بازگشت

حقائق أم أوهام؟


1- قيل: ان يزيد أمر بالنسوة - من آل البيت عليهم السلام - أن ينزلن في دار علي حدة معهن ما يصلحهن و أخوهن علي بن الحسين في الدار التي هن فيها. [1] .

و فيه: أن هذه الدار تختلف عن الدار الخربة التي وصفت بكونها لا تكنهم من حر و لا برد حتي تقشرت وجوههم [2] ، بل هي دار نقلوا اليها بعد أحداث مجلس يزيد، و يدل عليه ما أردفه الطبري بعد ذلك بقوله: فخرجن حتي دخلن دار يزيد فلم تبق من آل معاوية امرأة الا استقبلتهن تبكي [3] ، فهي اما دار يزيد كما هو ظاهر


نقل الطبري، و تصريح آخرين بقولهم: ان يزيد أنزلهم في داره الخاصة [4] ، أو دار تتصل بدار يزيد كما مرذلك عن المفيد [5] و الطبرسي [6] ، فما عن بعض من توصيف منزلهم بالحسن و الصلاح! فغير صحيح، و المنقول من ذلك محمول علي ما ذكر، و يؤيده ما قاله السيد محمد بن أبي طالب بقوله: «روي أن اللعين لما خشي شق العصا و حصول الفتنة أخذ في الاعتذار و الانكار لفعل ابن زياد و ابداء التعظيم و التكريم لعلي بن الحسين عليهماالسلام و نقل نساء رسول الله صلي الله عليه و آله الي داره الخاصة و كان لا يتغدي و لا يتعشي الا مع سيدنا سيدالعابدين». [7] .

2- قيل: ان يزيد ما كان يتغدي و يتعشي حتي يحضر معه علي بن الحسين عليهماالسلام. [8] .

و فيه - ان صح ذلك - أنه لم يكن الا بعد تغير المعادلة و انقلاب الأمر عليه، قام به حفظا للظاهر سياسة منه و خوفا من الفتنة، و أما في الخفاء و الواقع فقد عرفت غير مرة أنه هو الذي هم بقتل الامام زين العابدين عليه السلام و أراد اغتياله، و هو الذي كشف عن خبث باطنه و سوء سريرته عند محادثته مع الامام عليه السلام.

3- قيل: ان يزيد طلب من علي بن الحسين عليه السلام أن يصارع ولده خالدا. [9] .


و هذا أيضا خطأ و غير صحيح قطعا، و ان صح مضمون الخبر فهو في شأن عمرو بن الحسن، الذي ذكره أصحاب السير و التواريخ منهم ابن سعد في طبقاته، قال: ثم دعا بعلي بن حسين و حسن بن حسن و عمرو بن حسن، فقال لعمروبن حسن و هو يومئذ ابن احدي عشرة سنة: أتصارع هذا؟ يعني خالد بن يزيد، قال: لا، و لكن أعطني سكينا و أعطه سكينا حتي أقاتله، فضمه اليه يزيد و قال:



شنشنة أعرفها من أخزم

هل تلد الحية الا حية [10] .



و منه يظهر أن ما في بعض الكتب [11] من كونه عمرو بن الحسين، بدل عمرو بن الحسن تصحيف، اذ لا نعلم بولد له عليه السلام بهذا الاسم، مضافا الي أنه لم يبق من ذريته الطاهرة الا الامام علي بن الحسين عليه السلام.

والذي يغلب علي الظن - أن عمال بني أمية دسوا هذه الامور و نشروها بين أوساط الناس بعد ما رأوا تأثير كلام الامام عليه السلام في قلب عاصمة حكومة بني أمية السوداء، أو أنه حصل من سهو الكتاب.

و أما البيت الذي تمثل به يزيد فهناك بعض الخلاف في كيفيته، روي الخوارزمي أنه قال:



شنشنة أعرفها من أحزم

هل يلد الأرقم غير الأرقم [12] .



