بازگشت

محادثة بعض الشيعة مع الحسين بن روح


روي الشيخ الصدوق رحمه الله محادثة بعض رجال الشيعة مع احد النواب الخاص للحجة المنتظر و رفع الشبهة عنه، رواه عن محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني، قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع جماعة، فيهم علي بن عيسي القصوي، فقام اليه رجل فقال له: أريد أن أسألك عن شي ء؟

فقال له: سل عما بدا لك؟

فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي عليهما السلام، أهو ولي الله؟

قال: نعم.

قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله، أهو عدو الله؟

قال: نعم.


قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه علي وليه؟!

فقال له أبوالقاسم قدس الله روحه: افهم عني ما أقول لك، اعلم أن الله تعالي لا يخاطب الناس بشهادة العيان، و لا يشافههم بالكلام، و لكنه عزوجل بعث اليهم رسولا من أجناسهم و أصنافهم بشرا مثلهم، فلو بعث اليهم رسلا من غير صنفهم و صورهم لنفروا عنهم، و لم يقبلوا منهم، فلما جاء وهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام، و يمشون في الأسواق، قالوا لهم: أنتم مثلنا، فلا نقبل منكم حتي تأتون بشي ء نعجز أن نأتي بمثله، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه.

فجعل الله عزوجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها:

فمنهم: من جاء بالطوفان بعد الانذار و الاعذار، فغرق جميع من طغي و تمرد.

و منهم: من ألقي في النار، فكانت عليه بردا و سلاما.

و منهم: من أخرج من الحجر الصلد ناقة، و أجري في ضرعها لبنا.

و منهم: من فلق له البحر، و فجر له من الحجر العيون، و جعل له العصا اليابسة ثعبانا، فتلقف ما يأفكون.

و منهم من أبرأ الأكمة و الأبرص، و أحيا الموتي باذن الله تعالي، و أنبأهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم.

و منهم: من انشق له القمر، و كلمته البهائم مثل البعير و الذئب و غير ذلك.

فلما أتوا بمثل ذلك، و عجز الخلق من أمههم عن أن يأتوا بمثله، كان من تقدير الله تعالي و لطفه بعباده و حكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين، و في أخري مغلوبين، و في حال قاهرين، و في حال مقهورين، و لو جعلهم عزوجل في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين، و لم يبتلهم، و لم يمتحنهم، لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالي، و لما عرف فضل صبرهم علي البلاء و المحن و الاختيار [1] .

و لكنه عزوجل جعل


أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم، ليكونوا في حال المحنة و البلوي صابرين، و في حال العافية و الظهور علي الأعداء شاكرين، و يكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين و لا متجبرين، و ليلعم العباد أن لهم عليهم السلام الها هو خالقهم و مدبرهم، فيعبدوه و يطيعوا رسله، و تكون حجة الله تعالي ثابتة علي من تجاوز الحد فيهم، و ادعي لهم الربوبية، أو عاند و خالف و عصي و جحد بما أتت به الأنبياء و الرسل، و ليهلك من هلك عن بينة، و يحيي من حي عن بينة.

قال محمد بن ابراهيم بن اسحاق: فعدت الي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه من الغد، و أنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟

فابتدأني، فقال: يا محمد بن ابراهيم، لان أخر من السماء، فتخطفني الطير، أو تهوي بي الريح في مكان سحيق، أحب الي من أن أقول في دين الله تعالي ذكره برأيي، و من عند نفسي، بل ذلك عن الأصل، و مسموع عن الحجة صلوات الله عليه. [2] .

قال الطبسي: ما افاده الشيخ رحمه الله في الجواب في غاية المتانة، و يستفاد من بياناته ان ابتلاء الأنبياء و الأوصياء علي الاختلاف ليس الجميع بنحو واحد، بعضهم يمتحن بتلف الاموال و الأولاد و المرض في بدنه و صبره علي ما يصيبه، و شكره و عمم الشكوي الي الخلق، مثل أيوب النبي عليه السلام، [3] .

ليصلوا الي المثوبات الأخروية، لقوله: (انما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب) [4] .

و في رواية الخصال باسناده عن مولانا الصادق عليه السلام: ان أيوب عليه السلام مع جميع ما ابتلي به لم ينتن له رائحة، و لا قبحت له صورة، و لا خرجت منه مدة من دم و لا قيح، و لا


استقذره احد رآه، و لا استوحش منه أحد شاهده، و لا يدود شي ء من جسده، و هكذا. أيصنع الله عزوجل بجميع من يبتليه من أنبياءه و أولياءه المكرمين عليه، و انما اجتنبه الناس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بماله عند ربه تعالي ذكره، من التأييد و الفرج. [5] .

