بازگشت

تمثل بأبيات ابن الزبعري


قال الخوارزمي: «ثم كشف (يزيد) عن ثنايا رأس الحسين بقضيبه ينكته به و أنشد.. فقال بعض جلسائه: ارفع قضيبك فوالله ما أحصي ما رأيت شفتي محمد صلي الله عليه و آله و سلم في مكان قضيبك يقبله! فأنشد يزيد:



يا غراب البين ما شئت فقل

انما تندب أمرا قد فعل



كل ملك و نعيم زائل

و بنات الدهر يلعبن بكل



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل



لأهلوا و استهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل



لست من خندف ان لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل



لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء و لا وحي نزل



قد أخذنا من علي ثارنا

و قتلنا الفارس الليث البطل



و قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل [1] .



عدة ملاحظات

1- ان يزيد تمثل بأبيات ابن الزبعري في المقام. صرح بذلك الكثير.

منهم: أبوالفرج الاصفهاني [2] و ابن أعثم الكوفي [3] و سبط ابن الجوزي [4] و ابن شهر آشوب [5] والخوارزمي [6] ..


و ابن نما [7] و ابن عساكر [8] و الباعوني [9] و السيد ابن طاووس [10] و ابن أبي الحديد المعتزلي [11] و ابن عبد ربه [12] و البدخشاني [13] و غيرهم. وادعي سبط ابن الجوزي الشهرة في ذلك [14] .

أما أصل الأشعار فقد ذكرها ابن هشام (المتوفي سنة 213 أو 218) [15] و محمد بن سلام الجمهي (المتوفي سنة 231) [16] ، و الجاحظ (المتوفي سنة 255) [17] ، و أقدمها و أكملها في سيرة ابن هشام.

و أما ابن الزبعري فهو عبدالله بن الزبعري بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم، أبوسعد، شاعر قريش من الجاهلية، كان شديدا علي المسلمين، قيل انه أسلم في الفتح سنة ثمان، و مات سنة 15 من الهجرة. [18] .

قال الخوارزمي: «قال الحاكم: الأبيات التي أنشدها يزيد بن معاوية هي


لعبيدالله بن الزبعري أنشدها يوم أحد لما استشهد حمزة عم النبي صلي الله عليه و آله و جماعة من المسلمين، و هي قصيدة طويلة». [19] .

قال ابن هشام: «قال ابن اسحاق: و قال عبدالله بن الزبعري في يوم أحد:



يا غراب البين أسمعت فقل

انما تنطق شيئا قد فعل



ان للخير و للشر مدي

و كلا ذلك وجد و قبل



و العطيات خساس بينهم

و سواء قبر مثر و مقل



كل عيش و نعيم زائل

و بنات الدهر يلعبن بكل



أبلغا حسان عني آية

فقريض الشعر يشفي ذا الغلل



كم تري بالجر من جمجمة

و أكف قد أمرت و رجل



و سرابيل حسان سريت

عن كماة أهلكوا في المنتزل



كم قتلنا من كريم سيد

ماجد الجدين مقدام بطل



صادق النجدة قرم بارع

غير ملتاث لدي وقع الأسل



فسل المهراس من ساكنه

بين أقحاف و هام كالجحل



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل



حين حكت بقباء بركها

و استحر القتل في عبد الأشل



ثم خفوا عند ذاكم رقصا

رقص الحفان يعلو في الجبل



فقتلنا الضعف من أشرافهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل



لا ألوم النفس الا أننا

لو كررنا لفعلنا المفتعل



بسيوف الهند تعلوهامهم

عللا تعلوهم بعد نهل



فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه بقصيدة مطلعها:




ذهبت يابن الزبعري وقعة

كان منا الفضل فيها لو عدل [20] .



و رواه الخوارزمي بهذا التفصيل مع تفاوت يسير. [21] .

2- ان يزيد قد زاد علي أبيات ابن الزبعري ما يدل علي كفره و خبث باطنه و سريرته، و يكشف عما في قلبه من الالحاد و الحقد لرسول الله صلي الله عليه و آله و أهل بيته الطيبين الطاهرين.

