بازگشت

مجي ء ابن زياد لعيادة هاني


فجاء الزنديق عائدا لهاني، و كان هاني يحدثه، و كل ما انتظر و توقع خروجه لم يخرج، ثم تمثل هاني بأشعار، و رفع صوته ليسمع مسلما و لم يخرج.

و الأبيات:



ما الانتظار بسلمي لا تحييها

حيوا سليمي و حيوا من يحييها



هل شربة عذبة أسقي علي ظمأ

و لو تلفت و كانت منيتي فيها



فان أحست سليمي منك داهية

فلست تأمن يوما من دواهيها




و جعل يردد هذه الأبيات و ابن زياد لا يفطن، فقال: ما بال الرجل يهذي؟!

فقيل: من شدة المرض.

ثم قال ابن زياد، و ركب فرسه و انصرف [1] [2] .

فخرج مسلم، فقال[له] هاني: ما الذي منعك من قتله؟

قال: منعني خبر سمعته عن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «لا ايمان لمن قتل مسلما».

فقال هاني: لو قتلته لقتلت كافرا. [3] .


و في بعض الكتب قال: منعتني امرأة، فقالت: لا أحب أن يقتل في بيتي. [4] .

قلت: انما لم يقدم مسلم علي قتل اللعين اما لأجل رعاية قول المرأة التي هو عليه السلام في بيتها، لما فيه من التوالي من اللعين ابن زياد، أو لأجل تأسيه بمولاه أميرالمؤمنين لعدم اقدامه علي قتل ابن ملجم اللعين للقصاص قبل الجناية، و اني لا اعتمد علي هذا الكلام و كونه كلام النبي صلي الله عليه و آله، و المسلم أجل شأنا من أن يعلل عدم خروجه بهذا، فتأمل. [5] .



پاورقي

[1] راجع مقتل أبي‏مخنف: 43 -42.

[2] في کون المريض و المزور هانيا نفسه او غيره و هو شريک بن الاعور الحارثي الهمداني الذي کان في بيت هاني قولان، و علي الاول تاريخ الطبري: 268 / 4 و تاريخ اليعقوبي: 243 / 2، و الاکثر علي الثاني، يظهر ذلک من مراجعة الفتوح: 71 / 5 - المناقب: 91 / 4 (البحار: 343 / 44 عنه) - مقاتل الطالبيين: 98- مقتل الخوارزمي: 201 / 1- مثير الأحزان: 31. و هناک قول آخر و لعله للجمع بين الأقوال اجدر، و هو ما نقله الطبري في التاريخ: 271 / 4 و ابن الاثير في الکامل: 26 / 4 من ان الذي مرض في الاول کان هاني، و زاره عبيدالله في منزله بصورة طبيعية، و بعد ذلک مرض شريک بن الاعور و زاره عبيدالله في منزل هاني أيضا، و القضية جرت هناک، و يمکن تکرر القضية في الواقعتين، و هو لا بأس به، کما نجده في انساب الأشراف: 79 / 2، ثم لا يخفي ان شريک بن الاعور کان من خيار الشيعة و عبادها، غير انه کان يکتم ذلک الا عن من يثق به من اخوانه، کما قاله ابن الاعثم في الفتوح: 74 / 5 و نقله الخوارزمي في المقتل 202 / 1، و کفي له فخرا شهادة مثل مسلم بن عوسجة في حقة من انه کان من خيار الشيعة، و ممن يتوالي أهل هذا البيت، و قال ابن نما في مثير الأحزان: 31 انه کان من محبي امي المؤمنين عليه ‏السلام و شيعته، عظيم المنزلة، جليل القدر، و قد صرح بتشيعه البلاذري في انساب الاشراف: 79 / 2 و ابن الاثير في کامله: 24 / 4، (و قال کان شديد التشيع)، و الاصفهاني في مقاتل الطالبيين: 97 و غيرهم... و فعله کفاه. ثم انه رحمه الله جاء من البصرة مع عبيدالله بن زياد (راجع الارشاد: 188 و المصادر التي بين يديک) فمرض فنزل في منزل هاني اياما، حتي مات بعد الزيارة بثلاث ايام، و بذلک يظهر وجه اقامته في بيت هاني، و زيارة ابن ‏زياد اياه.

[3] راجع المقتل المنسوب الي أبي‏مخنف: 44 - 43.

[4] راجع مثير الأحزان: 31.

[5] بعد اشارتنا الي الصورة الثانية من القضية و هي مرض شريک بن الاعور، و عند التأمل في ما نقل حول عيادة عبيدالله بن زياد، يتبين لنا امور ثلاثة يمکن ان تکون کل منها علة لعدم اقدام مسلم بن عقيل عليه ‏السلام لقتل عبيدالله بن زياد:

الاول: ان الرادع الاصلي هو نفس هاني بن عروة، فانه کره وقوع قتل ابن ‏زياد في بيته، فان له مواقف أربعة - علي ما ظفرنا عليه - في هذا الشأن:

1- مخالفته عندما کان مريضا و أراد عبيدالله زيارته عائدا، فحينئذ قال له عمارة بن عبيدالله السلولي: انما جماعتنا و کيدنا قتل هذا الطاغية، فقد امکنک الله منه فاقتله، قال هاني: ما أحب ان يقتل في داري، راجع تاريخ الطبري: 270 / 4 - الکامل في التاريخ: 26 / 4.