و روي ابن الجوزي: «سنة أعرفها من أحرم» [13] ، و جاء في نسخة من كتابه كما


في الطبقات و في نور الأبصار: «و هل تلد الحية الا الأحوية». [14] .

و في المناقب:



هذا من العصا عصية

هل تلد الحية الا الحية



ثم قال: و في كتاب الأحمر قال: أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب. [15] .

و في الاحتجاج أنه قال: لا تلد الحية الا الحية

أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب [16] .

و أصل البيت هو - كما عن ابن الكلبي - لأبي أخزم الطائي و هو جد أبي حاتم أو جد جده، و كان له ابن يقال له أخزم، و قيل كان عاقا فمات و ترك بنين، فوثبوا يوما علي جدهم أبي أخزم فأدموه، فقال:



ان بني ضرجوني بالدم

شنشنة أعرفها من أخزم



يعني هؤلاء أشبهوا أباهم في العقول، و الشنشنة: الطبيعة و العادة.. يضرب في قرب الشبه. [17] .

4- قيل: (ان فاطمة بنت علي قالت لامرأة يزيد: «ما ترك لنا شي ء». فالتفت يزيد فقال: «ما أتي اليهم عظيم»، ثم ما ادعوا شيئا ذهب لهم الا أضعفه لهم). [18] .


و من هذا القبيل ما رواه ابن الأثير بقوله: «و سألهن - أي يزيد - عما أخذ منهن فأضعفه لهن [19] ، و ما رواه الطبري و ابن كثير: و أرسل يزيد الي كل امرأة ماذا أخذ لك؟ و ليس منهن امرأة تدعي شيئا بالغا ما بلغ الا قد أضعفه لها». [20] .

ففي جميع ذلك أنه: أولا: لا نسلم بصحة الخبر،فشأن أهل البيت - الذين هم أهل بيت الحمية و الغيرة و أرباب العزة و المنعة - أعلي و أرفع من أن يطلبوا من رجل خبيث سيي ء السيرة و السريرة شيئا، فما هي الا مفتعلات و موضوعات وضعها أنصار بني أمية حقدا علي أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و بغضا لهم.

و ثانيا: علي فرض التسليم بها، فان مطالبة أهل البيت ما كانت لأجل الحصول علي أمور مادية، بل هناك في ضمن ما سلب منهم بعض مواريث آل البيت الخاصة، و خاصة ما يتعلق بفاطمة الزهراء سلام الله عليها [21] ، و هذا أمر لا يعوض بأي شي ء.

و ثالثا: من الممكن أن بعض نساء آل البيت نقلن تلك الامور، لأجل تبيين عمق الفاجعة و المأساة التي جرت في كربلاء، حتي يبقي في التاريخ وء يذكر علي الألسن، لا أن يكون المقصود مطالبة شي ء منها.

و رابعا: يحق لكل أحد غصب ماله أن يطالب به، و ليس في ذلك أي نقيصة، و لكن المسائل التي ضمتها هذه الروايات أوجبت أن نتأمل في قبولها، فان هناك أغراضا سياسية فاسدة لا يمكن التغاضي عنها.

5- ان المتتبع في أحداث كربلاء يجد روايات تريد أن تمر علي القضايا


مرورا سريعا، غامضة العين، كأنه لم يحدث شي ء! أو أنه انتهي بالخير و السلامة! نذكر بعضها:

روي الذهبي باسناده عن عمرو بن دينار قال: «حدثنا محمد بن علي عن أبيه قال: قتل الحسين و أدخلنا الكوفة فلقينا رجل، فأدخلنا منزله، فألحفنا! فنمت فلم أستيقظ الا بحس الخيل في الأزقة، فحملنا الي يزيد، فدمعت عينه حين رآنا، و أعطانا ما شئنا! و قال: انه سيكون في قومك أمور، فلا تدخل معهم..». [22] .

