بازگشت

محاورات الامام السجاد مع يزيد


لقد بلغت الحرب النفسية الذروة بعد وقعة الطف الأليمة، و لم تكن بأقل من الحرب في ظل السيوف، فيزيد يريد أن يظهر بمظهر الغالب الظافر في جميع المجالات، و أن يري انتهاء الأمر بتمامه، لكي يتم بذلك كل شي ء له! و هو يعلم أنه لا يصل اليه الا بظفره في هذه الحرب النفسية، فثم يتم ترجيح احدي كفتي المعادلة. و في جبهة الحق نري أنها تسير علي مسير قائدها، و تتحرك نحو تحقق أهدافها. و للامام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام القدح المعلي في ذلك، لأنه هو الحجة علي الأرض بعد أبيه، و لذلك نري أن زينب الكبري تقف خلفه في جميع المواقف، و منها ما روي أنه قال يزيد لزينب: تكلميني؟! فقالت: هو - أي الامام زين العابدين عليه السلام - المتكلم [1] ، نعم و لعمته زينب الكبري سلام الله عليها الدور الأوفي بعده كما نذكره ان شاء الله.

كان الامام عليه السلام يواجه مشاكل عديدة ينبغي له أن يتغلب عليها:

1- طاغوتا يسمي بيزيد متستر بستار الخلافة الاسلامية، لابد أن يفتضح علي رؤوس الأشهاد، و يكشف الغطاء عن واقعه الرذل، ليكسر أمام محبيه و مواليه.

2- حكما دمويا تحت غطاء ديني، فيزيد يستند الي بعض الآيات القرآنية! و لا بد للامام أن يواجه ذلك، و يتمسك بالقرآن في الاجابة، أو يفسره بواقعه.

3- اعلاما مضللا و بيئة مسمومة، فلقد عرفوا الحسين عليه السلام بأنه رجل خارجي! فعلي الامام أن يواجه ذلك بكل صلابة و يعرف أباه و نفسه و أهل بيته بأنهم أولاد رسول الله صلي الله عليه و آله، حيث يتكرر ذلك في مواطن عديدة.


أن كل ذلك يحتاج الي اتخاذ مواقف بطولية و شجاعة علوية و صمود فاطمي و قد تمثلت في زين العابدين و زينب الكبري سلام الله عليهما.

و حينها سوف تري من هو الغالب؟!

قال ابن سعد: «ثم أتي يزيد بن معاوية بثقل الحسين و من بقي من أهله، فادخلوا عليه قد قرنوا في الحبال، فوقفوا بين يديه، فقال له علي بن الحسين: أنشدك بالله يا يزيد، ما ظنك برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لو رآنا مقرنين في الحبال، أما كان يرق لنا؟! فأمر يزيد بالحبال، فقطعت، و عرف الانكسار فيه!». [2] .

و هكذا تمكن الامام عليه السلام في أول موقف وقفه أمام هذا الطاغي أن يجرده من السلاح، فهو عليه السلام لم يكسره نفسيا فحسب، بل جعل الانكسار يبين و يعرف فيه، كما صرح بذلك ابن سعد، و سبط ابن الجوزي - في المرآة -.

قال سبط ابن الجوزي: «و كان علي بن الحسين و النساء موثقين في الحبال، فناداه علي: يا يزيد، ما ظنك برسول الله لو رآنا موثقين في الحبال عرايا علي أقتاب الجمال، فلم يبق في القوم الا من بكي». [3] .

و هذه الرواية تصرح بتغيير وضع المجلس بهذه الكلمة.

قال ابن نما: «فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: و أنا مغلول فقلت: أتأذن لي في الكلام؟


فقال: قل و لا تقل هجرا!

قلت: لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر، ما ظنك برسول الله لو رآني في الغل؟

فقال لمن حوله: حلوه». [4] .

قال ابن أعثم: «ثم أتي بهم - الأسري من آل البيت - حتي أدخلوا علي يزيد، و عنده يومئذ وجوه أهل الشام، فلما نظر الي علي بن الحسين رضي الله عنه قال: من أنت يا غلام؟!

فقال: أنا علي بن الحسين.

فقال: يا علي، ان أباك الحسين قطع رحمي و جهل حقي و نازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت.

فقال علي بن الحسين: (ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك علي الله يسير). [5] .

فقال يزيد لابنه خالد: «اردد عليه يا بني»، فلم يدر خالد ماذا يقول، فقال يزيد قل له: (و ما أصابكم ن مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير) [6] «. [7] .


يستفاد من هذه الرواية استشهاد يزيد بالآية الشريفة، دون أن يرده الامام، و فيه تأمل واضح، فكيف يستند الطاغي الي آية شريفة في المقام - و هو يريد المغالطة في البين - و الامام قادر علي الجواب و لا يفعل!

فلذلك نري حصول خلل في النقل.

فبعضهم لم يذكر شيئا عن اجابة يزيد لكلام الامام، مثل ما أورده ابن الجوزي في المنتظم [8] ، و لا بأس به.