قال ابن أعثم: ثم زاد فيها هذا البيت من نفسه:



لست من عتبة ان لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل [22] .



و قال سبط ابن الجوزي: قال الشعبي: و زاد فيها يزيد فقال:

لعبت هاشم بالملك... الأبيات. [23] .

و عنه أنه قال: و قيل: ان يزيد زاد فيها هذه الأبيات:



لا ستهلوا ثم طاروا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل



لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء و لا وحي نزل



لست من خندف ان لم أنتقم

من بني هاشم ما كان فعل [24] .



و لذلك اتخذ كثير من علماء المسلمين موقفا جليا و صلبا أمام هذا الطاغي الملحد استنادا الي هذه الأبيات - والي غيرها من أعماله السيئة - كما ذكرنا ذلك بالتفصيل في المباحث السابقة، و منه علي سبيل المثال:


قال مجاهد: «نافق فيها، ثم والله ما بقي من عسكره أحد الا تركه». [25] .

3- لقد أوضحنا أن أرباب كتب السير و التاريخ قد ذكروا تمثيل يزيد بهذه الأبيات، و ان كان هناك اختلاف يسير في كيفية النقل وععد الأبيات، فبعضهم لم يذكر الابيتا واحدا [26] و بعضهم اثنين [27] و بعضهم ثلاثة [28] ، و بعضهم أربعة [29] ، و بعضهم خمسة [30] ، و بعضهم ستة [31] ، و بعضهم سبعة [32] ، و بعضهم ثمانية أبيات منها. [33] .

4- لقد استندت العقيلة السيدة زينب الكبري بنت الامام أميرالمؤمنين عليه السلام الي انشاد يزيد لهذه الأبيات في المجلس بقولها:

«ألا انها نتيجة خلال الكفر و ضب يجرجر في الصدر لقتلي يوم بدر، فلا يستبطي ء في بغضنا أهل البيت من كان نظره الينا شنفا و شنانا و أحنا و أضغانا يظهر كفره برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يفصح ذلك بلسانه، و هو يقول فرحا بقتل ولده و سبي ذريته غير متحوب و لا مستعظم يهتف بأشياخه:




لأهلوا و استهلوا فرحا

و لقالوا يا يزيد لاتشل



منتحيا علي ثنايا أبي عبدالله - و كان مقبل رسول الله صلي الله عليه و آله - ينكتها بمخصرته قد التمع السرور بوجهه [34] .. فلتردن و شيكا موردهم و لتودن أنك شللت و بكمت و لم تكن قلت ما قلت و فعلت ما فعلت». [35] .

5- قال ابن أبي الحديد المعتزلي في جملة أبيات ذكرها عن ابن الزبعري أنه قالها لوصف يوم أحد:



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل



حين حطت بقباء بركها

و استحر القتل في عبد الأشل



ثم قال: «كثير من النس يعتقدون أن هذا البيت ليزيد بن معاوية، و قال من أكره التصريح باسمه: هذا البيت ليزيد؟ فقلت له: انما قاله يزيد متمثلا لما حمل اليه رأس الحسين عليه السلام و هو لابن الزبعري، فلم تسكن نفسه الي ذلك، حتي أوضحته له فقلت: ألا تراه قال: «جزع الخزرج من وقع الأسل» و الحسين عليه السلام لم تحارب عنه الخزرج، و كان يليق أن يقول جزع بني هاشم من وقع الأسل، فقال بعض من كان حاضرا: لعله قاله يوم الحرة، فقلت: المنقول أنه أنشده لما حمل اليه رأس الحسين عليه السلام و المنقول أنه شعر ابن الزبعري، و لا يجوز أن يترك المنقول الي ما ليس بمنقول». [36] .

أقول: لا ريب في صحة ما قاله المعتزلي من أن أصل الأبيات لابن الزبعري


و ان زاد عليها يزيد أبياتا - كما مر - و كذلك لا خلاف في أنه أنشده لما حمل اليه رأس الحسين عليه السلام بالشام، ولكن ما ادعاه من عدم نقل انشاده في وقعة الحرة فانه غير صحيح، فلقد روي ابن عبد ربه ذلك بقوله: «و بعث مسلم بن عقبة برؤوس أهل المدينة الي يزيد، فلما القيت بين يديه جعل يتمثل بقول ابن الزبعري يوم أحد:



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل



لأهلوا و استهلوا فرحا

و لقالوا ليزيد لافشل



فقال له رجل من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ارتددت عن الاسلام يا أميرالمؤمنين!

