مني.

فأدنوه منه، فقال: و الله لتأتيني به أو لأضربن عنقك!

فقال هاني: اذا و الله لتكثر البارقة حول دارك.

فقال ابن زياد: والهفاه عليك، أبا البارقة تخوفني؟! و هو يظن أن عشيرته سيمنعونه.

ثم قال: أدنوه مني!

فأدني منه، فاعترض وجهه بالقضيب، فلم يزل يضرب أنفه و جبينه و خده حتي انكسر أنفه، و سيل الدماء علي وجهه و لحيته، و نثر لحم خده و جبينه علي لحيته، حتي كسر القضيب، و ضرب هاني يده الي قائم سيف شرطي، و جاذبه ذلك الرجل و منعه. فقال عبيدالله: احروري سائر اليوم، قد حل دمك، جروه. [2] .


فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار، و أغلقوا عليه بابه. [3] .

فقال: اجعلوا عليه حرسا، ففعل ذلك به. [4] .

فقام اليه حسان بن أسماء فقال: أرسل عذر سائر اليوم، أمرتنا أن نجيئك بالرجل، حتي اذا جئناك به هشمت وجهه، و سيلت دماءه علي لحيته، و زعمت أنك تقتله؟!

فقال عبيدالله: و أنك لهاهنا؟!

فأمر به، و لهز و تعتع و اجلس ناحية.

فقال محمد بن الأشعث: قد رضينا بما أمري الأمير، لنا كان أو علينا، انما الامير مؤدب.

و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانيا قد قتل، فأقبل في مذحج حتي أحاط بالقصر و معه جمع عظيم، ثم نادي أنا عمرو بن الحجاج، و هذه فرسان مذحج و وجوهها، لم تخلع طاعة، و لم تفارق جماعة، و قد بلغهم أن صاحبهم قتل، فأعظموا ذلك.

فقيل لعبيدالله بن زياد: هذه مذحج بالباب. [5] .

قلت: لا يخفي ان السبب الوحيد لتفرق مذحج هو الاطمئنان الذي حصل لهم بسلامة هاني نتيجة لخمبر شريح القاضي الملحد المنافق الذي نشره بأمر من ابن زياد، و اليك ما افاده الشيخ المفيد:

فقال ابن زياد لشريح القاضي: أدخل علي صاحبهم، فانظر اليه، ثم أخرج و أعلمهم أنه حي لم يقتل.

فدخل شريح، فنظر اليه، فقال هاني لما رأي شريحا، يا لله يا للمسلمين، أهلكت


عشيرتي؟! أين أهل الدين؟، أين أهل المصر؟! و الدماء تسيل علي لحيته، اذ سمع الضجة علي باب القصر، فقال: اني لأظنها اصوات مذحج و شيعتي من المسلمين، انه ان دخل علي عشرة نفر انقذوني. [6] .

فلما سمع كلامه شريح خرج اليهم، فقال لهم: ان الأمير لما بلغه مكانكم و مقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول اليه، فأتيته فنظرت اليه، فأمرني أن القاكم و أن أعملكم انه حي، و ان الذي بلغكم من قتله باطل.

فقال له عمرو بن الحجاج و أصحابه: أما اذا لم يقتل فالحمد لله! ثم انصرفوا. [7] .


پاورقي

[1] و رسول ابن رسول‏ الله. انظر: مثير الأحزان: 34- المناقب: 92 / 4 - الفتوح: 82 / 5- مقتل الخوارزمي: 205 / 1- اللهوف: 21.

[2] اشار اليه تذکرة الخواص: 242.

[3] الارشاد: 191، اشار اليه انساب الاشراف: 80 / 2.

[4] فاعترض علي ابن ‏زياد اسماء بن خارجة، فغضب ابن ‏زياد في ذلک، فأمر به فضرب حتي ترک و قيد و حبس ناحية في القصر و هو يقول: انا لله و انا اليه راجعون، الي نفسي انعاک يا هاني، انظر الفتوح: 84 / 5 - مثير الأحزان: 34- مقتل الخوارزمي: 205 / 1- الکامل: 29 / 4- تاريخ الطبري: 274 / 4.

[5] الارشاد: 191.

[6] ذکر سبط ابن الجوزي في تذکرة الخواص: 242 أن هانيا قال له: يا شريح: اتق الله، فانه قاتلي.

[7] الارشاد: 192، راجع: الفتوح 85 -82- مقتل الخوارزمي: 206 -205 / 1- اللهوف: 22 -21 - الکامل: 28 / 4- تاريخ الطبري: 274 -273 / 4 - المقتل المنسوب الي أبي‏مخنف: 49 -48 - مثير الأحزان: 34 -33- مروج الذهب: 57 /3 - المناقب: 92 / 4 - و اشار اليه: مقاتل الطالبيين: 100 -99.