و لنعم ما ذكره أبوالفرج الاصفهاني في المقام، قال: «ثم دعا يزيد - لعنه الله - بعلي بن الحسين، فقال: ما اسمك؟ فقال: علي بن الحسين، قال: أولم يقتل الله علي بن الحسين؟! قال: قد كان لي أخ أكبر مني يسمي عليا فقتلتموه! قال: بل الله قتله، قال علي: (الله يتوفي الأنفس حين موتها) [9] ، قال له يزيد: (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) [10] ، فقال علي: (ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك علي الله يسير - لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور). [11] .

فوثب رجل من أهل الشام فقال: دعني أقتله، فألقت زينب نفسها عليه». [12] .

فتحصل أنه بناء علي ما ذكره أبوالفرج ينتهي الكلام بما استند به الامام عليه السلام، و هو المطلوب المختار.


و الدليل عليه ما رواه علي بن ابراهيم القمي عن الامام جعفر الصادق عليه السلام، قال: قال الصادق عليه السلام:

«لما أدخل رأس الحسين بن علي عليهماالسلام علي يزيد لعنه الله و أدخل عليه علي بن الحسين و بنات أميرالمؤمنين عليه السلام، و كان علي بن الحسين عليه السلام مقيدا مغلولا، فقال يزيد: يا علي بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك.

فقال علي بن الحسين: لعن الله من قتل أبي.

فغضب يزيد و أمر بضرب عنقه.

فقال علي بن الحسين: فاذا قتلتني فبنات رسول الله صلي الله عليه و آله من يردهم الي منازلهم وليس لهم محرم غيري؟

فقال: أنت تردهم الي منازلهم!

ثم دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده.

ثم قال له: يا علي بن الحسين، أتدري ما الذي أريد بذلك؟

قال: بلي تريد أن لا يكون لأحد علي منة غيرك.

فقال يزيد: هذا والله ما أردت أفعله.

ثم قال يزيد: يا علي بن الحسين (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم). [13] .

فقال علي بن الحسين: كلا، ما هذه فينا نزلت، انما نزلت فينا: (ما أصاب من مصيبة في الأرض... و لا تفرحوا بما آتاكم...) [14] ،


فنحن الذين لا نأسي علي ما فاتنا، و لا نفرح بما آتانا منها». [15] .

نعم، ذكر ابن الصباغ المالكي بعد ذكر استشهاد يزيد بآية: (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) كلاما للامام علي بن الحسين عليه السلام يكون بمنزلة تفسير هذه الآية قال: فقال علي عليه السلام: هذا في حق من ظلم، لا في من ظلم [16] ، فالامام يهدم أصل استناد يزيد من الأساس، و يبين عدم فقهه بمعني الآية الشريفة.

قالوا: «ثم دعا بالنساء و الصبيان، فأجلسوا بين يديه، فرأي هيئة قبيحة فقال: قبح الله ابن مرجانة، لو كانت بينكم و بينه قرابة و رحم ما فعل هذا بكم و لا بعث بكم هكذا». [17] .

و هذا أيضا موضع آخر لتبين الانكسار في وجه يزيد، و التجائه للتفوه بهذه الكلمات الواهية، و هو يريد أن يتخلي عن المسؤولية و يرميها علي عاتق فاسق مثله هو ابن زياد.


پاورقي

[1] المناقب 173:4.

[2] الطبقات الکبري (ترجمة الامام الحسين من القسم غير المطبوع): 83. روي مضمونه: الرد علي المتعصب العنيد: 49؛ تذکرة الخواص: 262؛ عبرات المصطفين 288:2؛ الکامل في التاريخ 86:4؛ تاريخ دمشق 493:19؛ مثير الأحزان: 98؛ الملهوف: 213؛ جواهر المطالب 294:2؛ تسلية المجالس 384:2 و فيه: «.. و کان أول من دخل شمر بن ذي الجوشن علي يزيد بعلي بن الحسين عليه‏السلام مغلولة يده الي عنقه..».

[3] تذکرة الخواص: 262.

[4] مثير الأحزان: 99.

أقول: لو لم يتجرأ ذلک القائل بقوله في يوم الرزية أن النبي ليهجر، أو أنه قد غلبه الوجع - و العياذ بالله - لما کان يتجرأ هذا الخبيث أن يتفوه بمثل هذه الکلمات في حق أبنائه.

[5] الحديد: 22.

[6] الشوري: 30.

[7] الفتوح: 184:2. و روي مضمونه في: أنساب الأشراف 419:3؛ الطبقات الکبري - من القسم غير المطبوع - 83؛ تاريخ الطبري 352:4؛ الکامل 352:4؛ الکامل 86:4؛ الارشاد 120:2؛ اعلام الوري: 249؛ مقتل الخوارزمي 63:2؛ الرد علي المتعصب العنيد: 49؛ عبرات المصطفين 288:2.

[8] المنتظم 343:5.

[9] الزمر: 42.

[10] الشوري: 30.

[11] الحديد: 23-22.

[12] مقاتل الطالبيين: 120.

[13] الشوري: 30.

[14] الحديد: 23 - 22.

[15] تفسير القمي 352:2 عنه بحارالأنوار 168:45 ح 14.

[16] الفصول المهمة: 195.

[17] انظر تاريخ الطبري 352:4؛ البداية و النهاية 196:8؛ اعلام الوري: 249.