قال: بلي نستغفرالله.

قال: والله لا ساكنتك أرضا أبدا، و خرج عنه». [37] .

و هذا اعتراف من يزيد علي نفسه بأن قوله يوجب الكفر و الارتداد عن الدين! و ان أمكن أن يقال بأنها سالبة بانتفاع الموضوع!!

6- جاء في تفسير القمي في ذيل الآية الشريفة: (ذلك و من عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ان الله لعفو غفور): [38] .

«و أما قوله: (و من عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) فهو رسول الله صلي الله عليه و آله لما أخرجته قريش من مكة و هرب منهم الي الغار و طلبوه ليقتلوه، فعاقبهم الله يوم بدر فقتل عتبة و شيبة و الوليد و أبوجهل و حنظلة بن أبي سفيان


و غيرهم، فلما قبض رسول الله صلي الله عليه و آله طلب بدمائهم فقتل الحسين و آل محمد بغيا و وعدوانا، و هو قول يزيد حين تمثل بهذا الشعر: (و ذكر الأبيات ثم قال:)

و قال الشاعر في مثل ذلك:



و كذالك الشيخ أوصاني به

فاتبعت الشيخ فيما قد سئل



و قال يزيد أيضا، و الرأس مطروح يقلبه:



ياليت أشياخنا الماضين بالحضر

حتي يقيسوا قياسا لا يقاس به



أيام بدر لكان الوزن بالقدر

فقال الله تبارك و تعالي: (و من عاقب) يعني رسول الله صلي الله عليه و آله (بمثل ما عوقب به) يعني حين أرادوا أن يقتلوه (ثم بغي عليه لينصرنه الله) يعني بالقائم عليه السلام من ولده. [39] .



7- روي ابن عساكر باسناده عن حمزة بن زيد الحضرمي قال: «رأيت امرأة من أجمل النساء و أعقلهن يقال لها (ريا) كان بنوأمية يكرمونها، و كان هشام (أي هشام بن عبد الملك) يكرمها، و كانت اذا جاءت الي هشام تجي ء راكبة فكل من رآها من بني أمية أكرمها، و يقولون ريا حاضنة يزيد بن معاوية، فكانوا يقولون قد بلغت من السن مائة سنة، و حسن وجهها و جمالها باق بنضارته! فلما كان من الأمر الذي كان [40] استترت في بعض منازل أهلنا، فسمعتها - و هي تقول و تعيب بني أمية مداراة لنا - قالت: دخل بعض بني أمية علي يزيد، فقال: «أبشر يا أميرالمؤمنين، فقد أمكنك الله من عدو الله! وعدوك - يعني الحسين بن علي - قد قتل و وجه برأسه اليك»، فلم يلبث الا أياما حتي جي ء برأس الحسين، فوضع بين يدي يزيد في طشت، فأمر الغلام، فرفع الثوب الذي كان عليه، فحين رآه خمر وجهه بكمه -


كأنه يشم منه رائحة [41] - و قال: الحمدلله الذي كفانا المؤونة بغير مؤونة! كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله.

قالت ريا: فدنوت منه فنظرت اليه و به ردع من حنا.

قال حمزة: فقلت لها: أقرع ثناياه بالقضيب كما يقولون؟

قالت: اي والذي ذهب بنفسه و هو قادر علي أن يغفر له، لقد رأيته يقرع ثناياه بالقضيب في يده و يقول أبياتا من شعر ابن الزبعري». [42] .

أقول: ليس بغريب أن يتمثل يزيد بتلك الأبيات في مواطن عديدة و مواقف مختلفة و متعددة، و من المحتمل أن ما روته ريا حصل في مجلسه الخاص كما جري ذلك في مجلسه العام، كذلك استند اليها في وقعة الحرة كما مر ذكره.