ان الناظر الجاهل بالحقائق حينما يقرأ الخبر، يتصور أن راويه يقص عن سفر فحسب! و لم يحدث أي خبر في الكوفة، لا من السجن و لا أحداث مجلس عبيدالله بن زياد، و لم يحدث في الطريق الي الشام أي أمر، و وصلوا بالخير و السلامة الشام، و تأثر يزيد، بحيث دمعت عينه!.

و لا نعلم كيف يتصور امكان أن يأخذ رجل بقية الركب الي منزله و الحراسة مشددة عليهم من قبل ابن زياد؟!

و روي الطبراني - بعد ذكر بعض أحداث مجلس يزيد و محادثة الامام عليه السلام معه - قال: «فجعلت فاطمة و سكينة يتطاولان لتريا رأس أبيهما، و جعل يزيد يتطاول في مجلسه ليستر عنهما رأس أبيهما، ثم أمر بهم فجهزوا و أصلح اليهم و أخرجوا الي المدينة»!. [23] .

و هناك بعض الأخبار التي هي علي هذا المنوال، فكل هذه الروايات اما أن تكون بيان قطعة ناقصة من الحادثة، و اما أن تكون لأجل تحريف التاريخ عن حقائقه.



پاورقي

[1] تاريخ الطبري 339:3 ط دار الکتب العلمية بيروت و في ط 353:4 و نحوه في نورالأبصار: 132.

[2] أمالي الصدوق: 231؛ شرح‏الأخبار 269:3؛ روضةالواعظين 192:1؛ مثيرالأحزان: 102؛ الملهوف: 219؛ تسلية المجالس 396:2؛ بحارالأنوار 140:45.

[3] تاريخ الطبري 339:3.

[4] مقتل الخوارزمي 74:2؛ تسلية المجالس 399:2، بحارالأنوار 143:45.

[5] الارشاد 122:2.

[6] اعلام‏الوري: 249.

[7] تسلية المجالس 457:2.

[8] مقتل الخوارزمي 74:2؛ المنتظم 344:5، تاريخ الطبري 353:4؛ الکامل في التاريخ 7:4؛ تسلية المجالس 399:2؛ البداية و النهاية 197:8.

[9] مقتل الخوارزمي 74:2؛ المناقب 172:4 (عن الطبري و البلاذري)؛ الاحتجاج 134:2 عنه بحارالأنوار 162:42.

[10] الطبقات الکبري (ترجمة الامام الحسين عليه‏السلام من القسم غير المطبوع): 84. انظر أيضا: تاريخ الطبري 353:4؛ الکامل في تاريخ 87:4؛ مثير الأحزان: 105، (و فيه: عمر بن الحسن بدل عمرو، و أيضا في أن يزيد قال قبل انشاده البيت: ما تترکون عداوتنا صغارا و کبارا»؛ الملهوف: 223.

[11] الأخبار الطوال: 261؛ المنتظم 344:5؛ البداية و النهاية 197:8؛ نور الأبصار: 132.

[12] مقتل الخوارزمي 74:2.

[13] المنتظم 344:5.

[14] نور الأبصار: 132.

[15] المناقب 173:4.

[16] الاحتجاج 134:2.

[17] مجمع الأمثال 375:1 (رقم 1933).

[18] الطبقات الکبري (ترجمة الامام الحسين عليه‏السلام من القسم غير المطبوع): 83؛ و نحوه ما روي عن فاطمة بنت الحسين عليهماالسلام أنها قالتها لام‏کلثوم زوج يزيد. انظر عبرات المصطفين 289:2 عن مخطوطة مرآة الزمان: 100.

[19] الکامل في التاريخ 86:4.

[20] تاريخ الطبري 355:4؛ البداية و النهاية 198:8.

[21] الملهوف: 222.

[22] سير أعلام النبلاء 320:3.

[23] المعجم الکبير للطبراني 109:3: ح 2806.