ملاحظتان
الملاحظة الأولي:
قيل ان ابن تيمية - الضال المضل - نفي حضور أبي برزة الأسلمي مجلس يزيد، بدليل وجوده بالكوفة حينما أحضر الأساري من آل البيت. [1] .
فنقول: الدليل عليل من وجوه:
الأول: المشهور حضور أبي برزة في الشام و في مجلس يزيد، و قد ذكر ذلك الجم الغفير من المؤرخين مثل البلاذري و الطبري، و ابن أعثم، و ابن الأثير، و الذهبي، و ابن كثير، و ابن الجوزي، و سبطه، و الباعوني، و المزي و الخوارزمي و غيرهم، و كما أسلفناه. و هذا أمر لا يمكن لأحد أن يتغافل عنه الا اذا كان أعور!
الثاني: علي فرض وجوده بالكوفة زمن وجود الأسري فيها، فوجوده بالشام زمن وجودهم فيها ليس بأمر مستبعد، لأنه قد ذكرنا أن ابن زياد جهزهم و أرسلهم الي الشام و معهم جماعة، فمن الممكن أن يكون منهم، أو أنه ذهب بنفسه الي الشام.
الثالث: أن ابن تيمية لم ينف هذا فحسب، بل ينفي أمورا بديهية ضرورية و مسلمة تاريخيا مما يدعو الي السخرية و الاستهزاء به، فانه قال: «فيزيد لم يأمر بقتل الحسين! و لا حمل رأسه بين يديه، و لا نكت بالقضيب علي ثناياه، بل الذي
جري هذا منه هو عبيدالله بن زياد، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري، و لا طيف برأسه في الدنيا و لا سبي أحد من أهل الحسين»!!. [2] .
أن الناظر فيما أوردناه و المتتبع في السير يعلم بأن ابن تيمية - لكونه من أصلب المدافعين عن يزيد - كيف يبالغ بحرارة في الدفاع عن هذه الجرثومة الفاسدة، و كيف يعرض عن جميع ما ذكره أرباب السير و التاريخ من اقتراف يزيد لهذه الجريمة النكراء، فهذا هو ابن كثير الدمشقي - الذي تلوح شقاوته في تاريخه - من جملة من اعتراف بذلك و قال: «و قد ورد في ذلك آثار كثيرة» [3] ، فلأجل ذلك لا يعتني بكلامه في المقام.
الرابع: أن المهم هو اتخاذ هذا الموقف من أحد الصحابة في المجلس - أيا كان ذلك الصحابي - و هو ثابت.
الملاحظة الثانية
قال الخوارزمي: «و قيل: ان الذي رد علي يزيد ليس أبابرزة، بل هو سمرة بن جندب صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قال ليزيد: قطع الله يدك يا يزيد، أتضرب ثنايا طالما رأيت رسول الله يقبلهما و يلثم هاتين الشفتين؟ فقال له يزيد: لولا صحبتك لرسول الله لضربت و الله عنقك! فقال سمرة: ويلك تحفظ لي صحبتي من رسول الله و لا تحفظ لابن رسول الله بنوته؟ فضج الناس بالبكاء و كادت أن تكون فتنة». [4] .
ففيه:
أولا: أنه خبر مرسل لا يذكره غيره، و لا يثبت عند الخوارزمي أيضا، و لذلك يذكره بقوله (قيل).
و ثانيا: ان المشهور أن سمرة بن جندب قد مات قبل وقعة الطف [5] ، فالمسألة منتفية بانتفاء موضوعها رأسا.
و ثالثا: قيل أن سمرة كان عامل معاوية و شريكا في جرمه، و هو من شرطة ابن زياد الذين حرضوا الناس علي قتال أبي عبدالله الحسين عليه السلام، فمن كان هذا حاله يستبعد منه اتخاذ مثل هذا الموقف - علي فرض حياته و حضوره بالشام آنذاك - و ان لم نستبعد بالمرة أن يتخذ انسان فاسد موقفا جليلا في زمن ما.
و نرجع الي المقصود و نقول: بأن المهم هو محض اتخاذ هذا الموقف من أحد الصحابة و ان لم نعرفه علي وجه التحديد.
پاورقي
[1] انظر حول رأس الحسين 171.
[2] انظر: سؤال في يزيد بن معاوية لابن تيمية: 16؛ الاتحاف بحب الأشراف: 55.
[3] البداية و النهاية 194:8.
[4] مقتل الخوارزمي 58:2.
[5] مقتل الحسين للخوارزمي 64:2 ط دار أنوار الهدي.