جوده و سخاءه و بذله
في خبر مسعدة بن صدقة - علي ما في تفسير العياشي - قال انه مر الحسين بن علي عليه السلام بمساكين قد بسطوا كساء لهم، فألقوا عليه كسرا فقالوا: هلم يابن رسول الله، فثني و ركد، فأكل معهم، ثم تلا: (ان الله لا يحب المستكبرين) [1] .
ثم قال: قد أجبتكم، فأجيبوني!
قالوا: نعم يابن رسول الله.
فقاموا معه حتي أتوا منزله، فقال للرباب، اخرجي ما كنت تدخرين. [2] .
قلت: هذا لا يدل علي انه - صلوات الله عليه - أكل من الكسرات، و لعل كان معه خبز فأخرجه و اكل من خبزه لا من خبزهم، اذ كيف يأكل من الكسرات مع أن الصدقة محرمة عليه، و سيأتي انه لم يأكل معتذرا بانها صدقة.
و منها قضية دخول الأعرابي عليه، ففي المناقب أنه قدم أعرابي المدينة، فسأل عن أكرم الناس بها، فدل علي الحسين عليه السلام فدخل المسجد فوجده مصليا، فوقف بازاءه و أنشأ:
لم يخب الآن من رجاك و من
حرك من دون بابك الحلقة
أنت جواد و أنت معتمد
أبوك قد كان قاتل الفسقة
لو لا الذي كان من أوائلكم
كانت علينا الجحيم منطبقة
قال: فسلم الحسين عليه السلام و قال: يا قنبر هل بقي شي ء من مال الحجاز؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار.
فقال: هاتها، قد جاء من هو أحق بها منا.
ثم نزع برديه، ولف الدنانير فيهما، و أخرج يده من شق الباب حياء من الأعرابي و أنشأ:
خذها، فاني اليك معتذر
و اعلم بأني عليك ذو شفقة
لو كان في سيرنا الغداة عصا
أمست سمانا عليك مندفقة
لكن ريب الزمان ذو غير
و الكف مني قليلة النفقة
قال: فأخذها الأعرابي، و بكي، فقال له: لعلك استقللت ما أعطيناك!
قال: لا، و لكن كيف يأكل التراب جودك.
و هو المروي عن الحسن بن علي عليه السلام. [3] .
قال العلامة المجلسي في البيان: لعل العصا كناية عن الامارة و الحكم... و السماء كناية
عن يد الجود و العطاء، الي آخره. [4] .
و منها ما في المناقب عن شعيب بن عبدالرحمن الخزاعي، قال: وجد علي ظهر الحسين بن علي عليه السلام يوم الطف أثر، فسألوا زين العابدين عليه السلام عن ذلك، فقال: هذا مما كان يقتل الجراب علي ظهره الي منازل الأرامل و اليتامي و المساكين. [5] .
و منها قضية عبدالرحمن السلمي انه علم ولد الحسين عليه السلام سورة «الحمد»، فلما قرأها علي أبيه أعطاه ألف دينار و ألف حلة وحشا فاه درا.
فقيل له في ذلك.
قال: و أين يقع هذا من عطائه؟ يعني تعليمه، و أنشد الحسين عليه السلام:
اذا جادت الدنيا عليك فجد بها
علي الناس طرا قبل أن تتقلت
فلا الجود يفنيها اذا هي أقبلت
و لا البخل يبقيها اذا ما تولت [6] .
و روي فيه عن الحسين بن علي عليه السلام أنه قال: صح عندي قول النبي صلي الله عليه و آله: أفضل الأعمال بعد الصلاة ادخال السرور في قلب المؤمن بما لا اثم فيه، فاني رأيت غلاما يواكل كلبا، فقلت له في ذلك.
فقال: يا ابن رسول الله، اني مغموم، أطلب سرورا بسروره، لأن صاحبي يهودي أريد أفارقه.
فأتي الحسين عليه السلام الي صاحبه بمائتي دينار ثمنا له.
فقال اليهودي: الغلام فداء لخطاك، و هذا البستان، له، و رددت عليك المال.
فقال عليه السلام: و أنا قد و هبت لك المال.
فقال: قبلت المال و وهبته للغلام.
فقال الحسين عليه السلام: أعتقت الغلام، و وهبته له جميعا.
فقالت امرأته: قد أسلمت، و وهبت زوجي مهري.
فقال اليهودي، و أنا أيضا أسلمت، و أعطيتها هذه الدار [7] .
و منها: ما في البحار، عن كشف الغمة، عن أنس، قال: كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جارية، فحيته بطاقة ريحان، فقال لها: أنت حرة لوجه الله.
فقلت: تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها، فتعقها؟!
قال: كذا أدبنا الله، قال الله: (و اذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) [8] . و كان أحسن منها عتقها. [9] .
پاورقي
[1] سورة النحل / 23، و لفظها نه لا يحب المستکبرين.
[2] تفسير العياشي: 257 / 2 - تفسير البرهان: 363 / 2 - تفسير الصافي: 920 / 1 - البحار: 189 / 44.
[3] مناقب آل أبيطالب: 65 / 4 - البحار 190 / 44.
[4] راجع البحار: 190 / 44.
[5] المناقب: 66 / 4 - البحار: 191 / 44.
[6] المناقب: 66 / 4 - البحار: 191 / 44.
[7] المناقب: 75 / 4 - البحار 194 / 44 عنه.
[8] سورة نساء: 86.
[9] البحار 195 / 44.