2- مخالفته عند مرض شريک بن الاعور قبل دخول عبيدالله بن زياد بيت هاني، فانه عندئذ قام مسلم بن عقيل ليدخل عبيدالله، فقال له شريک، لا يفوتنک اذا جلس، فقال هاني بن عروة: لا أحب ان يقتل في داري، راجع الکامل: 26 / 4- المناقب 91 / 4 (البحار: 343 / 44 عنه).

3 - مخالفته بعد دخول عبيدالله بن زياد، ذکر ابن الاعثم في الفتوح: 72 / 5 و الخوارزمي في المقتل: 201 / 1 انه هم مسلم ان يخرج اليه ليقتله، فمنعه صاحب المنزل هاني، و قال له: جعلت فداک! في داري صبية و اماء (أو نسوة و صبية کما في المقتل) و اني لا آمن الحدثان، فامسک مسلم عن ذلک. و نقل الطبري في تاريخه: 271 / 4 انه قام مسلم بن عقيل ليدخل.. فقام هاني بن عروة اليه فقال: اني لا أحب ان يقتل في داري، کأنه استقبح ذلک.

4- رضايته عنه عدم اقدام مسلم بعد ذهاب عبيدالله بن زياد و سؤال شريک عن ما منعه من قتله و جوابه عن ذلک، فانه قال بعد ذلک: أما و الله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا کافرا غادرا، و لکن کرهت ان يقتل في داري. راجع تاريخ الطبري: 271 / 4، و مع الأسف ان هذا الاستدراک مع شدة ربطه بالمقام محذوف في کثير من الکتب.

الثاني: ان امرأة في البيت منعت مسلما عن قتله، و هذا هو الذي أشار اليه المؤلف رحمه الله في المتن، قال ابن‏نما في مثير الأحزان، 31 بعد ذکر ذهاب عبيدالله (فخرج مسلم) و السيف في کفه، و قال (له) شريک: ما منعک من الامر؟ قال مسلم: لما هممت بالخروج فتعلقت بي امرأة، قالت: ناشدتک اله ان قتلت ابن ‏زياد في دارنا. و بکت في وجهي، فرميت السيف.

فيظهر من هذين الأمرين ان مسلم بن عقيل عليه ‏السلام کان عازما و مصمما علي قتله، حتي انه حلف علي قتله (کما نقله الطبري في تاريخه: 268 / 4) الا أنه صادفه مانع، اما من نفس هاني بن عروة، او امرأة في بيته (و لا نعلم من هي؟ و هل کانت امرأته أم لا؟) و غير خفي ان مسلم بن عقيل عليه ‏السلام کان شجاعا مقداما جسورا (راجع مثير الأحزان: 31) کما يأتي خبر قتاله و مکالمته مع ابن ‏زياد.

الثالث: الرواية التي نقلها مسلم بن عقيل، فان تنبهه بذلک اوجب ردعه عن قتله، و فيه ما تري من تأمل المؤلف رحمه الله و عدم الاعتماد عليه، نعم رواه السيد بحرالعلوم في الفوائد الرجالية 38: 4 عنه عن أميرالمؤمنين مع زيادة «بغير جناية».

ثم ان في نقل الرواية عدة أقوال:

منها ما ذکره المؤلف عن أبي‏مخنف.

منها: ما ذکره الطبري في التاريخ: 271 / 4 و أبوالفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين: 99 أنه قال: سمعت الناس عن النبي صلي لله عليه و آله: «ان الايمان قيد الفتک، و لا يفتک مؤمن»، و مثله أورده ابن الأثير في الکامل: 27 / 4 عنه عن علي عن النبي صلي الله عليه و آله: «ان الايمان قيد الفتک، و لا يفتک مؤمن بمؤمن»، و ذکر قسما منها ان الاعثم في الفتوح و الخوارزمي في مقتله عن علي عليه ‏السلام، الا أنها مبتلا بالضعف و الارسال، و مع فرض صدور هذه الروايات نمنع شمولها لمثل ابن ‏زياد، عليه و علي أبيه اللعنة و العذاب، لخروجه صغرويا، و لا يخفي ذلک علي مثل مسلم بن عقيل عليه ‏السلام، و هذا موجب لعدم الاعتماد علي ما نقل، اللهم الا ان يقال ان مسلم بن عقيل استدل بها لبيان کراهيته عن الغدر و الغيلة مطلقا، اذ جاء في رواياتنا: «ان الاسلام قيد الفتک»[الکافي: 375 / 7]، و الفتک أن يأتي الرجل صاحبه و هو غار غافل، فيشد عليه فيقتله (النهاية لابن الأثير: 409 / 3)، او حفظا لحرمة هاني بن عروة حينما سأله شريک بن الاعور عن علة عدم اقدامه، لا أن ينطبق مؤداها و مضمونها علي مثل عبيدالله.

ثم انه في ما قيل من الاشارة عند حضور ابن ‏زياد عدة أقوال و اشعار، و لا نذکر خوفا من طيلة الکلام، فعلي من أراد الرجوع الي المصادر.