8-أنكر ابن تيمية - في رسالته «سؤال في يزيد بن معاوية» التي كتبها بعد قرون من وقعة الطف منتصرا ليزيد - كونه المردد لعشر ابن الزبعري (ليت أشياخي ببدر شهدوا). [43] .

و انكار ابن تيمية لمثل هذه المسألة الواضحة المسلمة تأريخيا، التي ادعي سبط ابن الجوزي حصول الشهرة عليها [44] ليس الا انكار أمر بديهي، و ليس الداعي لذلك الا نصرة يزيد، حشره الله معه، و لقد ذكرنا مصادر البحث شافيا فلا نعيد.



پاورقي

[1] مقتل الخوارزمي 58:2.

[2] مقاتل الطالبيين: 119.

[3] الفتوح 182:2.

[4] تذکرة الخواص 261.

[5] المناقب 114:4.

[6] مقتل الخوارزمي 66:2.

[7] مثير الأحزان: 101.

[8] تاريخ مدينة دمشق 420:19.

[9] جواهر المطالب 299:2.

[10] الملهوف: 214.

[11] شرح نهج‏البلاغة 280:14.

[12] العقد الفريد 139:5.

[13] نزل الأبرار: 159.

[14] تذکرة الخواص: 261.

[15] السيرة النبوية 143:3.

[16] طبقات الشعراء: 57.

[17] الحيوان 564:5.

[18] الاصابة 308:2 - ترجمة رقم 4679؛ المؤتلف: 132.

قال محمد بن سلام الجمهي: و بمکة شعراء، فأعبرهم شعرا عبدالله بن الزبعري، و الزبعري في اللغة السيي‏ء الخلق و الغليظ. (طبقات الشعراء: 57).

[19] مقتل الحسين للخوارزمي 74:2 (ط دار أنوار الهدي).

[20] أحجمنا عن ذکر القصيدة بکاملها لطولها، فمن شاء فليراجع: السيرة النبوية 143:3.

[21] مقتل الخوارزمي 66:2.

[22] الفتوح 182:2.

[23] تذکرة الخواص: 261.

[24] مرآة الزمان: 99 (علي ما في عبرات المصطفين 315:2).

[25] المنتظم 343:5؛ الرد علي المتعصب العنيد: 47؛ تذکرة الخواص: 261؛ البداية و النهاية 194:8.

[26] أمالي الصدوق: 231.

[27] مقاتل الطالبيين: 119؛ المنتظم 343:5؛ الرد علي المتعصب العنيد: 47؛ جواهر المطالب 299:2؛ الاتحاف بحب الاشراف: 56.

[28] مثير الأحزان: 101.

[29] الخرائج و الجرائح 580:2؛ البداية و النهاية 194:8؛ تفسير القمي (علي ما في بحارالأنوار 167:45 ح 13).

[30] مرآة الزمان: 99 (علي ما في عبرات المطفين 315:2)؛ الملهوف: 214؛ المناقب 114:4.

[31] بلاغات النساء: 21؛ الفتوح 182:2؛ الاحتجاج 122:2.

[32] روضة الواعظين 191:1.

[33] مقتل الخوارزمي 58:2.

[34] الاحتجاج 126:2 عنه بحارالأنوار 158:45.

[35] الملهوف: 217 - 216.

[36] شرح نهج‏البلاغه 280:14 عنه بحارالأنوار 156:45؛ عوالم 398:27.

[37] العقد الفريد 139:5.

[38] الحج: 60.

[39] تفسير القمي 86:3؛ عنه بحارالأنوار 167:45.

[40] من زوال ملک بني‏أميه و نقله الي بني‏العباس.

[41] روي الشبراوي عنها أنها قالت: دنوت من رأس الامام الحسين حين شم يزيد منه رائحة لم تعجبه فاذا تفوح منه رائحة من ريح الجنة کالمسک الأذفر بل أطيب.. انظر الاتحاف بحب الأشراف: 56.

[42] تاريخ مدينة دمشق 420:19 ترجمة ريا حاضنة يزيد بن معاوية. و روي في سير أعلام النبلاء 319:3؛ البداية و النهاية 205:8؛ الاتحاف بحب الأشراف: 56 بتفاوت.

[43] انظر: سؤال في يزيد بن معاوية: 14.

[44] تذکرة الخواص: 261.