بازگشت

نظرة الي دور الامام زين العابدين


لقد رأينا موقف الامام عليه السلام تجاه المسائل العديدة التي حصلت بعد عاشوراء الي زمان دخوله الشام - لا سيما ما جري في الشام - و لقد ذكرنا شواهد متعددة علي دور الامام البارز علي صعيد الشعب و الحكومة و الشخصيات.

فقد تمكن الامام عليه السلام أن يكسر الحواجز و يهدم الموانع التي فرضتها السلطة


الطاغية و يعبر جميع ذلك بكسر الحواجز الاعلامية المفروضة علي الناس و يبين الحقائق التي اخفيت عليهم.

فتارة يري الامام عليه السلام اناسا ساذجين قلبوا الأمر عليهم، فيواجههم برحابة صدره الشريف، كما حصل ذلك مع الشيخ الشامي الذي حمد الله علي قتل الحسين عليه السلام و أهله! - في البدية - و لكنه حينما يسمع آيات قرآنية نازلة في شأن آل بيت رسول الله - كآية التطهير، و المودة في القربي و غيرها - يرجع الي فطرته السليمة و يقول: اللهم اني تائب اليك مما تكلمته و من بغض هؤلاء القوم، اللهم اني أبرأ اليك من عدو محمد و آل محمد من الجن و الانس. [1] .

و لم يتحمل يزيد ذلك فأمر بقتل ذلك الشيخ الشامي. [2] .

ان التمسك بالقرآن و الاستدلال به هو أحسن طريق اتخذه الامام عليه السلام للاحتجاج به في هذا المقطع، لأنهم - كما ذكرنا - منعوا نشر أحاديث فضل أهل البيت عليهم السلام منعا كاملا، كما وضعوا في قبالها أحاديث في شأن مبغضيهم!

فتارة نري الامام اذا واجه الطاغية قابله و هاجمه بقوة الايمان و صلابة البيان و اقامة البرهان بحيث لم يبق له الا الخزي و الخسران، ثم أوعده بالنيران لأنه تابع امامه الذي ليس هو الا الشيطان، و لكونه ثمرة عبدة الأوثان. فلذلك واجهه بهذا الكلام: أنشدك بالله يا يزيد ما ظنك برسول الله صلي الله عليه و آله لو رآنا مقرنين في الحبال؟ أ ما كان يرق لنا؟ فأمر يزيد بالحبال فقطعت و عرف الانكسار فيه [3] . فلم


يبق في القوم الا من بكي [4] ، و حينما استشهد يزيد - المدعي خلافة رسول الله - ببيت لشاعر جاهلي يجيبه الامام عليه السلام بآية قرآنية، فيثقل ذلك علي يزيد [5] ، و لم يجد الا أن يلتجي ء لآية شريفة في غير موقعها، فيثبت الامام عليه السلام له و للجميع عدم فقهه بالقرآن و عدم دركه معناه [6] ، هذا و هو مدعي الخلافة الاسلامية؟

و مع الأسف الشديد فان كثيرا من المؤرخين لم يذكروا هذه القطعة الأخيرة.

هذا جانب مما نقل عن نشاط الامام عليه السلام علي صعيد مواجهة الطاغوت و مجابهته، و كسر كبريائه و سطوته، و كذا الأمر بالنسبة الي مقابلة الامام عليه السلام مع بعض الأشخاص، سواء كانوا من الساذجين المنخدعين منهم - كما مر في قصة الشيخ الشامي - أو غيرهم مثل ما ذكر حول تكلم الامام عليه السلام مع مكحول صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله [7] أو منهال. [8] .

و أما علي الصعيد الشعبي العام فنجد ذروة ذلك في خطبته الغراء التي القيت أمام حشد الجماهير مع حضور يزيد الملعون، و لقد بسطنا القول في تأثير الخطبة و صداها فراجع [9] ، و نكتفي بذكر ما أورده السيد محمد بن أبي طالب عند ذكره الخطبة، قال: «فلم يزل أنا أنا حتي ضج الناس بالبكاء و النحيب و الأنين و خشي يزيد اللعين أن تكون فتنة، فأمر المؤذن فقال: اقطع عليه الكلام». [10] .


و من هنا نعلم ما هو السر وراء قيام يزيد بحبس الامام عليه السلام [11] ، أو أمره باغتياله [12] ، و اقتراح بعض الصحابة! [13] و مشاوريه [14] ذلك. و هذه الشواهد المتقنة تؤيد مدي نجاح نشاط الامام عليه السلام و عمله في جوانب متعددة.


پاورقي

[1] الفتوح 183:2؛ تفسير فرات الکوفي: 153 ح 191؛ أمالي الصدوق:230؛ روضة الواعظين 191:1؛ الاحتجاج 120:2؛ مقتل الخوارزمي 61:2؛ بحارالأنوار، 154:45 و 166.

[2] الملهوف: 211؛ تسلية المجالس 384:2.

[3] الطبقات الکبري: 83؛ الرد علي المتعصب العنيد: 49؛ تذکرة الخواص: 262؛ الکامل في التاريخ 86:4؛ تاريخ دمشق 493:19؛ مثير الأحزان: 98؛ الملهوف: 213؛ جواهر المطالب 294:2.

[4] تذکرة الخواص: 262.

[5] المعجم الکبير للطبراني 109:3، ح 2806؛ تاريخ مدينة دمشق 493:19؛ سير أعلام النبلاء 319:3؛ تاريخ الاسلام: 18؛ مجمع الزوائد 195:9.

[6] تفسير القمي 352:2؛ الفصول المهمة: 195.

[7] الاحتجاج 134:2، عنه بحارالأنوار، 162:45.

[8] تفسير القمي 134:2؛ الفتوح 187:2؛ تفسير فرات الکوفي: 149؛ مقتل الخوارزمي 71:2.

[9] انظر مبحث «نظرة خاطفة في الخطبة و صداها» في هذا الکتاب.

[10] تسلية المجالس 395:2.

[11] المناقب 173:4؛ أمالي الصدوق: 231؛ بصائر الدرجات: 339؛ بحارالأنوار، 140:45.

[12] بحارالأنوار، 168:45 و 200؛ المناقب 173:4.

[13] تاريخ مدينة دمشق 420:19.

[14] اثبات الوصية: 145؛ البداية و النهاية 198:8.