قال الطبسي: من صبر ظفر، فهو - سلام الله عليه - صبر علي ما ذهب من أولاده و أغنامه و أمواله، و صبر علي الأمراض المتراكمة، فرد الله عليه كما ورد في القرآن الكريم بقوله: (و اذكر عبدنا أيوب اذ نادي ربه أني مسني الشيطان بنصب و عذاب - اركض برجلك هذا مغتسل بارد و شراب - و وهبنا له أهله و مثلهم معهم رحمة منا و ذكري لاولي الألباب) الي قوله: (نعم العبد انه أواب) [6] .

فما في بعض الأخبار الضعاف مما يخالف العقول السليمة، و مرتبة النبوة، يرد الي من جاء به، و العجب من بعض المفسرين من أصحابنا كيف يتعرض لهذه الروايات الواردة في كتب القوم. [7] .

ضرورة أنه لا يعقل أن يبتلي الله رسوله و نبيه بما كان موجبا لنفرة الناس عنه، [8] .

و كيف ذلك و هو نقص للغرض.



پاورقي

[1] الاختبار: کذا في نقل الغيبة للشيخ الطوسي: 325.

[2] علل الشرايع: 241 / 1 (باب 177) - البحار 273 / 44 - الغيبة: 324 ح 273، الاحتجاج، 472 / 2 طبع بيروت.

[3] سورة الزمر / 10.

[4] سورة الزمر / 10.

[5] الخصال: 370 [باب السبعة] : عنه البحار: 275 / 44.

[6] سورة ص / 44 -41.

[7] راجع تفسير القمي: 239 / 2- و تفسير البيان: 478 / 4.

[8] و لا بأس بذکر ما اورده السيد المرتضي قدس سره في کتاب تنزيه الأنبياء: 91: تکميلا لما افاده المؤلف رحمه الله: فان قيل: فما قولکم في الأمراض و المحن التي لحقت أيوب عليه ‏السلام، أو ليس قد نطق القرآن بأنها کانت جزاء علي ذنب في قوله: (اني مسني الشيطان بنصب و عذاب) و العذاب لا يکون الا جزاء علي ذنب في قوله: (اني مسني الشيطان بنصب و عذاب) و العذاب لا يکون الا جزاء کالعقاب، و الآلام الواقعة علي سبيل الامتحان لا تسمي عذابا و لا عقابا، او ليس قد روي جميع المفسرين أن الله تعالي انما عاقبة بذلک البلاء لترکه الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، و قصته مشهورة يطول شرحها؟

الجواب: قلنا: أما ظاهر القرآن فليس يدل علي أن أيوب عليه ‏السلام عوقب بما نزل به من المضار، و ليس في ظاهره شي‏ء مما ظنه السائل... فأما ما روي في هذا الباب عن جملة المفسرين فمما لا يلتفت الي مثله، لأن هؤلاء لا يزالون يضيفيون الي ربهم تعالي و الي رسله عليهم‏ السلام کل قبيح، و يقذفونهم بکل عظيم، و في روايتهم هذه السخيفة ما اذا تأله المتأمل علم أنه موضوع باطل مصنوع، لانهم رووا ان الله تعالي سلط ابليس علي مال أيوب عليه ‏السلام و غنمه و أهله، فلما أهلکهم و مر عليهم، و رأي صبره عليه ‏السلام و تماسکه قال ابليس لربه: يا رب، ان أيوب علم أنه ستخلف عليه ماله و و ولده، فسلطني علي جسده، فقال: قد سلطتک علي جسده کل الا قلبه و بصره، قال: فأتاه فنفخه من لدن قرنه الي قدمه، فصار قرحة واحدة، فقذف علي کناسة لبني اسرائيل سبع سنين و أشهرا، يختلف الدواب في جسده!! الي شرح طويل نصون کتابنا عن ذکر تفصيله، فمن يقبل عقله هذا الجهل و الکفر کيف يوثق بروايته؟ و من لا يعلم ان الله تعالي لا يسلط ابليس علي خلقه و أن ابليس لا يقدر علي ان يقرح الأجساد و لا أن يفعل الأمراض کيف يعتمد علي روايته؟... راجع تنزيه الأنبياء / ص 59 تجد تفصيل ما أورده قدس سره.